جراءة نيوز - عمان : طبيعي أن يتخلص عضو البرلمان الأردني اليساري المثقف جميل النمري من بعض إلتزاماته السياسية مع مؤسسة النظام فيميل إلى التصعيد أو المناكفة أو حتى المعارضة في الأيام المقبلة بعدما خذله النظام برمته في عدم التعاطي مع الإعتداء الجسدي والسلوكي الذي مورس ضده من قبل نائب زميل له يحظى بالرعاية والعناية عن بعد وعن قرب من الأجهزة الأمنية والرسمية.
وأعضاء البرلمان المستقلون تمكنوا ببساطة من ملاحظة كيف غادر مصور تلفزيون الحكومة المكان المخصص له بالعادة عندما بدأ النائب المقرب من السلطات والمحسوب عليها يحيى السعود بخطته الهجومية على النمري الذي لا يلام إذا إعتقد بأن الإعتداء مبيت ومبرمج وإدارة التلفزيون تعلم به بدليل أن المصور غادر مكانه حتى لا توثق حادثة الإعتداء.
المعتدي أمسك برقبة زميله النائب النمري وحاول خنقه لعدة دقائق وبصعوبة تمكن زملاؤه من إبعاده والسيطرة عليه بعد حالة هياج إستهدفت البرلماني اليساري الشاب والمسيس.
وبعد أقل من دقيقة كان المعتدي يتفلت مجددا ويلقي بحذاءيه بإتجاه النمري في مشهد إنفلاتي يسيء لسمعة البلاد والبرلمان والعباد ولا تقل عنه غرابة إلا المحاولات البائسة المخجلة من بعض النواب لتبريره أو لمحاولة تسويقية على أساس أنه أمر يحصل في كل برلمانات العالم.
الخلاف أصلا لم يكن سياسيا فالنمري سياسي محترف منذ ثلاثة عقود وخبير في الإعلام والتشريع والإنتخابات ولياقاته السياسية تمنعه من إستخدام يديه في فرض وجهة نظره أما خصمه فلا علاقة له بالعمل السياسي مطلقا.
ومن الواضح أن الإعتداء على النمري حصل بعد يوم واحد فقط من ظهوره في الصف الأول لقيادة مسيرة ضخمة في مدينة إربد تطالب بإسقاط البرلمان وقانون الإنتخاب وهي مسيرة أثارت الكثير من القلق لإنها أضخم مسيرة تنطلق في عروس الشمال منذ عدة عقود ولان السلطات تخوض مع الحراك والنشطاء معركة باطينة إسمها منع إنتقال المسيرات من الجنوب إلى الشمال.
الأمر إذن يوحي بأن جهة ما في اوساط القرار تدعم وترعى النائب المعتدي خططت لمعاقبة النمري على وقفته وصراخه في الشارع وهو شعور لا يمكن توجيه اللوم للنمري وأقاربه والمؤمنين به إذا ما إعتبروه حقيقة خصوصا وان البرلماني المعتدي سبق له أن هاجم الكثيرين وحاول إحراق مقر وكالة الأنباء الفرنسية في العاصمة عمان وحطم كاميرات وضرب حتى بعض رجال الشرطة كما أنه يتجول برفقة مجموعات من أنصاره ويسبب أرقا متواصلا لمؤسسات القرار.
مسألة أخرى مهمة لم تؤخذ بالإعتبار في مسألة الإعتداء المبيت {لتأديب} النمري وإبلاغه بحجم كلفة الإنتقال إلى الشارع والحراك فالأخير ينتمي جغرافيا لمنطقة محددة شمال المملكة وهي نفسها المنطقة التي ينتمي إليها رئيس الوزراء المستقيل عون الخصاونة والمعتدي من أبناء الجنوب وسبق له ان هدد بقطع لسان مواطنه ليث الشبيلات فرد الأخير عليه برسالة لعشيرته قال فيها: ثأري عند رأس الدولة إذا ما حصل إعتداء علي ولا تقتربوا من عشيرة من هددني.
