كتالونيا ‘‘تستقل‘‘ وسط تهديد مدريد ورفض أميركي وأوروبي

ازدادت حدة الأزمة السياسية فى إسبانيا، بعد إعلان البرلمان الكتالوني الاستقلال، وتصاعدت حدة التوتر بين الحكومة الإسبانية برئاسة ماريانو راخوي والحكومة الكتالونية برئاسة كارليس بوديجيمونت.
وأصبحت إسبانيا تعانى من أسوأ أزمة سياسية منذ عقود، حيث وافق 70 نائبًا مقابل اعتراض 10 وامتناع 2 عن التصويت في البرلمان الكتالوني على استقلال الاقليم.
وردا على استقلال كتالونيا، أقر مجلس الشيوخ الإسباني، امس الحكم المباشر في إقليم كتالونيا ردا على قرار البرلمان الكتالوني بإعلان الإنفصال. وأقال راخوي امس رئيس اقليم كتالونيا كارليس بوتشيمون وحكومته داعيا الى اجراء انتخابات في 21 كانون الاول (ديسمبر) المقبل في كتالونيا.
وقال في ختام جلسة لمجلس الوزراء بعد الضوء الأخضر من مجلس الشيوخ لفرض الوصاية على كتالونيا ان "هذه الخطوات الاولى التي نقوم بها لمنع الذين كانوا مسؤولين حتى الآن (السلطة التنفيذية الكتالونية) عن مواصلة تصعيد العصيان".
ودعا رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي الشعب الإسباني إلى الهدوء في أعقاب تصويت البرلمان الكتالوني بإعلان الانفصال عن إسبانيا، متعهدا باستعادة "النظام القانوني" في الإقليم.
وفي أول رد فعل أوروبي على قرار برلمان كتالونيا اعلان الاستقلال، أكد رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك أن مدريد "ستبقى المحاور الوحيد" للتكتل وكتب عبر موقع تويتر "لا شيء تغير بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي. ستبقى إسبانيا المحاور الوحيد لنا".
وحذر رئيس المفوضية الأوروبية جان-كلود يونكر أن الاتحاد الأوروبي ليس بحاجة إلى "مزيد من التصدعات".
وتوالت على الفور ردود الفعل الدولية التي "لا تعترف" بإعلان كتالونيا استقلالها والمؤيدة لموقف الحكومة الإسبانية.
واعتبرت واشنطن أن كتالونيا "جزء لا يتجزأ من إسبانيا" معربة عن دعمها اجراءات مدريد لإبقاء البلاد "قوية وموحدة"، حسب ما أكدت وزارة الخارجية الاميركية.
وأعلن المتحدث باسم رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي أن بريطانيا "لا ولن تعترف" بإعلان استقلال كتالونيا.
وأكد الناطق باسم المستشارة الألمانية انغيلا ميركل أن بلاده "لا تعترف بإعلان الاستقلال".
ومن غويانا الفرنسية في اميركا الجنوبية، أكد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون "دعمه الكامل" لرئيس الوزراء الأسباني ماريانو راخوي من أجل "احترام" دولة القانون في إسبانيا.
كما رفضت كندا إعلان برلمان كتالونيا الاستقلال من جانب واحد ودعت الى الحوار بين مدريد والاقليم الانفصالي.
وقال مساعد وزير الخارجية الكندي اندو ليسلي امام مجلس العموم "بحسب القواعد القانونية الدولية، هذه القرارات ينبغي ان تتخذ ضمن اطار دستوري". وأضاف "ولهذا فإن كندا تعترف بإسبانيا موحدة".
وأكد أن "الحوار بين إسبانيا وكتالونيا ضمن الإطار الدستوري يبقى أفضل طريقة للمضي قدما".
وينص القرار على قيام "الجمهورية الكتالونية بوصفها دولة مستقلة وسيدة و(دولة) قانون، ديموقراطية واجتماعية".
ويطلب القرار في حيثياته من حكومة كتالونيا التفاوض حول الاعتراف بها في الخارج في حين لم تعلن اي دولة دعمها للانفصاليين.
وقبل التصويت، غادر نواب المعارضة الجلسة تاركين خلفهم إعلاما لكتالونيا وإسبانيا وضع الواحد منها بجانب الاخر في مقر البرلمان.
وكان النائب المعارض كارلوس كاريسوزا قال رافعا نص قرار إعلان الاستقلال ان "هذا النص الذي اعددتموه يقضي على التعايش" في كتالونيا. وتساءل اليخاندرو فرنانديز من الحزب الشعبي المحافظ بزعامة راخوي "كيف وصلنا الى هنا؟" لافتا الى انه "يوم أسود للديمقراطية".
وليست المرة الاولى تحاول كتالونيا الانفصال عن الحكومة المركزية. لكن حكومتها لم يسبق ان وصلت الى هذا الحد. ويعود اخر فصل في هذا الاطار الى اكثر من ثمانين عاما.
