رفع مجلس الأمة، اليوم الأحد، رده على خطاب العرش السامي، الذي تفضل جلالة الملك عبدالله الثاني بإلقائه في الخامس عشر من الشهر الحالي، إيذانا بافتتاح أعمال الدورة العادية الثالثة لمجلس الأمة السابع عشر. وقال رئيس مجلس الأعيان، فيصل عاكف الفايز، في رد المجلس على خطاب العرش السامي، والذي ألقاه في قاعة العرش في قصر رغدان العامر، "إن خُطبة العرش، التي افتتحتم بها أعمال الدورة العادية الثالثة لمجلس الأمة السابع عشر، كانت عميقة المضامين، واضحة الرؤى، ترسم معالم الطريق لأردنٍ آمن مزدهر، حيث تمكن هذا الحمى بفضل قيادتكم الحكيمة، من تحويل التحديات إلى فرص، والصعوبات إلى نجاحات".
من جانبه، قال رئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونة، في رد المجلس على خطاب العرش السامي، "إن افتتاح جلالتكم للدورة العادية الثالثة لمجلس النواب السابع عشر يأتي ليؤكد حرصكم على سلامة مسيرتنا الديمقراطية وترسيخ قيمها وتعميق جذورها وفتح الآفاق أمامها لترتقي للمستوى الذي يليق بشعبنا وطموحاته في المشاركة والتنمية".
وفيما يما يلي نص ردي مجلسي الأعيان والنواب على خطاب العرش السامي: رد مجلس الأعيان:
"بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي العربي الهاشمي الأمين.
صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني إبـن الحسين المعظم، حفظه الله وأعزّ ملكه وأيدّه بنصره، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد، فنتشرف اليوم بالمثول بين يدي جلالتكم في المقر- بيت الهاشميين الأخيار، وبيت الأردنيين جميعاً - الذي انطلق منه أول التأسيس لهذا الحمى العربي العزيز، لنرفع إلى مقامكم السامي، رد مجلس الأعيان على خُطبة العرش، التي افتتحتم بها أعمال الدورة العادية الثالثة لمجلس الأمة السابع عشر، فكانت عميقة المضامين، واضحة الرؤى، ترسم معالم الطريق لأردنٍ آمن مزدهر، حيث تمكن هذا الحمى بفضل قيادتكم الحكيمة، من تحويل التحديات إلى فرص، والصعوبات إلى نجاحات.
لقد تحول الأردن بالتلاحم بين القيادة والشعب، إلى أُنموذج فريد في المنطقة، ففي الوقت الذي يسود فيه الدمار والقتل والإرهاب، دولاً عديدة من حولنا، يواصل الأردن – واحة الأمن والاستقرار- تعزيز مساره الديموقراطي، وبناء الدولة الحديثة، وتحقيق الإنجاز تلو الإنجاز، على المسارات كافة، بالرغم من وجوده في عين العاصفة.
سيدي صاحب الجلالة، كنتم على الدوام الرائد الذي يصدق أهله، والنبراسَ الذي نقتدي به، ونحن نحمل مسؤوليتنا التاريخية من أجل العمل الجاد، للمضي قدماً في مسيرة التقدم لوطننا العزيز، لا سيّما في مجال الاصلاح السياسي، الذي قطعنا فيه بتدرجٍ وثبات أشواطاً كبيرة، التزاماً بخيار الإصلاح الشامل وفق الأولويات الوطنية، والتزاماً بدوره الدستوري، فقد أقرّ مجلس الأعيان قانون اللامركزية، الذي سيسهم مع قانون البلديات، في استكمال مسيرة الاصلاح السياسي الشامل، وتحقيق فكر جلالتكم، بتعميق مشاركة المواطنين في صنع القرار، ودفع عملية التنمية في مناطقهم والتوزيع العادل والفاعل لمكتسباتها.
إنّ قناعة مجلس الأعيان راسخةٌ برؤية جلالتكم، في أن توفير البيئة المناسبة والمحفزة للحياة الحزبية، ينطلق من قانون الأحزاب وتطويره، الذي نأمل أن يشجع على المشاركة في بناء أحزاب برامجية تسهم في إثراء الحياة السياسية في المملكة.
ونعد جلالتَكم بإنجاز قانون الانتخاب دون إبطاء، باعتباره العمودَ الفقري للإصلاح السياسي، وتعزيز المسيرة الديموقراطية، وتوسيع المشاركة في الحياة السياسية، والارتقاء بالعمل البرلماني وصولاً إلى تشكيل الحكومات البرلمانية، انسجاماً مع رؤية جلالتكم الثاقبة.
كما أنّ تعزيز حقوق الإنسان، وترسيخ مبادئ النزاهة والشفافية، يشكل الركيزة الأساس في إرساء قواعد العدالة، والمساواة، والمساءلة، وسنكون خير عون في دراسة وإقرار مشروع قانون النزاهة ومكافحة الفساد حال وصوله إلينا.
