آخر الأخبار
  إدارة السير تنوه: أعمال صيانة وتنظيف داخل أنفاق العاصمة تنفذها أمانة عمان   أجواء لطيفة في أغلب المناطق ودافئة في الأغوار والبحر الميت والعقبة   النفط يتراجع ويتجه لتسجيل خسارة أسبوعية   ولي العهد ينشر صورة للأميرة إيمان.. وهذا ما قاله   لماذا لم يسجل منتخب النشامى في مرمى العراق؟ سلامي يجيب ويوضح ..   انتهاء مباراة الأردن والعراق بالبصرة بـ"التعادل السلبي"   الملك والرئيس الإماراتي يبحثان جهود إنهاء الحرب على غزة ولبنان   السوداني لحسان: مباراة العراق والأردن فرصة لتعزيز العلاقات   العيسوي: الأردن، بقيادة الملك، ثابتا على مواقفه ومحافظا على أمنه ومدافعا عن أمته   توضيح مهم جدا للعمالة السورية في الاردن   "الارجيلة" تتسبب بإغلاق 35 مقهى في العاصمة عمان! تفاصيل   الملك يفتتح الدورة العادية الأولى لمجلس الأمة الاثنين   الملك في برقية لـ عباس: مستمرون بالعمل لإنهاء الظلم على الشعب الفلسطيني   مهم لهؤلاء الطلبة من المتقدمين للمنح والقروض - أسماء   تفاصيل حالة الطقس في المملكة حتى الاحد   39% من إجمالي عدد المساجد في الأردن تعمل بالطاقة الشمسية   ولي العهد: "فالكم التوفيق يالنشامى"   بمناسبة مرور 70 عاما على العلاقات الأردنية اليابانية .. رسالة من جلالة الملك عبدالله الثاني إلى رئيس الوزراء الياباني   الاردن .. زيادة كشفية الطبيب العام بنسبة 100% وزيادة كشفية طبيب الاختصاص بنسبة 50% .. تفاصيل   بيان صادر عن "وزارة التنمية الاجتماعية"

تركتهم والدتهم ليقتاتا على فضلاتهما.. والسبب؟

{clean_title}
في لحظات، تبخرت الشعارات الداعية لحماية الطفولة في الهواء، وغابت قيم التكافل في قضية تركت ندبا عميقا على جبين ساكنة وجمعيات محلية بالدراركة. قضية الطفلين المحتجزين بالدراركة أبانت عن شرخ كبير في جسم مجتمع هش لم يرأف لحالة الطفلين 'إيمان وأيمن'، وعمق جراحهما ليتخذ موقف المتفرج، في وقت كان فيه الطفلان البريئان في أمس الحاجة إلى يد تربت على رأسيهما وتمنحهما الحنان الذي افتقداه، والدفء الذي حرما منه في غرفة باردة بحي إيكيدار بالدراركة، ضواحي أكادير.

إيمان وأمين، قصة يندى لها الجبين، الطفلة التي تبلغ الرابعة من عمرها وأمين البالغ 6 سنوات ويعاني من خلل ذهني وجسدي، لم ترحمهما الظروف الاجتماعية، طفلان جاءا ضد رغبة الأم من علاقتين غير شرعيتين، فكان مصيرهما غرفة بمنزل للكراء أغلق بابه، وتركا لأيام دون أكل، فلم يجدا ما يسدا به رمقهما سوى فضلاتهما، ينامان ويلعبان في غرفة كلها قذارات.

مأساة في أقصى مظاهرها، وقصة أسرة مكونة من أربعة أشخاص، الأم تعاقر الخمر وبعض الممنوعات، لا أحد يعرف حقيقة معاناتها والأغلب أنها عاشت مرحلة صعبة، وعانت مشاكل أسرية، قبل أن تقرر الخروج إلى الشارع، لكن خروجها كان له ثمن غالي، ثلاثة أبناء غير شرعيين، ابنة في السادسة عشر من عمرها وطفلة في الرابعة من عمرها، والطفل في السادسة من عمره.

الأخت الكبرى لم يكن مصيرها أفضل من أمها، دفعتها ظروفها إلى قضاء أوقات طويلة بوادي سوس بمعية أشخاص غرباء، تعاقر الخمر إلى أن أصيبت بصدمة قوية بعد اكتشاف حملها من أحدهم، فلم يكن منها سوى الفرار إلى وجهة مجهولة تاركة أخوها وأختها الصغيرين، ورحلت لتختفي عن الأنظار وتعيش بدورها حالة الضياع، ولتنجب المأساة أطفالها.

تفجرت قضية الطفلين بعد أن اكتشف شاب في العشرينات من عمره تواجدهما بغرفة، فبعد أن حمل إليهما طبق كسكس، صدم لوضعيتهما المأساوية: طفلين شبه متخلى عنهما، يعيشان بغرفة تشبه حظيرة 'حيوانات'، نظرا إليه باستغراب وخوف، قبل أن ينقضا على الطبق ليلتهما ما فيه، تاركين الشاب مذهولا، فلم يكن منه سوى أخذ صور لهما ولحالة الغرفة التي يعيشان فيها، قبل أن يخبر فعاليات جمعوية بما رأته عينه.

لم يتفاعل المجتمع المدني بالشكل المطلوب مع القضية، واكتفى البعض بزيارة المكان وأخذ صور، في وقت بقي الجيران في موقف المتفرج، ولم يقم بعضهم بحلاقة شعر الطفلين إلا فيما بعد، حيث بلغ الخبر السلطات الأمنية لكن انتظار أمر من النيابة العامة أبقى عملية التدخل معلقا، لما يزيد عن أسبوع.

