جراءة نيوز - عمان : عاد ملف "سحب الجنسيات" ليتصدر المشهد السياسي الأردني في خضم انشغال الدولة الأردنية وعلى أعلى المستويات في عملية ولادة قيصرية لجملة من القوانين الإصلاحية الناظمة للحياة السياسية في البلاد، بدأ بالهيئة المستقلة للانتخابات مرورا بقانون الأحزاب والمحكمة الدستورية وانتهاء بقانون الانتخاب.
عودة ملف "سحب الجنسيات"، جاء بعد تصريحات منسوبة لمصدر أردني رفيع المستوى عن قرار سيصدر خلال الأيام القليلة المقبلة بوقف إجراءات سحب الجنسية من مواطنين أردنيين من أصول فلسطينية وإعادة الجنسية إلى المواطنين الذين سحبت منهم الجنسية، إضافة إلى إقرار رزمة تسهيلات كبيرة لأبناء المخيمات".
وهذه الخطوة، بحسب سياسيين، تحسب للحكومة، وتؤكد في الوقت نفسه رغبة راسخة لدى صانع القرار في الأردن بإزالة كل الإجراءات التي تؤدي إلى خلق حالة من التوتر في البلاد في مثل هذا الظرف الحرج.
بيد ان البعض يرى ان هذه التصريحات تحمل في طياتها الكثير من علامات الاستفهام، أهمها أن ملف وتعليمات "فك الارتباط" يعتبر ملفا امنيا بامتياز، وان الاقتراب من هذا الملف لا يسمح به إلا لمفاصل دقيقة في الدولة، وهذه "المفاصل" ما زالت تشعر أن التوازن الديموغرافي في المملكة لا يزال يشوبه بعض الخلل، وبالتالي يبقى خطر "الوطن البديل" قائما.
محللون سياسيون استبعدوا أن يكون هذا القرار، بمثابة "كعكة" ستقدمها الدولة الأردنية لأبناء المخيمات نظرا لعدم مشاركتهم في حراك الشارع الأردني والمسيرات، فيما اعتبره آخرون تهديدا امنيا مبطنا.
أمين عام حزب الوطني الدستوري الدكتور احمد الشناق قال "من خلال قراءتي لما بين السطور حول موضوع سحب الجنسيات والتصريحات الأخيرة بأنها بمثابة تهديد مبطن من جهات قد تكون أمنية لأبناء المخيمات بعدم الانجرار وراء الحراكات والإخلال بتوازن الشارع الأردني.
وبين الشناق في معرض حديثة أن الأرقام الوطنية (سحبها وإعادتها) مرتبط ارتباطا وثيقا إلى درجة الانصهار واللحمة بقرار فك الارتباط الإداري والقانوني المتعلق بأبناء "الضفة الغربية والقدس وأبناء غزة" الصادر في تاريخ 31/7/1988.
وشدد الدكتور الشناق على أن هذا القرار سيادي ولا يمكن الطعن به من أي جهة ومعنى السيادة "السلطة المطلقة"، انه لا يمكن فعليا لأي جهة أو أي شخصية كانت سياسية أو أمنية أن تتخطى هذا القرار.
ووصف الشناق هذه التصريحات بـ" بتصرف سياسي مبطن بتهديد أمني".
وبين الدكتور الشناق بان هناك جوانب متعددة لقرار فك الارتباط، جزء يتعلق بأبناء"الضفة الغربية والقدس" وهؤلاء يحملون البطاقة الخضراء ويشملون أبناء الضفة من كانوا داخل حدود الضفة قبل هذا التاريخ أو ممن ذهبوا لغايات العمل مع السلطة الفلسطينية بعد هذا التاريخ سواء هم أو أطفالهم.
