جراءة نيوز - عمان : يعجز طلاب جامعيون متفوقون أكاديميا عن توفير أقساطهم الجامعية الفصلية، وسط الارتفاع المستمر لكلف التعليم الجامعي في المملكة، وضعف موارد صناديق دعم الطالب الجامعي، وفوضى العمل الخيري الموجه لدعمهم.
ورغم أن الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان تشدد على أن تسعى الدول نحو "أن يكون التعليم العالي متاحا للجميع"، إلا أن التدخلات الحكومية بتجميد أو تخفيض كلف التعليم ما تزال "قاصرة"، خصوصا في القطاع الخاص.
هذا الوضع، ينعكس على أسر من الطبقة الوسطى والمحدودة التي بات التعليم فوق طاقتهم، وفق قولهم رغم ان اولادهم تفوقوا اكاديميا طمعا في منحة او قرض يخفف الأعباء عنهم، إلا أن آمالهم تحطمت على صخرة تعليمات الصناديق والكفالات المالية، ففضلوا تأجيل دراستهم أو تجميدها بانتظار جمعيات خيرية توفر لهم قسطا، أو عملا لتوفير مصروفهم الشخصي.
ويرى خبراء أن الخلل يكمن في منظومة التعليم العالي، التي تحرم شريحة كبيرة من هؤلاء من التعليم، وسببها اسس القبول الموحد، نظام الموازي، وتوزيع البعثات والكوتات، التي لا تأخذ بعين الاعتبار، أحيانا المتفوقين بالثانوية العامة ومقدرتهم الاقتصادية الـ"معدومة".
وطالبوا بضرورة توحيد صناديق دعم الطالب بالقطاعين العام والخاص وتوجيه خدماتها لمستحقيها بعيدا عن المحسوبيات، لافتين الى اهمية ربطها بجهة واحدة هي وزارة التعليم العالي، وتفعيل الحوافز ونظام تشغيل الطلبة وخدمة المجتمع بصرف النظر عن جنسيته.
وتشمل صناديق دعم الطالب، صندوق الملك عبدالله الثاني للتنمية، منح الأميرة منى لدعم التمريض "للإناث فقط"، وصندوق دعم الطالب في الجامعات الرسمية "منح وقروض"، وصندوق دعم الطالب في جامعتي الحسين بن طلال والطفيلة التقنية، ومنح صندوق شركة زين التعليمية.
الطالب محمد عواد (22عاما) حصل في تخصص الهندسة المدنية على مرتبة الشرف، بمعدل تراكمي (4من 4) من الجامعة الأردنية، لكنه لم يتمكن من تسجيل الفصل الصيفي، وفضل أن يعمل بأجر متواضع ليصرف على ذاته.
وينتظر الشاب المتفوق، احدى الجمعيات الخيرية في جبل النظيف لتوفر له قسطه الجامعي "وفي حال عجزت، حسب قوله، سيؤجل دراسته، لافتا إلى أن دخل والده متواضع جدا، ولديه 7 أشقاء صغار، هو أكبرهم سنا.
وتقدمت الطالبة المتفوقة دعاء من سكان جبل الأشرفية بطلب قرض لتساند أهلها في تعليمها، إلا أن شرطه أن يحظى بكفيل لها، وفق والدتها "من الصعب تأمينه".
وتضيف والدتها لـ"لغد" كل محاولاتي باءت بالفشل في تأمين بعثة أو قرض لابنتي، رغم أن معدلها في الثانوية العامة 97.3، والتراكمي في الجامعة الأردنية تخصص محاسبة 3.8 من 4، قائلة إن "الفقير ليس له ظهر يستند عليه".
وحاولت أن تعمل دعاء في الفصل الصيفي، إلا أن عملها في محل ملابس يتطلب أن يكون دوامها 10 ساعات متواصلة، وفقا لوالدتها التي تأمل أن يتكفلها فاعل خير، قبل أن يتسلل اليأس والإحباط إليها وتضطر لترك دراستها.
أما الطالب "الغزي" المتفوق علي في جامعة خاصة، فإن ظروفه الاجتماعية الصعبة، أجبرته على أن يعمل فصلا، ويدرس آخر ليتيح الفرصة لشقيقه أن يدرس ويساعد والدته المريضة في نفقاتهم.