الأم ليست ككل الأمهات

علامات استفهام طرحت حول هوية الأم، هي شابة في عقدها الثالث أكد بعض الجيران أنها مريضة نفسية و'ماشي بعقلها'، مبررين غيابها عن أطفالها، فلم يظهر لها أثر منذ اكتشاف وضعية 'إيمان وأمين'، لتترك مصير طفليها بين يدي مستشفى الحسن الثاني.

مصادر من المكان أسر بكون الأم عاشت مشاكل عائلية مع والدها، مما دفعها إلى اللجوء للشارع، لكن ظروف العيش كانت أقسى فأنجبت ثلاثة أطفال غير شرعيين، مما عمق أزمتها النفسية، فلم يكن منها سوى البحث عن غرفة للكراء، من بين مجموعة من الغرف، لتترك أطفالها الثلاثة وتغيب لأيام تتسول في الشارع وتقضي ساعات الليل في معاقرة الخمر بوادي سوس وغيرها.

ظروف ولادة الأطفال وسبب وصول الأم إلى هذه الحالة رغم كل ما قيل يبقى سرا تحتفظ به الأم لنفسها، هذه الأخيرة حسب آراء مجموعة من الفاعلين تحتاج بدورها لعناية طبية والأخذ بيدها لمساعدتها على الخروج من حالة الضياع التي تعيشها، فليست هناك أم بكامل وعيها تقبل على نفسها بترك أطفالها في مكان آسن بغرفة اكترتها منذ ثلاثة سنوات ولم تدفع أجرها، لتهيم على وجهها ولا تقوم بزيارتهما إلى من حين لآخر.

الجيران.. موقف المتفرج

عاش الطفلان أياما وشهورا على تلك الحال، وبقيا مدة لا يقتاتان إلا على قذارات وفضلاتهما، في وقت يعلم الجيران ببقائهما وحيدين، وقد أغلقت عليهما الباب، لا يفتحانها إلى عند حضور والدتهما، وبعد أن تخلت عنهما الأخت وهامت على وجهها، زاد الأمر سوءا وأصبحت الغرفة أكثر وساخة عن ذي قبل، ويظهر ذلك أول فيديو تم تصويره للطفلين بشعر أشعث لم ينظف منذ شهور، بملابس وسخة، أواني مطبخية مرمية هنا وهناك، حيطان متسخة بفضلات الطفلين التي انتشرت بالمكان في غياب مرحاض ملحق للغرفة، روائح نتنة تنبعث منها…غرفة لا تتوفر فيها أدنى الشروط الضرورية لحياة طفلين لا ذنب لهما سوى أن أمهما امرأة ليست ككل الأمهات، امرأة تقضي وقتها في معاقرة الخمر…وجيران يقفون موقف المتفرج، لم يرأفوا لحالتهما إلا بعد اكتشاف حالتهما من طرف شاب حسن النية، وانتشار الخبر كالنار في الهشيم.

جمعيات مدنية.. صراع حول الشهرة

بمجرد انتشار خبر وضعية الطفلين، انتقلت تباعا إلى عين المكان بحي إيكيدار بالدراركة بعض الفعاليات الجمعوية، منها من قام بتصوير الحالة وعاد أدراجه، ومنها من قامت بتقصي بعض الأخبار، لكن ولمدة 10 أيام ظلت وضعية الطفلين على حالها، دون أن تقوم السلطات الأمنية بواجبها بدعوى انتظار صدور أمر من النيابة العامة لإخراج الطفلين من 'قمقم' وضعا فيه رغما عن إرادتهما، لكن لم يتم تحريك المسطرة إلا بعد إبلاغ رئيسة جمعية نحمي شرف ولدي ورئيس جمعية النجاح للتنمية والتضامن الأستاذ آيت الله، نائب الوكيل العام للملك مباشرة بالقضية، الذي أعطى أوامره للدرك الملكي بالدراركة للتحرك وإنقاذ الطفلين من وضعيتهما 'المأساوية'.

بعد طول انتظار، استطاع أخيرا الطفلان أن يخرجا إلى العالم وهما يعانيان سوء التغذية بسبب تناولهما لمدة فضلاتهما، وانتفاخا في البطن وبعض أنحاء جسدهما النحيل بفعل البرد، وبمشاكل صحية أخرى ينتظر أن تصدر في تقرير طبي لهيئة من الأطباء بمستشفى الحسن الثاني حيث يتواجدان حاليا، للعناية بهما وإجراء تحاليل وفحوصات طبية، خاصة وأن أيمن بدأت تظهر عليه اضطرابات نفسية، في انتظار ما سيحل بهما والقرار الذي سيتخذ بشأنهما، فيما لا يزال البحث جاريا عن الأم التي اختفت ولم يعد لها أثر.

الجمعيات دخلت على الخط، في شبه حرب باردة، وسباق نحو الريادة في قضية إنسانية لا مجال فيها ” للتبجج”، تدعي كل منها الفضل في إبلاغ السلطات والكشف عن حالة الطفلين، في وقت كان الأحرى أن تتحرك كل الجمعيات وتضع يدا في يد لإخراج الطفلين من حالتهما المزرية، وتضع في حسبانها مصلحتهما أولا وقبل كل شيء لا الركوب على القضية للشهرة.

إيمان وأمين… انتقلا إلى مستشفى الحسن الثاني والبسمة تلوح على شفتيهما، بعد أن حضيا بحلاقة شعرهما وبملابس نظيفة، لينعما أخيرا بالهدوء الاهتمام الذي غابا عن قلب أم وجار، في انتظار ما ستقرره الجهات المعنية في مصيرهما.