علاج السرطان مخبأ في صيدلية منزلك تعرّف إليه!
فَقدت هيلين هيويت كلاً من والدتها وشقيقها الأصغر وطفلها بسبب مرض السرطان، بحسب تقرير نشرته صحيفة غارديان البريطانية.
وعلى الرغم من تغلبها بنجاحٍ على سرطان الثدي، تُصارع حالياً عدة أورامٍ في رئتيها، وهناك خطرٌ كبيرٌ أنْ تصاب بأنواعٍ أُخرى من الأورامِ السرطانية، بسبب تشوهٍ وراثيٍ في حمضها النووي.
وعلى الرغم من ذلك، تُعَد هيلين رائدةً في انتهاجِ طريقةٍ غير مألوفةٍ لمواجهة هذا الغريم المألوف بشكلٍ زائدٍ عن الحد. حيث تتعاطى توليفة من الأدوية التجريبية المألوفةِ للغاية للجميع بجانب العلاج الكيميائي التقليدي، والجراحة، والعلاج الإشعاعي، حتى أنّ بعض هذه الأدوية ربما تكون في خزانة الأدوية في المنزل.
وأحد هذه الأدوية هو "ميتفورمين" Metformin دواء مرض السكري، الذي ربما يُساعد في تجويع خلايا السرطان المتعطشة للسكر بجانب وظيفته في جعل الخلايا السليمة أكثر حساسية لتأثير هرمون الأنسولين.
كما تم وصف كل من دواء ستاتين Statin الخافض للكوليستيرول والمضاد الحيوي من أجل فائدة إضافية، ألا وهي إخماد الالتهاب الذي يُعد وسيلة تستخدمها الخلايا السرطانية من أجل النمو.
وهناك أيضاً العلاج الشائع للدودة الشريطية، ميبيندازول Mebendazole الذي قد يثبط نمو الأوعية الدموية في الأورام السرطانية.
سَعت هيلين وراء هذه الأدوية بعدما اكتشفت ظهور جذورٍ لورمٍ سرطانيٍ مباشرةً عقب خضوعها لعمليةٍ جراحيةٍ لإزالة ورم بإحدى رئتيها.
وصرحت هيلين، طبيبة أمراض القدم في القطاع الصحي NHS والمقيمة في ولفرهامبتون Wolverhampton "بأن تجربة شيء من شأنه إضعاف الأورام دون أن يكون له تأثير كبير عليّ من ناحية الأعراض الجانبية بدا شيئاً منطقياً".
وعلى الرغم من أن الحكم لم يَصدر بعد فيما إذا كانت هذه الأدوية تحدث فارقاً، إلا أن هذه الأدوية ليست الوحيدة التي تخضع لإعادة تقييم شامل من بين الأدوية المألوفة في خزانة الأدوية المنزلية، بدءاً بالأسبرين Aspirin ومروراً بمُضادات الحموضة Antacids، ومُثبطات بيتا Beta Blockers وانتهاءً بالمسكنات ومضادات الالتهاب إبوبروفين Ibuprofen، حيث أضحت كلها تحت البحث باعتبارها مضادات محتملة للسرطان.
وبخلاف وسائل العلاج القديمة التي تستهدف وتدمر الخلايا السرطانية المنقسمة بشكل مباشر، يبدو أنّ العديد من هذه الأدوية المعاد تطويعها، تستهدف الخلايا السليمة، التي تتعاون مع الخلايا السرطانية وتدعم نموها.
الخلايا السليمة
وتُعَدُ وجهة النظر التي تعتبر مرض السرطان خليطاً من الخلايا السليمة والمختلة جديدة نسبياً، رغم قبولها على نطاق واسع، وتقدم وجهة النظر هذه تفسيراً جزئياً حول الأسباب التي ربما تقف وراء إغفال الخصائص المضادة للسرطان الموجودة بالأصل في أدويةٍ مثل الأسبرين.
ويقول "بان بانتزياركا" Pan Pantziarka المنسق المشترك في مشروع إعادة تطويع الأدوية لأغراض علاج الأورام، والذي يهدف إلى تحديد أكثر الأدوية الواعدة والانتقال بها لمرحلة الاختبارات السريرية، "لكن النظام كله يعتمد على تطوير مصدر داعم من الدماء، وتخريب الجهاز المناعي، وتحقيق معدلات معينة من النمو، وكثير من الأدوية المعاد تطويعها تعالج هذه الأشياء الأخرى التي يعتمد عليها السرطان من أجل البقاء".
يُعد دواء الثاليدومايد المثير للجدل قصة نجاحٍ مبكرة، حيث تم تطوير هذا الدواء في الأصل خلال حقبة الخمسينيات ليستخدم كمهدئ، ثم تم استخدامه لاحقاً للحد من أعراض الغثيان الصباحي أثناء الحمل، حتى تم اكتشاف تسببه في تشوهات خلقية حادة ومن ثم أُحيل للتقاعد، ثم بدأت عملية إعادة إحياء دواء الثاليدومايد في التسعينيات، بعدما اكتُشف أنّه يُثبط نمو أوعية دموية جديدة، وأشارت سلسلة من تقارير الحالات، إلى أنّه ربما يُخمد النظام المناعي.