بالتالي يتعاظم شعور الأهالي في تلك المنطقة شمالي البلاد بأن الدولة تستهدف قياداتهم حصريا حتى لا ينجح الحراك في إيجاد موطىء قدم في الشمال في مواجهة بائسة تصنع الإحتقان وتغذيه خصوصا بعدما أظهرت مؤسسات الحكومة عدة مرات عجزا عن السيطرة على {أدوات العنف} التي تستعرض عضلاتها في الشارع بإسم الولاء والدولة والنظام وهي أدوات ترقى أحيانا لمستوى البلطجة.
النمري يتمسك بتحضره السياسي ويقول: لا مصالحات عشائرية في دولة القانون والمؤسسات والصحافيون غاضبون ومتضامنون معه بعدما تعرض ستة منهم عمليا لإعتداءات وتهديدات مماثلة من نفس عضو البرلمان المعتدي الذي إتصل يوما بالصحافي جمال المحتسب قائلا: أين أنت الان. . سأحضر وأفرغ طلقات مسدسي في رأسك.
ليس سرا اليوم بأن نحو عشرين عضوا في البرلمان الأردني {المزور} بإعتراف رجال الدولة والنظام يحضرون الإجتماعات ويدخلون القبة وهم يحملون مسدساتهم الشخصية في ظاهرة لم يألفها البرلمان الأردني حتى أيام الأحكام العرفية مما يدفع بعض الحريصين على الدولة للقلق من إحتمالات وقوع جريمة فعلا تحت القبة خلال خلاف سياسي او تعاكس في الإجتهادات.
وبعيدا عن واقعة الأحذية التي كانت خبرا عاجلا في معظم الفضائيات العربية وتناولها مئات الصحافيين وسيطرت على نقاشات الأردنيين طوال الأيام الثلاثة الماضية يمكن القول بأن النمري وهو سياسي مثقف تقرب جدا من مؤسسة النظام في السنوات الـ 12 الماضية وأصبح عمليا من رموزه الشابه المعتدلة التي يمكن الإستثمار فيها يشعر بأن النظام {يخذله} تماما وهو يرعي ويدعم عن بعد لأسباب غامضة ومجهولة ولا يمكن فهمها إعتداءات بلطجية من هذا النوع.
عليه أغلب التقدير أن النمري وبعدما رفض النظام معالجة الأمر وتجنب إنصافه كما تجنب ضبط بعض رجاله الميدانيين من حملة المسدسات والعصي والحجارة سيلجأ إلى التخفف من عبء العلاقة مع مؤسسة لا ترفض ولا تلفظ مثل هذه الظواهر والأساليب والأدوات.
القصد هنا أن مشاعر الخذلان عند سياسي شاب بمستوى النمري أصبح مضطرا للتجول مع حراسة أمنية وعائلته مهددة قد تحوله إلى معارضة.
وليس سرا أن رجل النظام القوي أحمد عبيدات سبق له أن طالب القصر الملكي بالتدخل لمنع البلطجية الذين ترعاهم بعض المؤسسات من التعرض للمتظاهرين السلميين بالشارع حتى يتمكن هو وأقرانه في الحراك من ضبط هتافات الشارع بالمقابل فحوادث العنف التي يرتكبها البعض بإسم الولاء والدولة والنظام تحسب مجددا من رصيد النظام وتتحول إلى هتافات تدعو لإسقاطه كما حصل تماما في شوارع مدينة إربد.
.. إنها إذن واحدة من المفارقات الغريبة في المشهد السياسي الأردني اليوم فرهان بعض دوائر القرار على أدوات عنيفة في التصدي حتى للمسيسيين المعتدلين من رجال النظام والدولة وبطريقة غير أخلاقية توحي بأن المؤسسة تحتاج لهذا النمط من الأدوات في صورة مضللة وغير حقيقية.
لكن الوقائع تثبت اليوم بأن بقاء {الدعم الخفي} لمظاهر العنف ورموزه بإسم الولاء بدون ضبطهم أو حتى إخفائهم مسألة لا تعني إلا بأن مؤسسة النظام المترددة المتشككة تخلق {وحشا} وطنيا في الواقع الموضوعي إذا لم يتم الان تحجيمه سيحاول إلتهامها قريبا أو على الأقل إخضاعها وإبتزازها.
الأهم أن الظاهرة بدأت تسلط الضوء على قدرات عجيبة داخل مؤسسة النظام في خسارة الأصدقاء والحلفاء ومجانا.