ما حكم الاحتفال بالمولد النبوي؟
في كل عام ومع دخول شهر ربيع أول، يتجدد الجدال حول مدى مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف.
ترى التيارات الأصولية، وعلى رأسها التيار السلفي، أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة، ويدفعون الناس إلى عدم الاحتفال، وتسارع المؤسسات الدينية الرسمية والطرق الصوفية لتأكيد مشروعيته، وفضل الاحتفال به.
حكم الاحتفال بالمولد النبوي
لم يتطرق أئمة المذاهب الأربعة: الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، إلى قضية الاحتفال بالمولد النبوي، ولم يفتوا بإباحتها أو تحريمها.
وقد علق الدكتور فتحي الفقي، عضو هيئة كبار العلماء بمصر، بأن "القول في حكم الاحتفال بالمولد النبوي في المذاهب الأربعة متروك على الإباحة".
السلفية: بدعة محرمة
يرى السلفيون أن الاحتفال بالمولد النبوي وموالد الأنبياء وأهل البيت والأولياء نوع من العبادة لهم، لأن فيها تعظيمهم، وتعظيم الأشخاص شرك في النهج السلفي.
كما يستندون على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحتفل بمولده، وكذلك الصحابة والتابعون، فهي بدعة سيئة محرم فعلها، ويجب الإنكار عليها، و"كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار".
ويهاجم السلفية إقامة الموالد لوجود بعض المنكرات، كاختلاط النساء بالرجال والرقص والغناء، وغيرها من المظاهر التي يعتبرونها بدع منكرة.
ويعتبر أنصار التيار السلفي أن الاحتفال بالمولد النبوي بدعة أول من أحدثها هم الفاطميون في القرن السادس الهجري عند ظهور الدولة الفاطمية.
وقد أفتى كل دعاة التيار السلفي تقريبًا، وعلى رأسهم الداعية أبو إسحاق الحويني، بأن الاحتفال بالمولد النبوي حرام.
الصوفية: لا يخالف الدين
يرد الصوفية على شبهات السلفية، فيقول علاء أبو العزائم، شيخ الطريقة العزمية في مصر، ورئيس الاتحاد العالمي للطرق الصوفية، إن تعظيم الصالحين ليس عبادة ولا شركًا.
ويضيف أبو العزائم، أن عمل المولد- وإن حدث بعد عهد النبي وصحابته- ليس فيه مخالفة لكتاب الله ولا لسنة رسول الله ولا لإجماع المسلمين، موضحًا: "أن كون السلف الصالح لم يفعلوه صحيح، ولكنه ليس بدليل، وإنما هو عدم دليل، ويستقيم الدليل على كونه ممنوعاً أو منكراً لو نهى الله تعالى عنه في كتابه العزيز، أو نهى عنه رسول الله في سنته الصحيحة، والحقيقة أنه صلوات الله وسلامه عليه لم ينه عنه فيها".
واستشهد رئيس الاتحاد العالمي للطرق الصوفية بقول الإمام الشافعي: "ما أُحدث وخالف كتاباً أو سنة أو إجماعاً أو أثراً فهو البدعة الضالة، وما أُحدث من الخير ولم يخالف شيئاً من ذلك فهو المحمود".
وأما عن مظاهر الاحتفال التي تؤخذ على الموالد، فقال أبو العزائم: إن هذه المظاهر تحرم في ذاتها، لكنها لا تحرم الاحتفال بالمولد النبوي، قائلاً: "لا يبطل عمل قوم بعمل الآخرين، ولا تفسد نية رجل بفساد نوايا الآخرين، وإلا نبطل الحج لوجود سرقة أو مخالفة شرعية فيه، ونبطل الحديث لوجود محدثين كذبوا على رسول الله".
الإفتاء: من أفضل الأعمال
قالت دار الإفتاء المصرية، في فتواها عن حكم الاحتفال بالمولد النبوي عام 2007، والتي تجدد نشرها كل عام مع قرب الاحتفال بالمولد، إن الاحتفالُ بِمولدِ النَّبي صلى الله عليه وآله، وسلم مِن أفضل الأعمال وأعظم القربات؛ لأنه تعبير عن الفرح والحب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو أصل من أصول الإيمان.
وأكدت دار الإفتاء المصرية أن النبي سن لنا الشُكرِ لله تعالى على مِيلاده الشريف؛ فكان يَصومُ يومَ الاثنين ويقول: "ذلكَ يَومٌ وُلِدتُ فيه".
وقالت دار الإفتاء، إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف شاهدٌ على الحب والتعظيم لجناب سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم والفرح به، وشكرٌ لله تعالى على هذه النعمة، "وهو أمرٌ مستحبٌّ مشروعٌ، ودرج عليه المسلمون عبر العصور، واتفق علماء الأمة على استحسانه".
وأوضحت الدار كيف يتم الاحتفال بالمولد النبوي، فقالت "المراد من الاحتفال بذكرى المولد النبوي: أن يتجمع الناس على الذكر، والإنشاد في مدحه والثناء عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وإطعام الطعام صدقة لله، والصيام والقيام؛ إعلانًا لمحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإعلانًا للفرح بيوم مجيئه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم إلى الدنيا".
واستدلت دار الإفتاء بما روي عن بُرَيدة الأسلمي -رضي الله عنه- قال: خرج رسول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم في بعض مغازيه، فلمَّا انصرف جاءت جاريةٌ سوداء فقالت: يا رسول الله، إنِّي كنت نذَرتُ إن رَدَّكَ اللهُ سَالِمًا أَن أَضرِبَ بينَ يَدَيكَ بالدُّفِّ وأَتَغَنَّى، فقالَ لها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "إن كُنتِ نَذَرتِ فاضرِبِي، وإلَّا فلا"، موضحة: "فإذا جاز ضرب الدُّفِّ فرحًا بقدوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم سالِمًا، فجواز الاحتفال بقدومه صلى الله عليه وآله وسلم للدنيا أولى".
يذكر أن هناك 16 دار إفتاء عربية وإسلامية أفتت بجواز الاحتفال بالمولد النبوي، وكان وقفها مطابقًا لموقف دار الإفتاء المصرية.
الأزهر: احتفال بالكمال الإنساني
قال شيخ الأزهر أحمد الطيب، إن الاحتفال بمولد خاتم الأنبياء ليس احتفالا بعظيم من العظماء ممن يتوقف التاريخ عند أدوارهم، ثم ما يلبث أن يروح ويتركهم، بل هو احتفال من نوع آخر مختلف.
وأضاف شيخ الأزهر خلال كلمته بالاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف العام الماضي، إنه "احتفال بالنبوة والوحي الإلهي وسفارة السماء إلى الأرض، والكمال الإنساني في أرفع درجاته وأعلى منازله، والعظمة في أرقى مظاهرها وتجلياتها، احتفال بالتشبه بأخلاق الله تعالى قدر ما تطيقه الطبيعة البشرية، وقد تمثل كل ذلك في طبائع الأنبياء والمرسلين، الذين عصمهم الله من الانحراف، وحرس سلوكهم من ضلالات النفس وغوايات الشياطين، وفطر ظاهرهم وباطنهم على الحق والخير والرحمة".