آخر الأخبار
  الأردن يرحّب بإعلان وقف إطلاق النار في لبنان   أسعار الذهب ترتفع في الأردن   استمرار تأثر المملكة بالأجواء شديدة البرودة   الخيرية الأردنية تسير قافلة مساعدات جديدة لغزة   الجمارك: أصناف "جوس" تدخل المملكة مخلوطة بزيت الحشيش   تقارير: إسرائيل توافق على اتفاق لوقف إطلاق النار مع لبنان   العيسوي: الأردن، بقيادة الملك، ثابت على مواقفه تجاه أمته وعصي على التحديات   الملك يوجه رسالة في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني   قرارات هامة صادرة عن "مجلس الوزراء"   توضيح هام بخصوص المساعدات الاردنية المتجهة لقطاع غزة   الاحتلال يبدأ بالتخطيط الهندسي لبناء حاجز أمني على الحدود مع الأردن   هل انهت "أونروا" عقود موظفيا الفلسطينيين؟ عدنان أبو حسنة يجيب ويوضح ..   سلسلة منخفضات جوية قادمة للمملكة في هذا الموعد!   الطراونة مطمئناً الاردنيين: 90% من الاصابات بالفيروسات التنفسية الحالية تتعافى من تلقاء نفسها   درجات الحرارة هي الأبرد منذ سنوات بتشرين الثاني - تفاصيل   "برنامج الأغذية العالمي" يتحدث عن المساعدات المرسلة من الاردن الى قطاع غزة   توضيح بخصوص حالة الطقس خلال الأيام القادمة في المملكة   خبير تأمينات يطالب برفع الحد الأدنى للأجور إلى 290 دينارًا   الاردن: مواعيد امتحانات الفصل الأول والعطلة الشتوية وأوقات الدوام الجديدة   الجيش ينفذ إنزالاً جوياً جديداً لمساعدات على شمال غزة

نقاش الضريبة.. مخرز الجباية مقابل عين التنمية

{clean_title}

بدأ نقاش قانون ضريبة الدخل مختلاً في مساراته منذ اللحظة الأولى، أي منذ الصيغة التي قدمتها الحكومة السابقة (حكومة د.هاني الملقي).

ورغم أن الحكومة الجديدة حاولت تعديل هذا الاختلال في النقاش من خلال طرحها لارتباطات هذا القانون بقضايا المجتمع والاقتصاد والتنمية على العموم، إلا انها لم توفق كثيرا، فقد استمر العنصر المالي المباشر، بمعنى حجم الجباية المطلوبة، مسيطرا على دوافع الموقف.

لهذا، فقد تميز النقاش بكونه تبادل شعارات ومواقف ذات طابع سياسي "يومي" للاستهلاك المباشر على صفحات التواصل الاجتماعي التي خلقت أشكالها الخاصة من الاصطفافات وما يشبه التحالفات أحياناً.

فصحيح أن الضرائب عموما، وضريبة الدخل بالذات، تقع في صلب الاقتصاد السياسي، أي في صلب الاقتصاد منظورا إليه بصفته علاقات صراع اجتماعية سياسية عميقة، بين الفئات والجماعات والطبقات، غير أن هذا لا علاقة له بما نطالعه من تبادل التهم والانفعالات التي تجري بالتوازي مع حملات "تمويه" حكومية، فقد حاولت الحكومة استحضار مفاهيم العدالة الاجتماعية وإعادة التوزيع والتنمية، غير أن ذلك في الواقع ظهر معزولاً عن مجريات طرح القانون خاصة لجهة إلحاح الوقت الذي يكشف حقيقة الدوافع، وهي دوافع تتصل بوضوح بعنصر جباية المال بما يكفي لإقناع صندوق النقد الدولي.

إن النقاش تحت ضغط الخصومة الشعبية للسياسات الاقتصادية منذ عقود من جهة، وضغط الالتزامات المالية الدولية، من جهة أخرى، لا يمكن إلا ان يكون نقاشاً مختلاً.

لنسأل المرحوم خليل السالم

بين يدي كتاب صادر في عمان عام 1985 عنوانه "قانون ضريبة الدخل بين الوفرة والعدل" للدكتور خليل السالم، مؤسس البنك المركزي والاسم الأبرز في مسيرة الاقتصاد الأردني في عقود الستينات والسبعينات وحتى الثمانينات من القرن الماضي.

والكتاب يقدم للقارئ مجريات النقاش الذي جرى لمشروع قانون جديد لضريبة الدخل طرح عام 1982 ثم استمر النقاش المختص لسنتين، وقد شارك به الكاتب الذي احتفى بآراء المناقشين الآخرين، وخاصة المخالفين، ومن أبرزهم المرحوم د.فهد الفانك، الذي يفرد الكتاب صفحات يعرض فيها آراء الفانك مقابل رأي الكاتب، بل إن المؤلف خليل السالم يلوم الجهات التي لم تقدم رأيها ويقول: "لم نسمع صوتاً من مفكر آخر أو من أي مسؤول في دائرة ضريبة الدخل أو وزارة المالية أو وزارة الصناعة والتجارة أو البنك المركزي أو سوق عمان المالي، ليعبر عن رأيه المسؤول في أي من نقط الاتفاق أو الاختلاف "وكأن العرس في دار خالتهم".. والكلام للدكتور السالم.

