تسجل الهند الآلاف من حوادث الاغتصاب سنويا، ولكن بعض هذه الحالات يثير سخطا أكثر من غيره بسبب طبيعته وظروفه.
ومن بين هذه الحالات الصادمة قضية شاب ثلاثيني قبضت عليه الشرطة في دلهي بتهمة اغتصاب عجوز عمرها 86 عاما.
وقالت سواتي ماليوال، مفوضة شؤون المرأة في في دلهي، لبي بي سي، "إن العجوز كانت أمام بيتها تنتظر بائع الحليب عندما اقترب منها المعتدي".
وقال لها إن بائع الحليب لن يأتي اليوم وعرض عليها أن يرافقها إلى المكان الذي يمكن أن تقتني منه حاجتها، فتبعته ولكنه أخذها إلى مزرعة قريبة واغتصبها هناك.
وقالت ماليوال إن العجوز كانت تبكي وتتوسل إليه وتقول له إنني في مقام جدتك، ولكنه لم يعبأ بتوسلها وبكائها، واعتدى عليها عندما حاولت أن تمنع نفسها عنه.
ولم تسلم منه إلا بعدما سمع بعض المارة بكاءها فخلصوها منه، وسلموه إلى الشرطة.
وزارت ماليوال الضحية في بيتها ووصفت حالتها بأنها "تفطر القلب".
وقالت عنها: "يداها مليئة بالتجاعيد، يحتار الإنسان عندما يسمع أنها تعرضت لهذا الأمر. وتسبب لها الاعتداء في كدمات على وجهها وكامل جسدها. وقالت لي إنها تعاني من نزيف في المهبل، وصدمة عنيفة".
وطالبت ماليوال بعقوبة الإعدام للمعتدي، الذي وصفته بأنه "ليس إنسانا".
وقالت: "راسلت رئيس الهيئة القضائية في دلهي ومحافظ المدينة وطالبتهم بتعجيل المحاكمة وإعدام المعتدي شنقا خلال ستة أشهر".
وأصبحت حوادث الاغتصاب محط الأنظار في الهند منذ ديسمبر/كانون الأول 2012 عندما تعرضت طالبة عمرها 23 عاما إلى اغتصاب جماعي في حافلة في دلهي.
وتوفيت بعد أيام متأثرة بجراحها، ونفذ حكم الإعدام شنقا على أربعة من المتهمين في مارس آذار.
ولكن على الرغم من تشديد الرقابة استمرت الاعتداءات الجنسية في الارتفاع.
فقد سجلت الشرطة، حسب المكتب الوطني للإحصاء الجرائم، 33977 جريمة اغتصاب في 2018، أي بمعدل جريمة اغتصاب واحدة كل 15 دقيقة. ولكن الناشطين يقولون إن الأرقام الحقيقية أكبر لأن الكثير من الحالات لا يبلغ عنها.
كما أن وسائل الإعلام لا تنقل إلا الحالات الأكثر فظاعة وتأثيرا على الرأي العام، أما الحالات الأخرى فلا يسمع عنها أحد.
ففي الأيام القليلة الماضية، وفي خضم صراع الهند من وباء فيروس كورونا، نقلت تقارير أن سائق سيارة إسعاف اغتصب امرأة مصابة بالفيروس كان بصدد نقلها إلى أحد المستشفيات.
أما الشهر الماضي فقد عثر على طفلة عمرها 13 عاما مقتولة في حقل لقصب السكر بعدما تعرضت للاغتصاب. وقال والدها إن القاتل نزع عينها وقطع لسانها.
وفي تموز تعرضت طفلة 6 سنوات إلى الاختطاف والاغتصاب، وأصابها المعتدي بجروح خطيرة في عينيها ربما حتى لا تتعرف عليه.
وتؤكد الناشطة، يوغيتا بايانا، أن الاغتصاب لا يعفي أي فئة ولا يتوقف عند أي سن، فقد "رأيت رضيعة عمرها شهر واحد، وامرأة عمرها 60 عاما تعرضتا للاغتصاب".