ففي 1934، وتحديدا في السادس من تشرين الاول (اكتوبر)، اعلن رئيس الحكومة الكتالونية لويس كومبانيس قيام "دولة كتالونية في اطار جمهورية إسبانيا الفدرالية".
وسارعت الحكومة الإسبانية الى الرد. اذ اعلنت القيادة العسكرية في كتالونيا حال الحرب واسفرت المواجهات عن مقتل ما بين 46 و80 شخصا بحسب المؤرخين. ولا يمكن التكهن بنتائج اعلان الاستقلال ووضع كتالونيا تحت وصاية مدريد. وكانت اكثر من 1600 شركة قررت نقل مقارها المحلية خارج كتالونيا التي تشهد منذ اسابيع تظاهرات مؤيدة للاستقلال ومعارضة له.
وأصابت عدوى القلق ايضا أوروبا التي عبرت قبل اسبوع عن دعمها لحكومة راخوي عبر ارسالها جان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية وانطونيو تاجاني رئيس البرلمان الأوروبي ودونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي لتسلم جائزة في اوفييدو شمال غرب إسبانيا.
وصرح تاجاني "علينا الا نقيم الحدود بين الأوروبيين"، محذرا من ان محاولة "تغيير الحدود" تحولت الى "جحيم من الفوضى".
واللافت ان اعلان الاستقلال لا يلبي رغبة عدد كبير من سكان كتالونيا. اذ افادت الاستطلاعات ان نصفهم على الاقل يريدون البقاء ضمن المملكة الإسبانية.
ولم يخالف برلمان كتالونيا أي قانون بإعلان الاستقلال أمس ولكن "لن يعترف بدولة كتالونية" أي من دول الاتحاد الأوروبي وفق مستشار القانون الدولي في بروكسل جان كلود بيريس وكان مديرا للخدمات القانونية في مجلس الاتحاد الأوروبي طوال 23 عاما، الذي اجاب على عدد من الاسئلة اكد فيها ان الاستقلال "بلا اب ولا أم ولد يتيما".
وفي معرض رده على سؤال هل لدى كتالونيا الحق في اعلان الاستقلال من طرف واحد؟ قال بيريس يحق لأي كيان أن يعلن استقلاله. ولكن لكي تصبح دولة، هذا يتطلب حيازة الأرض والشعب وسلطات ولكن خصوصا، وهو المهم هنا، اعتراف الأسرة الدولية.
واضاف الجميع لديهم الحق في إصدار إعلان بالاستقلال ولكن هذا وحده ليس له تأثير على الصعيد الدولي. ومن المرجح جدا أن يعترف عدد قليل جدا من البلدان بدولة كتالونية. أنا أضمن لكم أنها لن تحظى بأي اعتراف داخل الاتحاد الأوروبي.
وبالتالي، يبقى الأمر إعلانا فارغا من أي مضمون. فهم (الكتالونيون) لن يمثلوا في المحافل الدولية ولن يكون لهم مقعد في الاتحاد الأوروبي ولن يتمكنوا من فعل شيء وسيبقون تابعين قانونيا لإسبانيا.
وقال لا يمكن أن نتصور أن تقرر محكمة دولية أن الحق في تقرير المصير ينطبق على الكتالونيين. يقوم الاتحاد الأوروبي على تطبيق القانون الدستوري قبل كل شيء. غير أن الكتالونيين ليس لديهم الحق في أن يقرروا تشكيل دولة.
مثل هذا الحق يطبق في حالة تعرض شعب للاضطهاد والاستغلال. مثل هذا الأمر انطبق على المستعمرات مثلما يفسره قرار المحكمة الدستورية في كندا في 1998 بشأن انفصال كيبك.
هذا فعلاً مخصص للشعوب المضطهَدة غير المشمولة بالنظام الديموقراطي وتتعرض لسؤ المعاملة. غير أن الأمر ليس كذلك في كاتالونيا التي تتمتع بكل الحقوق الديموقراطية.
وخلص بيريس بالقول الى ان من المهم الآن هو ما سيحدث على المستوى الوطني وفي الشارع. هل ستنظم تظاهرات وتقام حواجز؟ هل سيقبل الناس بالرضوخ أم ستكون هناك أعمال عنف؟ هل ستكون هناك اعتقالات ومحاكمات؟ لا ينبغي أن ننسى أن إسبانيا شهدت حربا أهلية ليس منذ أمد بعيد، قبل الحرب العالمية الثانية.
ولكن قانون الاتحاد الأوروبي سيبقى ساريا في كتالونيا وستبقى إسبانيا هي التي تمثلها. لن تكون هناك نقاط مراقبة حدودية بين كتالونيا وإسبانيا او كتالونيا وفرنسا. سيواصل الكتالونيون استخدام اليورو ويبقون طرفا في كافة الاتفاقات الدولية التي وقعتها إسبانيا.