صاحب الجلالة ،،، إنّ التحدي الرئيس كما أوضحتم جلالتكم، هو الجانب الاقتصادي وتحسين الوضع المعيشي للمواطن، وينظر المجلس بقلق، إلى نسبة البطالة المرتفعة، وإلى تصاعد المديونية بالرغم مما تحقق من انجازات، في مجال السياسة النقدية، وتخفيض عجز الموازنة، ولن نألو جهداً في التعاون مع مجلس النواب والحكومة، لتحقيق الرؤية الاقتصادية الاجتماعية العشرية، التي أعدتها.
ويقدر مجلس الأعيان عالياً، توجيهكم السامي للحكومة، لتقديم مشروع قانون لإنشاء صندوق استثماري أردني، لاستقطاب مزيد من الاستثمارات المحلية والعربية، لإنجاز المشاريع الوطنية التنموية، التي تعود بالنفع على اقتصادنا الوطني، وعلى المساهمين في الصندوق، وفي رأينا فإن القطاع الخاص يبقى العنصر الأهم في تعظيم الاستثمار ومردوده، في إطار مسؤوليته الوطنية. ولا بد من توفير كل عناصر النجاح له للقيام بدوره.
وسنتعاون مع الحكومة، ومجلس النواب، لسرعة إنجاز هذه المبادرة الملكية السامية التي ستُحقق بكل تأكيد الخيرَ للوطن وللمواطن على حدٍّ سواء.
ويتفق مجلس الأعيان مع جلالتكم، بوجوب تطوير بيئة الأعمال، وتحديث التشريعات الاقتصادية، وتحسين الإجراءات الحكومية، وتطوير مؤسسات الدولة، والارتقاء بنوعية الخدمات المقدمة للمستثمر، والتصدي لمن يضع العوائق أمامه وفق الممارسات العالمية الفضلى، من أجل تعزيز ثقة المستثمر والمواطن، بمؤسسات الدولة ذلك لأن مستثمرين ما زالوا يشكون من معوقات تواجههم.
سيدي صاحب الجلالة،،، إن مجلس الأعيان يتفق بكل تأكيد، مع توجيه جلالتكم بضرورة الاستمرار في تطوير قطاع الطاقة، الذي تُعتبر كلفته من أهم أسباب إرهاق خزينة الدولة، وتحميلِ اقتصادنا الوطني أعباء كبيرة. وبالرغم من الانجازات التي تحققت والتي ينبغي البناء عليها، فلا بد من الاستمرار في المشاريع التي من شأنها تنويع مصادر الطاقة، وزيادة الاعتماد على المصادر المحلية - وخاصة النظيفة منها - لسد جزءٍ من حاجة المملكة، ولا يمكن تطوير قطاع الطاقة، بمعزل عن قطاع النقل، الذي يجب أن يحظى بالاهتمام الكافي لتطويره وتحسين أدائه، وكذلك الحال في ما يتعلق بقطاع المياه، لأهميته الحيوية من أجل تحقيق انجازات جيدة، ولا بد كذلك من مواصلة البناء على ما حققته المملكة، في قطاع الاتصالات، وتكنولوجيا المعلومات، الذي غدا قطاعاً واعداً في هيكل اقتصادنا الوطني.
وكما أكدتم جلالتكم، فإن مجلس الأعيان يرى أن قطاع التعليم يجب أن يحظى بالأولوية في اهتمام الحكومة، من أجل إحداث نقلة نوعية، وإصلاح جذري يطال عناصر العملية التعليمية كافة، وخاصة المعلم وإعداده المهني، فالمورد البشري في الأردن هو العنصر الأساس في عملية التنمية، وبالرغم مما تحقق إلاّ أن مسيرة التعليم قد شابها بعض الخلل التراكمي، ولا بد من التركيز على تحسين مخرجات التعليم، لتواكب التطورات ومتطلبات سوق العمل. وسنتعاون مع الحكومة، والجهات المعنية، لإنجاز توصيات لجنة تنمية الموارد البشرية وتنفيذها، حال إقرارها بصيغتها النهائية.
مولاي صاحب الجلالة،،، يفخر الأردنيون جميعاً بمواقفكم التاريخية الرائدة، من قضايا أمتنا العربية والإسلامية، استمراراً لنهج آبائكم وأجدادكم الذين حملوا رسالة الثورة العربية الكبرى، وما موقف الأردن بقيادة جلالتكم من قضيتنا الأولى قضية فلسطين، وقضية القدس، والمقدسات الإسلامية والمسيحية تحديداً، التزاماً بالوصاية الهاشمية، إلا الدليل الساطع على حرصكم على تحقيق تطلعات أشقائنا الفلسطينيين، والدفاع عن عدالة قضيتهم، انطلاقاً من مسؤولية الهاشميين الدينية والتاريخية، وتحقيق المصلحة الوطنية العليا للأردن في نيل الشعب الفلسطيني حقوقه العادلة. ويشهد الجميع أنّ موقف الأردن الحازم من قضية فلسطين والقدس، لا يجاريه موقف آخر، وبقي صوت الأردن في المحافل الدولية كافة، هو الأقوى في الدفاع عن هذه القضية وعدالتها. وبكل تأكيد فإن قوة الأردن ومنعته هي قوة وسند للأشقاء الفلسطينيين، ويقف المجلس خلف جلالتكم في الاستمرار بدعم الشعب الفلسطيني، في وجه الهجمة الظالمة حتى زوال الاحتلال، وقيام الدولة الفلسطينية، وعاصمتها القدس الشرقية. كما أثبتت الأيام ومسار الأحداث، حكمة موقف الأردن بقيادة جلالتكم تجاه الأزمة السورية، والتأكيد على إنهاء معاناة طال أمدها، وامتدّت نارها إلى العالم، من خلالِ حلٍ سياسي شامل بمشاركة جميع مكونات الشعب السوري، بما يضمن وحدة سوريا واستقرارها وسيادتها.