وأضاف، والجانب الأخر "أبناء قطاع غزة" ممن يحملون البطاقة ذات (اللون الزهر أو بطاقات شو) وهذا الشريحة ليس لها علاقة أبدا سواء بإعادة الأرقام الوطنية أو سحب الجنسيات لأنه يتم التعامل معهم كأبناء أي جالية عربية أخرى مثل اللبنانية أو السورية أو العراقية كون غزة لم يشملها فك الارتباط وهي ليست طرفا في الضفة الغربية ولم تكن جزء من الضفة الغربية أبدا"، منوها إلى أنه يجب التفريق بين جواز السفر المؤقت لمدة خمس سنوات وبين الجنسية.
ولفت الدكتور الشناق الى أن هذا القرار كانت الغاية منه تثبيت الأراضي المحتلة بمن عليها من سكان لتسهيل إقامة دولة عليها خاصة بعد اتفاقية السلام الموقعة بين الأردن والجانب (الإسرائيلي) وما تبعها من اتفاق أوسلو.
وطالب الدكتور الشناق الجهات ذات العلاقة والمعنية بهذا الملف بأن تعمل على "قوننة" تعليمات فك الارتباط وأن تصدر التعليمات مكتوبة على شكل نظام.
والمطلوب الآن كما يقول الدكتور الشناق الحفاظ على الهوية الفلسطينية بحجم المحافظة على الهوية الأردنية.
بدوره استبعد الباحث في الشأن الفلسطيني غازي السعدي أن تكون الأنباء التي تحدثت عن إعادة الأرقام الوطنية لأبناء المخيمات الذين سحبت منهم صحيحة، مبينا أنه لو حدث ذلك بالفعل فإنه يعتبر أمرا "جيدا" بالنسبة لأبناء المخيمات.
وقال السعدي إن الحكومة لو كانت جادة في إعادة الجنسيات لما كانت سحبتها من البداية، مستبعدا في ذات السياق أن يكون إعادة الجنسيات بمثابة مكافأة ستقدمها الدولة الأردنية لأبناء المخيمات لعدم انجرارها وراء الحراك.
وأشار السعدي إلى أن الكثير من المسؤولين والساسة يعتبرون قرار فك الارتباط "غير قانوني"، مؤكدا أن "إخوان الأردن" يطالبون بإلغاء هذا القرار وذلك لأهداف سياسية يرغبون في تحقيقها.
وأضاف "اليمين (الإسرائيلي) يسعى لحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن، وذلك من خلال اعتبارات ديموغرافية معينة".
وتعتبر الجنسية بحسب مراقبين من الثوابت الأساسية في أي دولة تحترم مؤسساتها ودستورها وتعاقدها الاجتماعي مع مواطنيها، ولذلك لا يجوز سحبها تحت أي ظرف من الظروف طالما تم منحها للمواطن حتى لو لم يكن من أبناء البلد الأصليين، فطالما اكتسبها أصبح مواطنا متساويا مع غيره في الحقوق والواجبات، الأمر الذي دعا رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب في تصريحات صحافية إلى إنهاء الجدل في موضوع الهوية الوطنية، "وإن كان الحسم في مسألة المواطنة، يتطلب قوننة قرار فك الارتباط، فليكن، أما أن ينام الناس أردنيين ويصحوا بلا جنسية، فهذا كلام لا يجوز، وعلينا أن نضع الأمور في نصابها".
كما دعا إلى تأمين تصويت حملة البطاقة الخضراء وأهل غزة الموجودين في الأردن للمجلس التشريعي الفلسطيني، لتكون إشارة قوية بأن هؤلاء لهم حقوق كاملة في فلسطين، وأن هؤلاء مقيمون في الأردن فقط، لكن حقوقهم السياسية يجب أن يمارسوها على أرضهم.
وعلى هذا الصعيد يصر رئيس الوزراء السابق عون الخصاونة على القول: بالنسبة لي لا أتخيل إطلاقا كيف ينام مواطن ما أردني ثم يستيقظ في الصباح التالي وقد فقد جنسيته حتى لو كانت الذريعة مهما كانت.. بالنسبة لي هذه مسألة مبدئية ولا يمكنني تقبلها.