بدأ اهتمام أستاذ الأورام في مستشفي سانت جورج، توتينج، لندن، أنغوس دالغليش Angus Dalgleish بالعقار بعدما شهد التحول الدراماتيكي في حالة مريض مُصاب بمرض مناعة ذاتية Auto-Immune Disease وتم علاجه باستخدام الثاليدومايد. وفي هذه الأثناء، تم نشر نتائج تجربة صغيرة لعقار الثاليدومايد، أُجريت على مرضى مصابين بسرطان النخاع العظمي.
لم يستجب المرضى للعلاج القياسي، فتمّ إعطاؤهم الثاليدومايد كملاذٍ أخيرٍ، وشُوهد تراجع السرطان في ربع تلك الحالات، ولكن هناك أعراضاً جانبية أُخرى للثاليدومايد بجانب التشوهات البشعة التي ولّدتها في الأجنة.
ولذلك تمكن دالغليش من خلال العمل لأجل تطوير العديد من الأدوية المماثلة الأقل سُمِّية، وتم إخضاعها لتجارب سريرية، إحداها كان دواء ليناليدومايد lenalidomide الذي لاقى إقبالاً شديداً في استخدامه لعلاجِ سرطان النخاع العظمي، ويُحقق مبيعات سنوية تُقدر بحوالى 4 مليارات دولار على مستوى العالم.
الأسبرين
يَقف عقار الثاليدومايد وحيداً حتى الآن، كعلاجٍ تم إعادةُ تطويعه لعلاج السرطان بشكل ناجح، لكن ربما يشاركه قريباً الأسبرين، والذي اتخذ شكلاً جديداً كعلاجٍ لأزمات القلب والسكتات الدماغية.
تقول روث لانغي Ruth Langley طبيبة الأورام في وحدة التجارب السريرية MRC بلندن، "هناك أدلة جديدة مثيرة تفيد بأنّه قد يُصبح دواء مضاداً للسرطان أيضاً". حيث تقوم حالياً بالبحث عن متطوعين لتجارب سريرية للعلاج بالأسبرين من بين حوالى 11 ألف مريض خضعوا بالفعل لأفضل البرامج العلاجية لسرطان الثدي، والقولون، والمريء، والبروستات، وتضيف لانغلي "نحاول أن نرى إمكانية تأخير عودة السرطان مرة أخرى، أو حتى منعه من العودة كلية عن طريق استخدام الأسبرين".
جاءت الفكرة من مُشاهداتٍ سابقة تقول بأنّ الأشخاص الذين يتعاطون الأسبرين للوقاية من الأزمات القلبية لديهم معدلات أقل للإصابة بالسرطان مقارنةً بعموم الناس.
وحتى في حالة إصابتهم بالسرطان، تقل احتمالات انتشاره لأعضاءٍ أخرى. حيث يعمل الأسبرين على جزيئات في الدم تسمى الصفائح، ويجعلها أقل لزوجة، ويُقلل هذا من احتمال تَشَكُّل الجلطات الدموية، ولهذا يُستخدم لعلاج أمراض القلب والأوعية الدموية.
وتقول إحدى النظريات أنّ الصفائح تُحيط بالخلايا السرطانية أثناء انتقالها في أنحاء الجسم، مما يجعلها أكثر خفاء أمام النظام المناعي، لكنها تقوم بهذا بكفاءةٍ أقل عندما يتناول الشخص الأسبرين، بينما تفترض نظرية أخرى أن الصفائح تُساعد السرطان على تثبيت نفسه في مناطق جديدة وإنشاء أورام جديدة.
وتُجرى حالياً العديد من التجارب حول العالم لدراسة مدى فاعلية استخدام عقار بروبرانولول propranolol أحد أدوية حاصرات بيتا (Beta Blockers)، المُستخدَمة لعلاج ضغط الدم المرتفع، في علاج سرطان الثدي والمبيض وبعض أنواع السرطان الأخرى. وبدأت هذه الدراسات إثر اكتشاف إمكانية استخدام البروبرانولول في علاج الوحمات غير السرطانية لدى الأطفال، والمعروفة طبياً باسم الأورام الوعائية الدموية.
قال نيكولاس أندريه، طبيب أورام الأطفال بمستشفى دو لا تيمون للأطفال في مرسيليا "قلنا لأنفسنا لو أن باستطاعتها علاج الوحمات، فهذا يعني قدرة هذه العقاقير على وقف نمو الأوعية الدموية، لذا يمكنها أن تفيد في علاج السرطان أيضاً"، وسيبدأ أندريه قريباً إحدى تجارب استخدام البروبرانولول لعلاج الساركومة الوعائية وهو أحد أنواع السرطان التي تؤثر على بطانة الأوعية الدموية.
هناك مرشحون آخرون أيضاً، حيث وضع مشروع ReDo قائمة من ستة عقاقير واعدة، بناء على انخفاض سميتها، ووجود آلية معقولة لعملها بالإضافة لأدلة قوية تشير إلى فاعليتها المحتملة في البشر.