يعرض الكتاب مجريات النقاش وأبرز الآراء في "المجلس الوطني الاستشاري" وهو الهيئة التي أقيمت في غياب مجلس النواب وحدد دورها بتقديم الاستشارات، ثم مجريات النقاش النيابي بعد العودة المؤقتة للمجلس عام 1984، وفي الكتاب تطالع مواقف أسماء برزت كأصوات معارضة وخاصة ليث الشبيلات، حيث كانت جدية النقاش تتيح الفرصة لكي يصوت المجلس على اقتراح من شبيلات وبموافقة الحكومة، من دون أن يتعرض شبيلات لتصنيفات كالتي نراها اليوم، ومن دون أن ينتقص منه ذلك كصوت معارض قوي.

من الجدير ذكره هنا، أن القانون الجديد حينها، أتى بعد مرور 18 عاما على القانون الذي سبقه (لاحظوا مدى الاستقرار القانوني).

ويقول السالم إن المأمول أن لا يقل عمر القانون الجديد عن سابقه.

لماذا تغير القوانين؟

ولكن تعالوا ننظر إلى الفكرة التي وقفت حينها خلف ضرورة التعديل. يكتب السالم أن الحكومة تقدمت بالقانون "تلبية للدعوات الحارة لتحديث الخلفية أو الأرضية التشريعية للنهضة الاقتصادية في البلاد، بعد أن أصبحت هذه الخلفية ثوبا قديما ورثّا يضيق بالإنجازات التي حققتها هذه النهضة وبالمستجدات التي طرأت على الساحة الأردنية".

تعالوا أيضاً نقرأ النص الاستثنائي التالي، ونقارنه بما نعيشه هذه الأيام. يقول السالم: "ينبثق التشريع في أي بلد عن أصيل تراثه، وشائع أعرافه، وتطور إدارته، وتعريف حاجاته، وتجدد أهدافه، واستفادته من خبرته وخبرة الأقطار الأخرى، في ميدان هذا التشريع".

إن الأصل في ضريبة الدخل أنها "الأكثر عدالة بين الضرائب"، ونظرا لتصاعديتها فإن الاحتفاء بها ينبغي أن يكون تصاعديا أيضاً، لأن تصاعديتها تلك تشكل أبرز عمليات إعادة التوزيع، وبالتالي فهي العنصر الأهم في تحقيق مستوى أعلى من العدالة، وصولا أخيرا إلى حقيقة دورها التنموي البارز.

غير أن النقاش الحالي يعكس (بتقديري على الأقل) خليطا من الانتهازيات المتشابكة، ورغم بروز قطبين للنقاش، إلى أن كل قطب منهما يضم في داخله خليطه الخاص من الانتهازيات الواعية حيناً والعفوية في أحيان كثيرة.

لقد طغى الصراع السياسي، الذي يتخذ في الظروف الحالية شكل فوضى سياسية، وهي فوضى تعد السياسات الرسمية المسؤول الأول عنها، رغم أنها تقع الآن ضحيتها.

هل الرئيس مستعد فعلا؟

في العشرين سنة الأخيرة، استخدمت الحكومات القوانين والسياسات الضريبية عموما، في سياق أهداف "لا تنموية" بل معادية للتنمية، وفي بعض الأحيان كسياسات إفقار مباشر. أنظروا مثلاً إلى التحول إلى ضريبة المبيعات (وهي ضريبة معادية للفقراء وللطبقة الوسطى)، إلى جانب تخفيض نسبة الضريبة على الدخول العليا، وهو تعديل أقر قبل حوالي 15 عاماً فقط! من المنطقي والمفهوم أن محاولة الترويج لفكرة مناقضة الآن، سيقابل بالرفض والتشكيك، لا سيما وأن الحياة السياسية في البلد لا تتيح امكانية محاسبة الفريق أو الفئة او الطبقة السياسية والاجتماعية التي وقفت خلف سياسات تبين خطأها.

إن الحكومات في الرأي العام الأردني تعامل ككتلة واحدة، ولا يحوز المواطنون حقهم في تحميل فريق سياسي/ اجتماعي المسؤولية عن سلوكه وصولا إلى الحق في حرمانه من السلطة مرة أخرى.

إن أبرز الغاضبين الحاليين (وقود الغضب) من قانون الضريبة يتمثل في فئات لا تدفع ضريبة، أو تقع في أدنى سلم المكلفين بالدفع، ولكنه غضب مشروع تماماً، لأنه (ويا للمفارقة) ينطوي على تشكيك "عفوي ولكنه عميق منطقي" بالجدوى التنموية للقانون، ويستند إلى فقدان مصداقية بالخطاب الكامن خلف مسوغات هذا القانون.

إن الحكومة لم تفكر بالقانون استجابة لمتطلبات تنموية صديقة للفئات الشعبية، بل استجابة لمتطلبات مالية فرضها خلل في النهج الاقتصادي العام خلال العقود الأخيرة، وهو خلل وضع الحكومة امام التزامات دولية لا يرى الناس أنهم مسؤولون عنها.

لقد حاولت الحكومة الحالية تقديم بعض الرؤى ذات الطابع التنموي، وقد برز ذلك خاصة في محاضرة الرئيس في الجامعة الأردنية، ولكن الرئيس لم يقدم ذلك في سياق تغيير جوهري مقنع في السياسات، وهو تغيير يحتاج لخوض معارك كبرى اجتماعية سياسية اقتصادية/ تنموية، لم يقل الرئيس وفريقه إنهم مستعدون لها.