الليرة رمز الأزمة في تركيا.. ماذا ينتظرها؟
خلال الـ5 سنوات الماضية فقدت الليرة التركية 80 بالمئة من قيمتها، وهو ما يثير أسئلة كثيرة أبرزها؛ ماذا ينتظرها عقب جولة الإعادة؟
وللمرة الأولى في تاريخهم، عبر جولة ثانية من الانتخابات الرئاسية، يسعى الأتراك لاختيار الرئيس التركي الجديد، بعد منافسة محتدمة لم ينجح فيها الرئيس المنتهية ولايته رجب طيب أردوغان ولا مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو، في حسم المعركة الانتخابية.
وقبل جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية اليوم الأحد، سجلت الليرة التركية مستوى قياسيا منخفضا ويبدو أنها تفقد جاذبيتها بشكل متزايد بالنسبة للمستثمرين القلقين مما ستؤول إليه الأوضاع.
وأدت السياسات غير التقليدية خلال السنوات الماضية بهدف تحقيق النمو، إلى هبوط قيمة الليرة 80 بالمئة على مدى السنوات الخمس الماضية وتكريس مشكلة التضخم وانهيار ثقة الأتراك في عملتهم.
ولعبت السلطات منذ أزمة 2021 المؤلمة دورا متزايدا في أسواق الصرف الأجنبي لدرجة أن بعض خبراء الاقتصاد صاروا الآن يناقشون علنا هل كان تعويم الليرة دون تدخل.
وأصبحت تحركات الليرة اليومية محدودة بشكل غير طبيعي وتتحرك في الغالب في اتجاه واحد هو التراجع.
وصارت شركات التصدير ملزمة الآن ببيع 40 بالمئة من عائدات النقد الأجنبي للبنك المركزي، في حين أن خطة حماية الودائع المصرفية من تقلبات سعر الصرف، والتي ساعدت في القضاء على اضطرابات عام 2021، لا تزال حائط دفاع حاسما رغم احتمال أن يكون باهظ التكلفة.
قال بول مكنامارا مدير ديون الأسواق الناشئة لدى جي.إيه.إم لإدارة الأصول "الشيء الأساسي هو الإبقاء على (قيمة) الليرة بصورة مفتعلة".
ووضع المودعون نحو 33 مليار دولار في حسابات مصرفية محمية بموجب الخطة في الشهرين الماضيين ليصل المجموع إلى 121 مليار دولار، أي ما يقرب من ربع الودائع التركية بأكملها.
وقال مكنامارا "بشكل أساسي، من المستحيل إيجاد حل سلس وجيد لكل ذلك".
* مصداقية ونقلت رويترز عن مصادر مطلعة بالحكومة في الأيام الماضية تصريحات بإن هناك خلافا يدور بشأن هل يجب التمسك بالاستراتيجية الاقتصادية الحالية التي تعطي الأولوية لأسعار الفائدة المنخفضة أم التحول إلى سياسات تقليدية بدرجة أكبر بعد الانتخابات.
وحدَّت الإدارة الصارمة لليرة من انخفاضها إلى ما يزيد قليلا على اثنين بالمئة منذ الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية قبل أسبوعين.
وارتفعت تكلفة تأمين ديون تركيا ضد التخلف عن السداد 40 بالمئة، وهبطت السندات الدولية بما تراوح بين 10 بالمئة و15 بالمئة، وسجلت مقاييس التقلبات الرئيسية في سوق العملات الأجنبية على مدى عام واحد مقبل أو يزيد مستويات قياسية مرتفعة.
يقول دارون عاصم أوغلو الأستاذ بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إن المشكلة تكمن في السياسات وتقلص احتياطيات العملات الأجنبية والذهب.
وأضاف عاصم أوغلو "أنا مقتنع بأن ما لدينا الآن لا يمكن أن يستمر".
وتساءل قائلا "حسابات الليرة المحمية بالدولار، هل هي ذات مصداقية؟"، مشيرا إلى تكلفتها المحتملة على الحكومة في حالة حدوث أزمة كاملة وإلى أن أسعار الصرف الموازية تُعرض الآن على نطاق واسع في الأسواق التركية بسبب الطلب على الدولار.
وأضاف "إننا نعود إلى التسعينيات"، في إشارة إلى مرحلة سبقت واحدة من أشد أزمات تركيا والتي بلغت ذروتها في هبوط حاد لقيمة العملة في عام 2001.
* هل بدأ العد التنازلي الأخير؟ تتجه الأنظار الآن إلى احتياطيات العملات الأجنبية والليرة مع تجاوزها مستوى 20 مقابل الدولار، وهي أحدث محطة رئيسية في رحلة هبوطها الطويلة.
وقال عاصم أوغلو إن من الصعب التكهن بما إن كانت ستحدث أزمة أو توقيت حدوثها. ومن المتوقع أن يعزز الموسم السياحي القوي الاحتياطيات مرة أخرى في الأمد القصير، كما أن خزائن الدولة تلقت في الآونة الأخيرة تدفقات من دول خليجية "صديقة" وروسيا أيضا.
وفي الفترة التي سبقت الانتخابات، توقع محللون لدى جيه.بي مورجان أن تنخفض الليرة إلى مستوى 30 مقابل الدولار في غياب تحول واضح نحو سياسات تقليدية.
ويفترض هؤلاء المحللون الآن أن أردوغان يضمن النصر اليوم الأحد وسيفي بوعوده في حملته الانتخابية بزيادة الدخل وإعادة بناء البلاد بعد زلزال فبراير شباط.
ويشعر بعض المستثمرين بالقلق من أنه إذا تعافت السوق مرة أخرى، فقد تلجأ السلطات إلى المزيد من ضوابط رأس المال الصارمة، وهو أمر قالت الحكومة مرارا إنها لا تدرسه بينما تسعى لسد فجوة التمويل الخارجي البالغة 230 مليار دولار أو 25 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
واعتمدت الحكومة على مدى سنوات على الأسواق الدولية للإقراض بالليرة لدرجة أن بيانات بنك إنجلترا المركزي تظهر أن التداول في المراكز الرئيسية مثل لندن قد تقلص إلى أقل من 10 مليارات دولار يوميا في المتوسط من 56 مليار دولار في عام 2018.
وأدى الخلل المتزايد في سوق العملات إلى انحسار التفاؤل الذي جلب في السابق العديد من الاستثمارات الأجنبية إلى تركيا.
وعن ذروة ازدهار عمليات الاندماج والاستحواذ في القطاع المصرفي، قال عاصم أوغلو "لم يكن يُنظر إلى تلك الأصول على أنها أصول رخيصة، بل كان يُنظر إليها على أنها جواهر".