إنّ وطننا العزيز يتحمل عبئاً كبيراً باستضافة أشقائنا من اللاجئين السوريين، رغم شح الموارد، وضيق ذات اليد، وقدم الأردن فوق ما يستطيع لإيوائهم والتخفيف من معاناتهم، حين أعرض عنهم من هو أكثر سعة منا على استقبالهم وإغاثتهم، ولكنه أردن الهاشميين الأصيل الذي لم يبخل يوماً على أشقائه العرب والوقوف إلى جانبهم وقت المحن، وإنّ مجلس الأعيان يؤكد على ضرورة قيام المجتمع الدولي بمسؤولياته تجاه اللاجئين، وتقديم الدعم الكافي، والتخفيف من أعباء استضافتهم على اقتصادنا ومواردنا وبنيتنا التحتية.
سيدي صاحب الجلالة الهاشمية،،، يعتز مجلس الأعيان برؤيتكم الاستشرافية الثاقبة، وبصيرتكم النافذة، حين حذرتم في وقت مبكر من خطر الإرهاب وتناميه، وضرورة التصدي له بجهد إقليمي ودولي، وها هو العالم اليوم يعيش معركة مصيرية مع الإرهاب وعصاباته من الخوارج، بعد أن وصل خطره إلى دول عديدة، وهو ما يؤكد صواب مقولة جلالتكم بأنها معركة المسلمين أولاً في وجه من يريد اختطاف ديننا الحنيف، ومجتمعاتنا وشبابنا على وجه الخصوص، نحو التعصب والتكفير. ونحن هنا نستذكر جهد جلالتكم في التصدي للفكر التكفيري وخطره، وكانت رسالة عمّان بمضامينها العميقة والسامية، مبادرة متميزة شهد لها العالم، كما أنّ الأردن بقيادتكم، كان من السباقين للتصدي لخطر الإرهاب وقام بدور رئيس في محاربته بشتى الوسائل.
صاحب الجلالة،،، إنّ جيشنا العربي وأجهزتنا الأمنية كانا على الدوام وسيظلان منارة الشرف والإقدام وثقتنا الكبيرة بهما هي امتداد لثقة القائد بجنده، الذين يشكلون الحصن المنيع في وجه الارهابيين، على اختلاف تنظيماتهم وانتماءاتهم ومسمّياتهم، ولمن تسول له نفسه النيل من هذا الحمى، ونفخر بأبناء قواتنا المسلحة - الجيش العربي، وأجهزتنا الأمنية كافة، على أدائهم المتميز المحترف، ونرفع مع جلالتكم ومن خلالكم- وأنتم القائد الأَعلى- تحية الفخر والاعتزاز لهم جميعاً، ونحن على يقين بأنّ أمن الأردن جزءٌ من منظومة الأمن العربي، لذا كان جيشنا منذوراً لخدمة أمته العربية، وما توانى يوماً عن تلبية نداء الواجب، دفاعاً عن الأشقاء في العديد من بقاع الوطن العربي، ونحن، والأردنيون جميعاً، معكم في توفير كل الدعم والإسناد لقواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية، لتبقى الحارس الأمين على رسالتها في صون أمن الوطن والمواطن.
صاحب الجلالة ،،، إنّ إيماننا بقيادة جلالتكم راسخٌ وثابت، وبكم يعلو البنيان ويتعزز التقدم والازدهار، فقد وعدتم وأوفيتم وأنجزتم وبنيتم وغدا الأردن - بالرغم من كل التحديات والصعوبات - يحتل مكانة رفيعة على الساحة الدولية، وغدت عمّان محَجّاً لصُنّاع القرار السياسي والعسكري والأمني في العالم، وأصبحت الدبلوماسية الأردنية بقيادة جلالتكم، أُنموذجاً فريداً في الحركة والإنجاز والتأثير الايجابي في مسار الأحداث الإقليمية، والإسهام في تحقيق الأمن والسلم الإقليمي والعالمي.
وسنبقى على العهد أسرةً واحدة متراصة، جنوداً أوفياء لجلالتكم ولوطننا العزيز، ولن نألو جهداً في ترجمة رؤاكم وتوجيهاتكم، في إطار دورنا الدستوري حتى يتحقق للأردن المزيد من الازدهار والقوّة والمنعة.
حفظكم الله ذخراً وسنداً وقائداً للوطن، وحفظ الله أردننا آمناً عزيزاً، والسلام عليكم ورحمة الله".