يتسائل أحدهم قائلاً: لدي طفل عمره أربع سنوات يعاني من مشكلة في شكل أذنيه، حيث إن فيهما نتوءاً بارزاً للخارج، مما يجعل منظرهما ملفتاً، ويستجلب تعليقات الآخرين وسخريتهم؛ لا سيما زملائه من الأطفال، وهذا يشعره بالحرج والضيق، فلذا أخشى على استقراره النفسي، فهل يجوز إجراء عملية تجميل للأذنين للتقليل من ذلك البروز مراعاة لنفسيته ولتجنيبه سخرية الناس؟
وأجابت دار الإفتاء الفلسطينية على سؤاله: "إن عمليات التدخل الجراحي لتعديل شكل أعضاء الجسم يطلق عليها عمليات التجميل، وتقسم إلى قسمين: عمليات تجميل ضرورية لمعالجة تشوهات خلقية أو عارضة تؤثر على وظائف الأعضاء، مثل أن يولد الإنسان وعنده فك في حنكه، أو خلع في فخذه، أو تنقصه إحدى أذنيه، أو ما شابه ذلك، أو أن يقع له حادث، أو يصيبه مرض يفقده عضواً، أو يعطل عمله كلياً أو جزئياً، وهذا النوع من الجراحة لا بأس فيه، بل هو ضرورة شرعية، لأن الإنسان في الإسلام مخلوق مكرم، ومن ذلك التكريم أن الله تعالى سخر للإنسان كل ما في الكون، وجعل الإنسان مقدماً على كل الأشياء، ولذا اعتبر حفظ النفس من أهم مقاصد الشريعة، ولحفظ النفس أمر الله تعالى بكل ما يحفظ الإنسان في جسمه وعقله وعرضه، والتداوي من الأمراض جزء من الحفاظ على النفس، فلم يختلف العلماء في جواز كل عمليات التجميل التي تعيد للأعضاء إمكانية القيام بوظائفها الطبيعية".
وأضافت هذا يختلف عن عمليات التجميل التي تهدف لاصطناع الحسن، والزيادة منه، وتغيير خلق الله، كعمليات تكبير الشفتين والثديين وتصغير الأنف والذقن وغيرها الكثير، وكل ذلك محرم بمقتضى نهي الرسول الأكرم، صلى الله عليه وسلم، عن التزيد في الحسن بالنمص والوشم ونحوهما، أخرج الإمام البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: "لَعَنَ اللَّهُ الوَاشِمَاتِ وَالمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالمُتَنَمِّصَاتِ، وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ"، وقال الإمام ابن حجر العسقلاني في شرح الحديث: "يفهم منه أن المذمومة من فعلت ذلك لأجل الحسن، فلو احتاجت إلى ذلك لمداواة مثلاً جاز".
ووأوضحت أن محل السؤال وإن كانت العملية لا تشكل ضرورة، لكنها حاجة ترفع مشقة السخرية، وليس فيها معنى استجلاب الحسن، ولكن فيها معالجة لخلل، وإزالة لضرر، وهذا مما جاءت الشريعة بتقريره وتأكيده، ويطابق فهم ابن حجر للحديث السابق، ولذا؛ فالراجح جواز إجراء تلك العملية أخذاً بمفهوم قرار مجلس الإفتاء الأعلى في فلسطين رقم 1/81 والذي جاء فيه: "وأما إن كان في الأنف كبر أو اعوجاج، بشكل كبير مفرط، بحيث يسبب ضررًا حسيًا أو معنويًا، بأن يشكل ضيقًا، أو حرجًا، أو أذى نفسيًا، فقد أجاز كثير من العلماء إجراء عملية التجميل على سبيل التعديل، رفعًا للحرج، وإزالة للضرر، وليس على سبيل طلب الحسن وتغيير خلق الله، ولا للغش والتدليس"، وما ينطبق على الأنف في هذا القرار ينطبق على الأذن في حالة ابنك، فيجوز لك إجراء تلك العملية في تلك الحالة التي وصفتها.