’’قرار’’ يقلق المغتربين الأردنيين
د . خليل ابوسليم
فاجأتنا لجنة معادلة الشهادات في وزارة التربية والتعليم خلال اليومين الماضيين باتخاذها قرارا يمس شريحة كبيرة من أبناء الوطن المغتربين وذلك بإصدارها للقرار رقم 147/2015 بتاريخ 27/8/2015 والذي ينص على" تعد الشهادات الصادرة من الدول التي لا تعتمد الامتحان الوطني العام لشهادة الدراسة الثانوية العامة شهادات مدرسية ولا تعادل بالثانوية العامة الأردنية" ويسري هذا القرار اعتبارا من العام الدراسي الحالي 2015/ 2016.
وبموجب هذا القرار لحست اللجنة قراراتها السابقة والتي تحمل الأرقام 8/2015 و9/2015 وهذا يشير الى ما لا يدع مجالا للشك الى أن اللجنة تتخبط في قراراتها وتعبث بمصائر الأردنيين العاملين في الخارج.
القرار يمس شريحة كبيرة من المغتربين الأردنيين العاملين والمقيمين وأسرهم في دول الخليج العربي وخصوصا المملكة العربية السعودية التي تضم أكثر من 400 ألف أردني – حسب تصريحات وزارة الخارجية في مؤتمر المغتربين المنعقد مؤخرا في عمان.
هل تعلم اللجنة الموقرة الكلفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية المترتبة على مثل هذا القرار، وهل بإمكان الأردن كدولة محدودة الموارد والإمكانات أن تتحمل مثل هذه الكلف؟ ثم ما هي الغاية من هذا القرار؟ هل يريدون من ذلك إصلاح منظومة التعليم بدأً من الخارج؟
منذ صدور القرار، والمغتربون في السعودية يعيشون حالة من القلق والترقب خصوصا وان العام الدراسي بدأ منذ ثلاثة أسابيع ولا يوجد أي مجال لاتخاذ خطوات تصحيحية إن كان هناك مثل تلك الخطوات.
عندما اتخذت الوزارة هذا القرار، هل طرحت البدائل الممكنة أمام أبناء المغتربين؟ وهل هي قادرة على استيعابهم في مدارس المملكة التي تعاني من القصور ما تعانيه، وهل بإمكان اللجنة توفير فرص عمل للمغتربين للعودة للوطن من اجل تعليم أبنائهم، وهل بإمكان اللجنة تدبير أمور الوطن في حال عودة المغتربين وتوقف حوالاتهم عن الوطن والتي لولاها لبات الاقتصاد في مهب الريح؟
أسئلة كثيرة تطرح وما زالت، وأبواب سدت في أوجه المغتربين ولم يعودوا قادرين على فهم المطلوب منهم للدولة بعد أن اضطرتهم ظروفهم القسرية للهجرة والعمل خارج الوطن؟ ثم ماذا لو قامت دول الخليج وفي مقدمتها السعودية الشقيقة باتخاذ إجراءات مضادة تتضمن عدم الاعتراف بكافة الشهادات الصادرة عن المدارس والجامعات الأردنية؟
ألا يترتب على ذلك مغادرة – ولن أقول طرد- لجميع العاملين في الخليج وعودتهم الى ارض الوطن وبذلك نحرم الوطن الذي هو بأمس الحاجة الى العملة الصعبة التي ترفد خزينة الدولة بها للصرف على الفاسدين.
للعلم فقط، قطاع المغتربين هو القطاع الوحيد في الوطن الذي يخلو من الفساد، بل يكاد يكون القطاع الوحيد الذي يمارس عليه الابتزاز ابتداءً من الحدود وحتى المغادرة قافلين الى ارض الاغتراب، ومن لا يصدق ذلك عليه بالتجربة لأيام معدودة والعودة بسيارة خليجية ليرى حجم الابتزاز الذي يتعرض له من كافة الشرائح الرسمية وغير الرسمية في الدولة الأردنية، حتى القبولات الجامعية فحصة أبناء المغتربين لا تتجاوز 5% من المقاعد المخصصة في الجامعات، فهل هذه هي مكافأتهم مقابل اغترابهم وحوالاتهم؟ ثم هل فكرت اللجنة بالوضع الذي ستؤول إليه الجامعات الأردنية وتحديدا الخاصة منها في حال توقف دول الخليج عن إرسال أبنائها للدراسة في الأردن والتوقف عن قبول حاملي الشهادات الصادرة من الخليج نظير عدم الاعتراف بها.
إذا أرادت اللجنة ومن خلفها الوزارة إصلاح منظومة التعليم عليها البدء بإعادة الهيبة للمعلم أولا، وعليها محاربة الفساد والإقطاعيات في قطاع التعليم، ثم عليها الارتقاء بالمستوى الفكري والأخلاقي للطالب، مثلما عليها إصلاح الخلل في المناهج الدراسية فارغة المضمون.
أمور كثيرة يصعب تضمينها في مقال واحد لشرح المعاناة والسياسات الارتجالية التي تنتهجها الدولة تجاه أبنائها داخل الوطن وملاحقتهم خارج الحدود.
هذه دعوة لكافة الأجهزة الرسمية في الدولة وفي مقدمتها حكومة الرفع ومجلس النواب العتيد للوقوف في وجه هذه القرار وإلغائه من أساسه والذي وضع المغتربين وأبناءهم ومن خلفهم الاقتصاد الوطني والأمن والأمان المزعوم في مهب الريح، ثم التفكير بعد ذلك بكيفية معالجة مواطن الضعف والخلل في قطاع التعليم، فالإصلاح لا يبدأ بالتضييق على المغتربين.
الآن... فهمت الغاية من مؤتمر المغتربين والتوصيات الصادرة عنه، وفي مقدمتها ابتزاز المغتربين من خلال أبنائهم ودفعهم لبذل المزيد من الأموال للدولة من اجل استمرار منظومة الفساد التي تنخر فيها وباتت جزءا من كيانها.