وبعد موجة السخط العالمية التي أثارها اغتصاب الطالبة في عام 2012 أصدرت الهند قوانين جديدة تخص الاغتصاب من بينها عقوبة الإعدام في الحالات الأكثر فظاعة وتسريع المحاكمة في قضايا الاغتصاب.
ولكن الناشطين يقولون إن هذه الإجراءات لم تغير كثيرا على أرض الواقع.
وترى بايانا أن الأمور لم تتغير لأن "حماية النساء والفتيات لا بد أن تكون على رأس أولويات الحكومة، ولكنها في الواقع ليست ضمن الأولويات أصلا".
وتقول إن "الهند تتحدث عن الأمن الخارجي، ولكنني أسألهم عن الأمن الداخلي، ماذا فعلتم لضمان سلامة النساء والفتيات".
وأضافت أنها على مدار سنوات وجهت أكثر من 100 رسالة إلى رئيس الوزراء ناريندرا مودي تطالبه فيها بإنصاف ضحايا الاغتصاب ولكنها لم تتلق ردا واحدا.
وتتساءل: "لماذا لا يتحدث عن هذا الأمر؟"
وعندما كان مودي في المعارضة كان يصف دلهي بأنها "عاصمة الاغتصاب".
وعندما تولى رئاسة الوزراء في 2014 بدا كأنه يضع القضية ضمن أولوياته. فقد تحدث عن الاغتصاب في خطابه بمناسبة اليوم الوطني وأسدى نصائح للأولياء عن كيفية تنشئة أبنائهم الذكور تنشئة صحيحة.
وقال: "عندما نسمع عن حوادث الاغتصاب، نشعر بالعار".
وأضاف: "في كل بيت يسأل الأولياء البنت أين هي ذاهبة ومتى تعود، ويطلبون منها أن تخطرهم بوصولها إلى المكان الذي هي ذاهبة إليه. ولكن هل سألت يوما ابنك أين هو ذاهب، ومن هم أصدقاؤه. فالمغتصب هو أيضا ابن له أولياء". وطلب من الأولياء بالانتباه إلى ما يفعله أبناؤهم الذكور.
وكان خطابه مدويا في مجتمع ذكوري مثل المجتمع الهندي.
ولكن حالات الاعتداء الجنسي استمرت في الارتفاع، والكثير منها بضلوع أشخاص نافذين، ورئيس الوزراء لا يقول شيئا، باستثناء تغريدة واحدة عندما تناولت وسائل الإعلام تهم اغتصاب ضد أعضاء من حزبه، فكتب: "إحقاق العدالة لبنات الهند".
وتقول بايانا "لا يوجد حل سحري يقضي على هذا العنف الجنسي بين عشية وضحاها".
فالمطلوب برأيها هو إجراء تغييرات عميقة، إصلاحات في الشرطة والقضاء، فضلا عن تحسيس الشرطة والمحامين وتطوير أدوات الأدلة الجنائية.
وتضيف أن "ما نحتاجه فوق كل ذلك هو التوعية، علينا أن نعمل من أجل تغيير الذهنيات لمنع حدوث هذه الجرائم من الأصل، وهذا عمل جبار".
وتابعت تقول: "ليس هناك أي مؤشر على أن الحكومة سواء في دلهي أو الحكومة الاتحادية جادة في تعاملها مع العنف الجنسي. أعمل في هذا الميدان منذ 8 أعوام ولم أقابل شخصا واحدا جادا في هذه المسألة".
"نجد لوحات إعلانية في الأماكن العامة عن قضايا عديدة وعن إنجازات الحكومة، وعن التحذير من فيروس كورونا، ومن المخدرات، ولكن رأينا يوما لوحة إعلانية عن الاغتصاب والعنف الجنسي؟"
"نسمع كثيرا شعار مودي "تربية البنات، حماية البنات"، وأقول لماذا لا نغيره إلى "تربية ابنك حماية ابنتك".