في تطور غير تقليدي، وفي الغالب يسبق حدوث اتجاه هابط في الأداء الاقتصادي العالمي، فإن سوق السندات بدأ في إرسال إشارات مقلقة للمستثمرين حول العالم.
تسببت المخاطر والشكوك حول الاقتصاد العالمي، في إرباك الأسواق العالمية منذ بداية شهر آب الجاري، وذلك بضغط الحرب التجارية بين واشنطن وبكين التي لا تلوح لها في الأفق نهاية قريبة، رغم إرجاء واشنطن فرض رسوم جمركية على مجموعة منتجات صينية.
وذلك إضافة إلى تنامي الاضطرابات في هونغ كونغ، فضلا عن تراجع العائد على سندات الخزانة الأمريكية، وانكماش الاقتصاد الألماني في الربع الثاني، ما دفع المستثمرين إلى اللجوء للملاذات الآمنة.
تراجع الأسواق العالمية
وبحسب صحيفة "الاقتصادية"، تراجعت الأسواق العالمية خلال 14 يوما من الشهر الجاري، بنسب راوحت بين 4 و15 في المائة، فيما حلقت أسعار الذهب والين الياباني إلى مستويات عالية مدفوعة بسعي المستثمرين وراء الملاذات الآمنة.
ولا يزال الذهب يتداول عند أعلى مستوى في ستة أعوام (نيسان 2013) بمكاسب 7.5 في المائة خلال الفترة، وارتفعت العملة اليابانية لأعلى مستوى في سبعة أشهر بمكاسب 2.7 في المائة، وارتفع الفرنك السويسري لأعلى مستوى خلال العام الجاري بمكاسب 2.1 في المائة.
ووفقا للرصد، فتراجع مؤشر فوتسي البريطاني بنسبة 6.2 في المائة، تلاه مؤشر داكس الألماني بنسبة 5.7 في المائة، ونحو 5.2 في المائة لمؤشر نيكاي الياباني، ونحو 4 في المائة لمؤشر شنغهاي الصيني.
أما بخصوص المؤشرات الأمريكية فتراجعت بصورة أقل من نظيرتها الأوروبية، إذ تراجع مؤشر داو جونز نحو 5.2 في المائة بما يعادل 1385 نقطة، فيما تراجع مؤشر ناسداك 4.9 في المائة فاقدا نحو 400 نقطة، فيما تراجع مؤشر ستاندرد آند بورز 4.7 في المائة خلال تداولات آب.
تراجع العملات الرئيسية وأسعار النفط
فيما كانت العملات الرئيسة على تباين، إذ تراجع الدولار 0.5 في المائة والجنيه الاسترليني 0.8 في المائة، وما زالت التنبؤات حول خفض الفائدة هي المؤثر الرئيس للدولار، فيما يعد خروج بريطانيا دون اتفاق من الاتحاد الأوروبي المهيمن على أداء العملة.
أما أسعار النفط فقد تراجعت بشكل كبير، إذ فقدت نحو 15.3 في المائة ليراوح سعر برميل خام برنت عند 55.2 دولار.
أكبر اقتصادات العالم في خطر
لذلك قد تواجه أكبر اقتصادات العالم حالياً خطر التعرض لأزمة اقتصادية قد لا يتطلب حدوثها الكثير.
إذ تقلص الاقتصاد البريطاني في الربع الثاني من العام، وركد النمو في إيطاليا، بينما الاقتصاد الألماني، والذي يُعد رابع أكبر اقتصاد في العالم، تقلص في الأشهر الـ3 قبل حزيران.
ومن المتوقع أن يبقى اقتصاد المكسيك ضعيفاً هذا العام، بينما تشير بيانات إلى أن البرازيل شهدت ركوداً في الربع الثاني.
وتعتبر كل من ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا والبرازيل والمكسيك من بين أكبر 20 اقتصادا في العالم. كما تعاني أيضاً سنغافورة وهونغ كونغ، اللتان تعتبران أصغر حجماً ولكن تتمتعا بذات الأهمية التجارية عالمياً.
ويواجه الاقتصاد الصيني نمواً قد يكون الأبطأ منذ حوالي 3 عقود، إذ تشهد البلاد حرباً تجارية طويلة الأمد مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تخطط فرض ضرائب جديدة على الصادرات الصينية في سبتمبر/أيلول وديسمبر/ كانون الأول المقبل.
قلق شديد ومتزايد بين المستثمرين
ورغم أن النمو الاقتصادي واجه انخفاضاً في كل من البلدان بسبب مجموعة من العوامل المحددة، إلا أن الركود الصناعي العالمي والانخفاض الحاد في مجال الأعمال التجارية زاد الأمر سوءاً.
وفي السياق ذاته، خفض صندوق النقد الدولي الشهر الماضي توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي هذا العام إلى 3.2 ٪، وهو أضعف معدل توسع منذ عام 2009، بينما خفض توقعاته لعام 2020 إلى 3.5 ٪.
وقد تسببت هذه المؤشرات بقلق شديد ومتزايد بين المستثمرين، إذ أن سوق السندات لا تبشر بالخير، حيث يتوقع أكثر من ثلث مديري الأصول الذين شملهم استطلاع أجراه "بنك أوف أميركا"، ركوداً عالمياً خلال الأشهر الـ12 القادمة.
تأثير الحرب التجارية بين أمريكا والصين
ويقول نيل شيرينغ، كبير الاقتصاديين في مجموعة "كابيتال إيكونوميكس"، إنه لا يرى مبرراً واضحاً للركود الكئيب، إذ استقر إنفاق الشركات على الأصول، مثل المعدات، على المستوى العالمي، كما أن سوق العمل مرنة، على حد قوله.
ومع ذلك، يشير شيرينغ أيضاً إلى بعض المخاطر الكبيرة التي أثرت على الاقتصاد في الآونة الأخيرة، أولها الحرب التجارية القائمة بين بكين وواشنطن إذ يقول إنه في حال استمرت بكين وواشنطن في تصعيد التوتر، قد يؤثر ذلك على ثقة الشركات. وحذر صندوق النقد الدولي من أن النمو في عام 2020 سينخفض بمقدار النصف إذا زاد النزاع حدة بين الجهتين. وفقا لشبكة "سي إن إن".
كما أنه هناك خطر كبير آخر يتمثل في فشل البنوك المركزية في التحرك، ما يسبب رد فعل سلبي في الأسواق المالية التي تتغذى على الاقتصاد الحقيقي، حيث قام البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بتخفيض أسعار الفائدة الشهر الماضي لأول مرة منذ 11 عاماً، في حين تتزايد الضغوط على الصين لخفض سعر الفائدة الرئيسي لأول مرة منذ 4 سنوات. وقد خفضت بنوك مركزية أخرى من الهند إلى تايلاند أسعار الفائدة أيضاً، ومن المتوقع إجراء المزيد من التخفيضات.