صائمون بأجور مضاعفة
تحت أشعة الشمس الحارقة يحاول عمال الإنشاءات مقاومة الحر بقطعة قماش مبللة بالماء في شهر رمضان، إذ تعد درجة الحرارة العالية والعطش والجفاف والتعب أهم صعاب تواجههم خلال ساعات الصيام.
يقول عامل الإنشاءات علي سليمان: «يبدأ عملي منذ الساعة السادسة صباحا وحتى الثالثة عصرا، ورغم أن الصيام في هذه الأيام صعب جدا لكنني أصر عليه، وأبتغي من الله أجرا على قدر المشقة، فالشعور بالعطش الشديد وارتفاع درجات الحرارة يجعلان العمل صعبا للغاية».
ويبين السائق أبو محمد الملكاوي أنه: «من أجل لقمة العيش أضطر للعمل تحت أشعة الشمس الحارقة لمدة تصل إلى عشر ساعات يوميا، ورغم المشقة الكبيرة إلا أنني أشعر بسعادة غامرة عند الإفطار».
وبين حرارة الطقس ونار الفرن يضطر الخباز في أحد المخابز اليدوية بمنطقة الجبيهة محمد اللوزي إلى الوقوف أمام ألسنة النار يتصبب عرقا لاستخراج أرغفة الخبز من الفرن»، ورغم أن عمله يعد شاقا في الأيام العادية إلا أنه يزداد مشقة في شهر رمضان.
ما سبق، صور عديدة تعكس مشقة العمل أثناء الصيام لآلاف الأردنيين الذين يكدون لأجل توفير قوت اليوم لأسرهم.
ويزداد العمل صعوبة لدى عامل النظافة محمد والبالغ من العمر (40 عاما) خلال أيام الصيام، ويقول: «يبدأ عملي في الساعة الثامنة صباحا وينتهي الثانية ظهرا، ونظرا لأنني مدخن فإن مشقة الصيام تؤثر على حالتي النفسية والعصبية خلال ساعات الصيام بشكل ملحوظ».
وبينت إحدى الدراسات أن المدخنين هم أكثر الناس عصبية خلال رمضان، وذلك لأن الانقطاع المفاجئ عن التدخين في هذا الشهر يؤدي إلى أعراض تسمى أعراض الانسحاب، والتي تزيد من التوتر والانفعال.
يقول أخصائي الطب النفسي الدكتور أحمد عبد الخالق إن: «الغضب أثناء الصيام يعود إلى حدوث ردة فعل من الشخص الصائم نتيجة التغييرات التي تطرأ على النظام الحياتي له وتعوده عليه في الأيام العادية كتناول الإفطار والنوم والاستيقاظ في أوقات محددة وتناول السوائل في حال الشعور بالعطش».
ويلفت إلى أن :«عدم حدوث الأمور التي اعتاد عليها الشخص يولد استنفارا داخليا لجهازه العصبي وشعورا بالغضب»، موضحا أن :«الغضب يزداد لدى الأشخاص العاملين بأشغال شاقة تحت أشعة الشمس أو الذين يبذلون جهدا بدنيا كبيرا».
وتنصح أخصائية التغذية شهد القدسي المدخنين بأن: «يحرصوا على التخفيف التدريجي من المنبهات قبل رمضان، وعدم تناولها خصوصا قبل النوم، ومحاولة استبدال المنبهات بمشروبات أخرى كشاي الأعشاب والشاي الأخضر المفيد للصحة».
وتشدد القدسي على: «ضرورة تناول مقدار كاف من الماء خلال فترة الفطور والسحور، والحصول على قسط وافر من النوم».
وأثبتت دراسة بريطانية أن للماء دورا كبيرا في عمل الدماغ، حيث يشكل 75% من الدماغ، وقد يكون نقص الماء خلال ساعات الصيام مسؤولا بشكل أساسي عن اضطراب وظائف خلايا الدماغ مما يؤدي إلى زيادة العصبية والتوتر وضعف التركيز، وقد يؤدي في بعض الأحيان إلى الهلوسة، ويكون ذلك في الحالات الشديدة.
وتعزو الدراسة ذلك إلى أن الدماغ يفرز مواد كرد فعل على نقص المياه، وغالبا تكون هذه المواد لها دور مهم في زيادة التوتر والعصبية بشكل كبير، كما أن الدماغ يعتمد على الجلوكوز في حصوله على الطاقة، وقد يؤدي نقص الجلوكوز في الدم إلى زيادة العصبية والانفعال.
ورغم منح دائرة الإفتاء رخصة الإفطار لأصحاب الأعمال الشاقة إلا أن عددا كبيرا من أولئك العمال يرفضون الإفطار في ظل درجات الحرارة المرتفعة وساعات الصيام الطويلة. وبينت الدائرة في بيان صادر عنها بأن: «صاحب الصنعة الشاقة يجب عليه أن يشرع في الصيام وقت الفجر بعد تحقيق النية، ثم يشرع في عمله وتكسبه، فإذا لحقته مشقة شديدة غير معتادة تمنعه من إتمام صومه جاز له إفطار ذلك اليوم، ويلزمه قضاؤه في مستقبل أيامه حين يتيسر له القضاء، ولا يجوز له أن يبدأ يومه مفطرا من غير صوم؛ لأن الميسور لا يسقط بالمعسور، فإذا تيسر له صيام أول النهار قبل أن تلحقه المشقة فلا يجوز له الفطر بسبب المشقة التي لم تدركه بعد؛ لذلك قال فقهاؤنا رحمهم الله: «يجب عليهم تبييت النية -بالصوم-؛ لأنه ربما لا تلحقهم مشقة شديدة».
ودعت الدائرة إلى الحرص على نية الصيام والشروع فيه، مذكرة أصحاب المهن الشاقة أن الله عز وجل مطلع على أحوالهم، ويكتب لهم أجرهم مضاعفا، مستشهدة بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن لك من الأجر على قدر نصبك) رواه الحاكم وأصله في «الصحيحين».
ويذكر أن:«بعض العمال يعمدون إلى الإفطار لعدم احتمالهم مواصلة الصوم في ظل درجات حرارة مرتفعة».