وتحتوي هذه القائمة على: ميبيندازول (mebendazole) العقار المضاد للديدان الذي ذُكِر سابقاً، وسيميتيدين (cimetidine) مضاد الحموضة المُستَخدم لعلاج قرحة المعدة، والنيتروغلسرين المستخدم في حالات الذبحة الصدرية، بالإضافة إلى إتراكونازول itraconazole مضاد الفطريات واسع المدى، وكلاريثرومايسين المضاد الحيوي المستخدم في علاج ذات الرئة، وديكلوفيناك العقار المسكن للألم والمضاد للالتهاب.
وعلى الرغم من الحماس المحيط بهذه الأدوية، فالحقيقة إن دخول مرحلة التجارب السريرية هي عملية طويلة وشاقة، فعلى العكس من الثاليدومايد الذي لوحظت خواصه المضادة للسرطان في وقت مبكر نسبياً على يد شخص ذي علاقات مع أشخاص في قطاع التجارب السريرية، ما مكّنه من دفع الأمور قدماً، يتم تجاهل العديد من الأدوية الأخرى على الرغم من النتائج الأولية المبشرة على البشر.
شركات الأدوية
من المؤكد أن شركات الأدوية شديدة الرغبة في الحصول على دواء فعال لعلاج السرطان، بسُمِّيَّة منخفضة، خاصة مع توقعات زيادة حالات السرطان بنسبة تصل إلى 70% خلال العقدين القادمين.
المشكلة هي أن العديد من الأدوية الموجودة الواعدة المشار إليها في علاج السرطان فقدت براءة اختراعها. ما يعني أنه "ليس من المضمون أن تنجح شركة الأدوية في كسب الأموال التي أنفقتها على التجارب السريرية، إذ يمكن لأي مُصّنِع آخر أن يأخذ الدواء ليصنعه ويبيعه بسعر أقل" كما قال بانتزياركا الذي أضاف قائلاً "يتعلق الأمر بعائد الاستثمار" فالتجارب السريرية يجريها الأطباء ومجموعات الباحثين الصغيرة "والذين لا يملكون الوقت أو الخبرة أو المال لاستخدام نتائجهم الإيجابية في تغيير الممارسة ذاتها".
والمثير للسخرية أن أسعارها المنخفضة من ضمن الأسباب التي تجعل من الأدوية التي يعاد استخدامها للأغراض الأخرى، تمتلك صفة جاذبة. وقد ارتفع السعر المتوسط لأدوية السرطان الجديدة على مدار السنين الماضية، حيث كانت تبلغ أسعارها حوالى 70 جنيهاً إسترلينياً شهرياً خلال التسعينيات، لكنها ارتفعت 100 ضعف لتصل في الوقت الحالي إلى 7000 جنيه إسترليني شهرياً، ومن المتوقع أنه في حال استمرار هذه المأساة، أن ترتفع 10 أضعاف أخرى عن سعرها الحالي بحلول عام 2035، لتصل إلى 70 ألف جنيه إسترليني، وذلك حسب ما يقول بول كورنس، طبيب الأورام بمركز بريستول لعلاج الأورام.
ويكمن جزء من الأسباب التي تقف وراء ارتفاع الأسعار الشديد لتلك الأدوية، في أنها تستغرق سنوات عديدة لاختبار مدى فاعلية وأمان أي دواء جديد يتم طرحه في الأسواق. ولكن مع تلك الأدوية المعاد استخدامها، فإن كثيراً من تلك الأسئلة أجيب عليها بالفعل.
يقول أندريه "نحن نعلم أنها آمنة نسبياً؛ لأنها تُستخدم على نطاق واسع. ومع ذلك، فنحن في حاجة إلى تجارب عملية جديدة وسليمة للتأكد من فاعليتها على السرطان، ولكي نحصل على التمويل المطلوب".
ومع ندرة حجم الاستثمار الذي توفره شركات الأدوية، لجأت بعض المجموعات إلى طرق إبداعية لكي تُخضع تلك الأدوية للتجارب السريرية.
ففي دراسة مبدئية أُجريت قبل ذلك على 20 مريضاً، انتشر السرطان في جسم 6 من أصل 11 مريضا أُعطوا دواءً وهمياً، بالمقارنة مع مريض واحد فقط من أصل 9 حصل على دواء الأرتيسونات.
وفي تلك الحالة، بدا أن الدواء كان يقتل الخلايا السرطانية مباشرة، ويكلف المرضى 70 قرشاً في اليوم فقط.
وعلى الرغم من تلك النتائج الواعدة، قد يستغرق الأمر أعواماً قبل أن نتأكد من فاعلية الأدوية المعاد استخدامها ضد السرطان، وحتى إن ثبت ذلك، فكيف ستكون الطريقة المثلى لاستخدامها. ولكن لسوء الحظ، يعد الوقت من مظاهر الرفاهية التي لا يمتلك مريض السرطان تحملها.