ويرى الناشط في العمل الخيري، عضو لجنة زكاة وصدقات الصخرة المشرفة رضوان الجعفري أن "هناك تراجعا ملحوظا في دعم الطالب الجامعي مقارنة مع الاعوام السابقة، نتيجة لتردي الأوضاع الاقتصادية في الداخل والخارج".
وقال الجعفري، أمين صندوق لجنة النظيف الاوسط، إن تعدد الجهات وكثرة الجمعيات والصناديق واللجان أدى إلى بعثرة جهودها، ما يحول دون إيصال الدعم إلى مستحقيه أو ضعف المخصصات المالية المقدمة للأسر، مشيرا إلى وجود المحسوبية وعدم وضوح المعايير في صناديق الدعم، ما حرم شريحة كبيرة من ذوي الدخل المحدود من حقهم في تعليم شبه مجاني رغم ان اغلب الطلاب متفوقين أكاديميا.
ويتنافس الطلبة المتقدمون على المنح والقروض في صندوق دعم الطالب في الجامعات، وفق عدة معايير، تشمل: دخل الفرد الشهري، التفوق الأكاديمي وعدد الإخوة في الكليات والجامعات ومكان الإقامة، بحسب تعليماته وشروطه المنشورة على موقعه الالكتروني، إلا أن الخبير الاقتصادي والناشط في العمل الاجتماعي، الدكتون مازن مرجي يرى أن هناك نقصا في المعلومات لدى الطلبة حول حقهم بالحصول على المنح والقروض، ويمكن تفادي ذلك خلال لقاء رؤساء الجامعات مع الطلبة الجدد.
ويقترح مرجي تفعيل نظام تشغيل الطلبة في الجامعات على ان يتم تخويل شخص معين بوضع جدول عمل للطلاب، إضافة إلى إحداث نظام موحد للحوافز الاكاديمية للطلاب بصرف النظر عن الجنسيات، بل أساسه "التفوق الأكاديمي"، دون اغفال تفعيل خدمة المجتمع، التي ترتكز على إبرام اتفاقيات مع القطاع الخاص (البنوك والمطاعم والشركات الاتصالات الخ) لتشغيل الطلبة في ساعات محدودة، داعيا الى تفعيل برنامج القروض والمنح وزيادة عدد المستفيدين، وتجميد وتثبيت أسعار الأقساط الجامعية واعتماد الرقم الجامعي للطالب، ما يساهم في إتاحة التعليم العالي للجميع بمن فيهم الفقراء.
ويتفق الدكتور طه خميس رئيس جامعة الحسين بن طلال برأيه مع مرجي، بضرورة تفعيل صندوق الطالب الجامعي في الجامعة الذي باتت موارده محدودة، وإيجاد جهة مركزية للمنح والقروض وهي الوزارة، مقترحا فكرة تنفيذ البرنامج "التعاوني" بين الطالب والشركات الخاصة من حيث تشغيلهم وتدريبهم اثناء الدراسة، على ان يتفرغ الطالب فصل للجامعة وفصل آخر للعمل، موضحا ان هذه الفكرة تكسب الطالب الخبرة والعمل معا مقابل دخل مالي جيد.
وبلغ عدد المستفيدين من المنح المقدمة من صندوق دعم الطالب، نحو 29 ألف طالب وطالبة لعام 2012، حسب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، فيما بلغ عدد الاعتراضات التي قدمت للصندوق ألفي طلب، وفق الأمين العام في الوزارة مصطفى العدوان الذي أكد أنه سيتم النظر في الطلبات بعين العدالة والشفافية، ويخضع كل طلب للمتابعة والاهتمام ليأخذ كل طالب حقه.
وأشار أستاذ القانون في جامعة العلوم الإسلامية وخبير في حقوق الإنسان الدكتور محمد الموسى، إلى ضرورة "أن تتدخل الدولة لتتيح التعليم العالي للجميع كونها ملزمة بالقوانين والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الانسان"، مبينا "أن تكاليف التعليم باتت فوق قدرات الناس فانتهكت حقوقهم وعليه لا بد أن يحصل الطالب على الدعم دون محاباة والإعلان عن المستفيدين من صناديق الإقراض بشفافية".