مع الخيط الأول للنهار ينطلق، حيدرا شحوت، المزارع بواحة سيوة المصرية إلى أرضه. ينهمك في حصاد البلح بجميع أنواعه، ليصبح جاهزًا لتوزيعه على التجار داخل وخارج مصر.
لكن شحوت يرفض بيع أصناف بعينها من التمور، مثل جميع أهالي الواحة، ولديهم أسباب تدفعهم لهذا القرار.
يقول شحوت لموقع "سكاي نيوز عربية" بينما يتحرك بين العمال في مزرعته خلال موسم الحصاد، إن أبناء سيوة توارثوا منذ عقود عديدة عن أجدادهم ضرورة الاحتفاظ بعدد من أصناف البلح، وعدم إتاحتها في الأسواق.
معلومات عن سيوة
وتشتهر واحة سيوة التي تبعد عن القاهرة 820 كيلو مترا، بكونها الأكثر إنتاجًا للتمور في مصر، حيث تمتلك أكثر من 700 ألف نخلة تنتشر على مساحة 5600 فدانا.
ويساهم هذا في إنتاج نحو 84 ألف طن من التمور سنويا، وفقا للهيئة العامة للاستعلامات.
وتعتبر منظمة الأغذية والزراعة العالمية (الفاو)، واحة سيوة منطقة تراث زراعي ذات أهمية عالمية لحفاظها على النظم البيئية والتراثية في زراعة النخيل، فيما يُقام على أرضها سنويا مهرجان مخصص للتمور المصرية، يُعقد في أواخر شهر أكتوبر من كُل عام.
ورغم توفير مزارعي سيوة لعشرات الأصناف من البلح في الأسواق، لا يمكنهم المساس بأنواع محددة، كما يؤكد شحوت لموقع "سكاي نيوز عربية"، ومن أشهرها "طقطقت" و" امينزوه" و"إرغم غزال".
ويضيف الرجل الأربعيني: "هي أصناف نادرة، وذات قيمة عالية من الجودة، لذلك نستخدمها فقط كهدايا للمقربين والأعزاء، وتُقدم لضيوفنا كجزء من العادات التي تربينا عليها"
ويسرد شحوت قيمة تلك الأنواع مثل "طقطقت" قائلًا: "بلح رطب يمتاز بنسبة سكر عالية، يُطرح في نخيل يزيد عمرها عن 150 عاما، وأعدادها محدودة في واحة سيوة".
وبحسب أطلس نخيل البلح والتمور في مصر، الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو" فإن "طقطقت" من الأنواع النادرة للبلح، ويتم حصاده بداية من منتصف شهر سبتمبر حتى 15 أكتوبر، يُنتج منه نحو 70 كيلوجرام فقط سنويًا، ويتطلب رطوبة ودرجة حرارة متوسطة.
يصعب إنتاج كميات أكبر من ذلك، وفقا لعادل منصور، مهندس زراعي من سيوة، مُشيرًا إلى أن نخيل "طقطقت" لا يُزرع إلا في بساتين قليلة بالواحة، كما أن النخلة الواحدة لا تطرح ثمرات كثيرة.
ويتابع منصور في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية": "تمتلك أسرتي العديد من الأراضي في الواحة، لكن لا يوجد في مزارعنا سوى 3 نخلات فقط لبلح "طقطقت".
خلف كل صنف من البلح الذي لا يباع حكاية، وفقا لمنصور، حيث يتميز بلح " امينزوه" بطرحه مبكرًا عن كافة الأنواع الأخرى، وتحديدا في أواخر شهر يونيو، قبل موسم الحصاد الاعتيادي بـنحو 3 شهور.
عادات وتقاليد
عند جني " امينزوه" من النخيل، يتحرك المزارعون حاملين البلح في سلات كبيرة، ويمرون على منازل أفراد الأسرة والجيران المحيطة بالعائلة أو المزرعة لتوزيعها عليهم في لفتة طيبة مشهورة عن أهالي الواحة، كما يقولو منصور.
ويتسم بلح " امينزوه" بتحوله إلى اللون الأسود الداكن عند اكتمال نموه، ويتراوح إنتاجه من 40 إلى 70 كيلو غرام في العام الواحد.
ويؤكد محمد عمران جيري، مسؤول بمركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي بسيوة، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن المزارعين يتركون أحيانًا الأصناف النادرة من البلح "مشاع" حتى يحصل عليه المارة.
ويُشير جيري إلى أن سيوة لا تبخل على الأسواق ببلحها، حيث تُنتج أصناف مهمة مثل البلح السيوي الذي يُطلق عليه "الصعيدي" وآخر يُسمى "الفريحي" فضلًا عن "العزاوي" الذي يندرج أسفله عشرات الأنواع.
وينوه المسؤول إلى أن أهالي الواحة يعتبرون توزيع الأصناف النادرة على الأحباء بدلًا من بيعها دليل على الكرم والجود، واحتفاء بأنواع غير منتشرة في أي مكان آخر.
أنواع مهددة بالانقراض
ويشدد في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية" على وجود أنواع مهددة بالانقراض مثل "إرغم غزال" الذي يُزرع على نطاق ضيق بالواحة، ويتطلب رطوبة قليلة وحرارة مرتفعة، كما تصل كميته سنويًا إلى ما يقارب 60 كيلو غرام.
ويعتقد جيري إن إقامة مهرجان التمور في السنوات الفائتة ساعد على تحسين مستوى المزارعين وإدخال معاملات زراعية جديدة لحماية الأصناف النادرة من الاندثار ومحاولة زيادة الإنتاج بقدر الإمكان.
ويضيف جيري: لدينا حلم بتدشين معمل لإكثار النخيل على أرض الواحة، من أجل زيادة أنواع وكميات البلح بجودة عالية، والوقاية من الأمراض التي تُصيب الأراضي وتُفسد الثمرات.
يوسف عبد الفتاح، مدير مصنع للتمور بسيوة، لا يتوقع اختلاف في التعامل مع أصناف مثل "طقطقت" و"امنزوه" في حالة زيادة المعروض منها، موضحا لموقع "سكاي نيوز عربية" صعوبة التخلي عن المكانة المميزة التي وضعت فيها.
ويستطرد الرجل الذي يعمل في مجال تخزين وتصنيع التمور منذ صغره: "يعلم الجميع خصوصية تلك الأنواع من البلح، لذلك لا يطلبها أحد من التجار، خاصة مع وجود عشرات البدائل التي نقدمها بطُرق متنوعة".
إنتاج التمور في مصر
وتحتوي سيوة على 10 مصانع للتمور من بينها مصنع عبد الفتاح، الذي يُصدر منتجاته إلى دول عديدة في أنحاء العالم مثل بريطانيا وإيطاليا واستراليا وألمانيا، بجانب الإمارات والمغرب والسودان وإندونيسيا وماليزيا.
وتعد مصر هي الدولة الأولى عالميا في إنتاج التمور بنسبة تُقدر بـ 21 % من الإنتاج العالمي، من خلال توفير ما يزيد عن 1.7 مليون طن سنويًا من 15 مليون نخلة، وفقا لوزارة الزراعة المصرية.
يقول عبد الفتاح لموقع "سكاي نيوز عربية" بينما يتحرك داخل مصنعه مُلقيًا نظرة على بضاعته: يمكن لنا إنتاج وتصدير كافة أنواع التمور، لكن ممنوع الاقتراب من الأصناف النادرة، من يحبها يحصل عليها فقط كهدية.