جراءة نيوز - اخبار الاردن -
وجهت الناشطة توجان فيصل رسالة لوزير الخارجية ناصر جودة حول التخاذل التي تشهده وزارنه والحكومة في قضية اصغر أسير اردني في سجون الاحتلال محمد مهدي سليمان .
وتاليا نص المقال الذي تم نشره على موقع صحيفة الراية القطرية
بغض النظر عن أية انقسامات وحتى عداوات سياسية مهما كانت عميقة، هنالك أمور أجمعت البشرية على تجريمها وفي مقدمتها استهداف النساء والأطفال. وهذه بدهية ماكان يلزم ذكرها لولا تخاذل حكومتنا ووزارة خارجيتنا تحديدا في قضية الطفل الأردني محمد مهدي سليمان 'أصغر أسير أردني في سجون الاحتلال الإسرائيلي' . فهو أسير منذ أكثر من عامين، تطالب سلطات الاحتلال بالحكم عليه بالسجن المؤبد وأجلت محاكمته أكثر من خمسين مرة.. ربما بانتظار أن يبلغ سن الرشد لتبرر إسرائيل حكمها ذلك، مع أنه غير قابل للتبرير كون الفعل الذي تعتقله لأجله قام به وهو طفل .. أو لعلمها أن التهم الموجهة إليه لا تبرر هكذا حكم، بل ولا تبرر توقيفه ابتداء، فكيف إن تجاوز توقيفه العامين تعرض خلالهما (بشهادة زملاء أطفال كثر كانوا معتقلين معه وأطلق سراحهم) لتعذيب شديد ..ما يوقع معتقليه في جرم معاقب عليه دوليا ولا حصانة لمرتكبيه أو من يجيزونه مهما كانت مناصبهم، ولا يسقط بالتقادم.
والأدهى أن الفعل الذي أوقف ويحاكم عليه محمد مهدي لا يشكل جرما بل ممارسة لحق أقرته القوانين الدولية. فمحمد أوقف أثناء زيارة له لأقاربه في سلفيت، في الضفة الغربية 'المحتلة' حسب تعريف كل قرارت الأمم المتحدة، لقيامه بإلقاء حجارة على دورية لجيش 'الاحتلال' مع أطفال آخرين. ومقاومة الاحتلال حق لأهل الأرض المحتلة في القوانين الدولية. والدورية كانت تجوب الأراضي المحتلة لتحمي 'مستوطنة' . والمستوطنات في الضفة المحتلة مصنفة 'غير شرعية' حسب القوانين والقرارات الدولية، وعلى هذا تقوم حملة المقاطعة الدولية للبضائع المنتجة في تلك المستوطنات.
ولكن توصيف إسرائيل لما فعله الطفل محمد هو 'إصابة سبعة من أفراد الدورية' . و 'تعريض سلامتهم للخطر' !! والسؤال هو، هل المفترض والمتوقع -ناهيك عن أن يكون حقا مستحقا لجنود جيش محتل- أن يتمتعوا بالأمن والسلامة في تجوالهم في الأراضي التي يحتلونها ؟! أليس من عرّض أمن هؤلاء للخطر هو من أرسلهم في تلك الدوريات، بل ومن احتل أرضا واستوطنها بعد طرد أهلها منها والاستيلاء على أراضيهم وبيوتهم؟!
أما كون التهمة تتضمن 'إصابة سبعة من أفراد الدورية'، فالسؤال هو هل أصاب محمد وحده السبعة؟؟ ولماذا أطلق سراح بقية الأطفال فيما محمد قيدُ الاعتقال والتعذيب لأكثر من عامين ومهدد بالسجن المؤبد؟!
السؤال حتما ليس لتبرير اعتقال أي من الأطفال الآخرين غير الجائز لا دوليا ولا إنسانيا ولا قانونيا، ولكنه يؤشر على فارق واحد بين محمد وزملائه، وهو كون محمد يحمل الجنسية والرقم الوطني الأردني، ما يجعل الدفاع عنه مسؤولية وواجب الدولة الأردنية، وحقا مستحقا للطفل محمد وأهله عليها. فالدول قامت (منذ بداية التاريخ) بتوافق مجموعة بشرية عليها لتأمين الحماية لهم والدفاع عن مصالحهم. ولهذا أصبح التجاوز على حقوق أي مواطن من قبل دولة أخرى إساءة لتلك الدولة وانتقاصا من هيبتها. ولا نستشهد هنا فقط بالعرف الدولي المعاصر، بل نذكّر بحادثة (كعيّنة) من تراثنا وفي دولة كان الأردن وفلسطين جزءا منها، بصرخة امرأة 'وامعتصماه' التي جعلت الخليفة المعتصم بالله يسيّر جيشا ويخوض حربا مع إمبراطورية!
وبما أننا عدنا للتاريخ ولأصل الجغرافيا التي قامت لعشرات القرون ولم تتغير إلا برغبه سايكس و بيكو، تسمية الأردن كانت تاريخيا لكامل ضفتي نهر الأردن، وتسمية فلسطين كانت للمنطقة جنوب النهر وتمتد حتى حدود 'الحجاز'.. نذكّر بها لأن هنالك من يريدون تصغير الأوطان لحجومهم هم وتبرير تهاون أو عجز وزارة الخارجية عن أي إجراء ولو بحدود ترتيب زيارة لوالد الطفل لطفله الأسير.. وصولا لدفع آخرين لزعم أن محمد ليس أردنيا، ما ألزم والده باستخراج ونشر شهادة ميلاده ورقمه الوطني!
وهذا يعيد الكرة لمعلب زاعمي احتكار 'امتيازات' المواطنة الأردنية بسؤال: هل أصابت حجارة محمد وحده السبعة جنود دونا عن حجارة بقية الأطفال؟ وكيف تسنى إثبات حصة محمد من تلك الإصابات (التي إن صحت لن تتجاوزالخدوش) بحيث يطلق سراح البقية ويبقى محمد وحده رهن الاعتقال والتعذيب وتهديد حكم بسجن مؤبد؟ أليس في هذا قصد معاقبة وإنذار الأردنيين الرافضين للاحتلال وهم الغالبية الساحقة من الشعب الأردني؟
قولي هذا ليس تبريرا، وحتما ليس استجلابا لجريمة توقيف أطفال، وحتى شباب، يمارسون حقهم المشروع دوليا وإنسانيا في مقاومة المحتل وبخاصة 'جيشه'.. ولكنه تذكير بكون ما يجري موجه للدولة الأردنية ذات السيادة المعترف بها دوليا، في محاولة لإخضاع مواطنيها بما يتجاوز حتى محاولات إخضاع مواطني الأرض المحتلة ممن تبعيتهم لسلطة بلا سلطة، والذين تصل صنوف اضطهادهم حدودا يؤمل منها أن تدفعهم لهجر أرضهم ووطنهم !! نقولها علّ حكومتنا التي تمنع الناس والصحافة من الحديث مع أو تصوير والد محمد المفترش للشارع قبالة وزارة الخارجية في اعتصام وإضراب عن الطعام، تدرك أبعاد ما تفعله!