في ''ثلاجة موتى'' بمستشفى حكومي .. ذهب ليدفن والدته فوجد مفاجأة صادمة !!
رغبة في الضحك، ربما يلجأ مؤلف ساخر إلى مشهد عبثي داخل أحد المستشفيات، حيث تضع أسرة جثة أحد أفرادها في ثلاجة الموتى لبضع ساعات، من أجل الدفن في "نهار ربنا"، وفي الصباح يقف الجميع أمام المستشفى في انتظار خروج الجثة، قبل أن يكتشفوا أنها خرجت بالخطأ والإهمال أو لأسباب غير واضحة مع أسرة أخرى، وأنهم حصلوا على جثمان لشخص لا يعرفونه، غير أن تلك التجربة التي عاشها "حازم الشحات" مع استبدال جسد والدته المتوفاة بآخرى في مستشفى طوسون للتأمين الصحي بالإسكندرية، قد تدعو إلى الحسرة.
كانت والدة "حازم" قد عانت من أزمة صحية مفاجئة في الساعات الأولى من يوم الأربعاء الماضي، لم يستطع الصبر هو وأشقاءه بينما يرى والدته تتألم، انتقلوا بها سريعا إلى مستشفى طوسون للتأمين الصحي، القريبة من منزلهم، هناك أجروا لها العديد من التحليلات والإشاعات للتعرف على أسباب شكوتها "قابلنا المشاكل الاعتيادية من التعامل السئ وعدم الاهتمام الكافي بالمرضى"، قبل أن تُنقل في حالة سيئة إلى إحدى غرف المستشفى لمتابعة العلاج، ساعات قليلة وأخبرهم الأطباء أنها توفت.
بخطوات مثقلة وقلب معبئ بالحزن، دخل "حازم" برفقة جثمان والدته إلى غرفة ثلاجة الموتى بالمستشفى "كتبنا الاسم على جبهتها وحطيناها في درج رقم 2"، غادر المكان مع الأسرة، مرت ساعات الليل ببطء، وبحلول الساعة الثامنة صباحا انطلق إلى المستشفى لتجهيز كافة الأوراق اللازمة للدفن، وإعداد كافة الإجراءات لتغسيل والدتها وتكفينها داخل المكان "وصلت بدري جدًا، روحت على غرفة التلاجة لقيتها مقفولة ومفيش حد".
انهمك الشاب العشريني في الإجراءات الروتينة التي يمارسها أسر المتوفين، فيما حضر المسؤول عن الغرفة المخصصة لثلاجة الموتى بالمستشفى "شوية وطلع جثة على الترولي وسابها في نص المستشفى"، أخبرهم الرجل أن هناك دور لكل أسرة لاستلام الجثمان التابع لهم، انتظروا لنحو ساعة للدخول والحصول على جثة الأم "في الوقت دا جيه واحد خد الجثة اللي قدامنا على الترولي، وطلعت جثامين ست وراجل"، حينما جاء الدور عليهم تقدم "حازم" نحو الغرفة.
في الداخل سأله الرجل عن رقم المكان الذي وضع فيه والدته "قولتله رقم 2"، حينما فُتح الدرج، دهشة ظهرت واضحة على ملامح الابن "حجم الجثة مش زي أمي خالص"، شعر الشاب بالذعر، اقترب من الجثمان، طالب بالكشف عنها "لقيت واحدة تانية، ومكتوب على جبهتها سعاد"، لم يشعر بنفسه في تلك اللحظة، صراخات متتالية في وجه العامل "أمي فين؟ ودتوها فين؟ ومين الست دي؟" دون أن يجد رد.
في حالة من الذعر بحث "حازم" مع العامل في الأدراج المتبقية من الثلاجة "لقيت جثة طفل وواحدة اسمها شامية"، هرعا على الفور إلى الرجل المسؤول عن تدوين الدخول والخروج من المستشفى "وهو بيطلع الورق لقيت عربية طلعت بجثة اسمها شامية هتدفن في البحيرة" أخبرهم أن السيدة المذكورة في التقرير مايزال جثمانها داخل المستشفى " راح كلم سواق العربية، شخص اسمه هاني وبلغه إنه خد جثة بالغلط ولازم يرجع بسرعة".
بعد دقائق تلقى "حازم" اتصالا هاتفيا من أشخاص قالوا إنهم من أسرة "شامية" اعتذروا عن الخطأ وطالبوه بالتحلي بالهدوء "ومسافة السكة وهنرجع وحصل خير"، ثم حضر إلى المستشفى رجل خمسيني حاول تهدئتهم مخبرا إياهم في رواية مرتبكة أنه على صلة بالسيدة المتوفاة التي وقع خطأ بشأنها "وبعد شوية قال أنا فاعل خير ومعرفهاش"، لم يكن الشاب العشريني وقتها يفكر إلا في عودة جثمان والدته، لم يحاول التعرف على تفاصيل أكثر، أو تجميع الخيوط المتشابكة المبتورة، أو التأكد من الحكايات المبتورة التي استمع إليها من عمال المستشفى "كان يهمني في اللحظة دي أمي ترجع".
لضمان حقه وإثبات الواقعة، اتجه "حازم" برفقة والده وأشقاءه إلى قسم شرطة منتزة ثان، تقدم ببلاغ ضد إدارة المستشفى بتفاصيل الواقعة متهما إياهم باستبدال جثامين المرضى في محضر إداري رقم 15901 لسنة 2015 ثم عاد من جديد إلى هناك ليجد السائق قد وصل وبصحبته شخص آخر قال إنه قريب "شامية"، تأكد الشاب من وجود والدته بالسيارة، لم يتحدثوا مع السائق للتعرف على أية تفاصيل انشغلوا بتغسيل الجثة وتكفينها.
وصل إلى المستشفى في الوقت ذاته- شخص لم يعرف نفسه إذا ما كان من قسم الشرطة أو النيابة- لسماع أقوال الأسرة في الواقعة "طلعت معاه في غرفة المدير، لسه هأكلمه دخل علينا حد بلغني أن الجثة هيتصلى عليها"، ترك "حازم" المكان قبل أن يُدلي بشهادته هرع إلى أسفل من أجل اللحاق بوالدته "ولما نزلت اكتشفت إنها لسه بتتغسل ومفيش صلاه ولا حاجة"، حاول أن يعود إلى المكتب من جديد لكنه فشل في أن يجد المحُقق "وشوية ومشينا عشان نلحق نصلي وندفن ومعرفش عملوا ايه في التحقيق".
دُفنت السيدة مع آذان المغرب في منطقة برج العرب، وفي الطريق من المدافن إلى المنزل، كان عقل "حازم" مزدحم بالأسئلة "إزاي طلعوا جثة أمي وحطوا بدالها جثة تانية بدون وجودنا، وإزاي تخرج مع ناس تانية بدون ما يشوفوها ويتأكدوا إنها جثتهم، وإيه اللي يعرفني إنه مجرد خطأ مش سرقة، ومين سعاد ومين شامية؟ وليه أهلها كانوا بيتعاملوا بدون اهتمام بيها؟" أسئلة لم تُجيب عليها إدارة المستشفى التي اتصلت بهم للاعتذار وأرسلت وفد لحضور عزاء السيدة التي تركوها لساعات في يد أسرة آخرى.