جراءة نيوز-اخبار الاردن-خاص:
يتسم رمضان في موريتانيا بمشاعر البهجة والاحتفاء لدى هذا الشعب المسلم والبالغ تعداده حوالي 3 ملايين نسمة، ولأن الموريتانيين يطبعهم في غالبيتهم طابع الالتزام والتقيد بتعاليم الدين الإسلامي، فإن رمضان بالنسبة لهم هو فرصة نادرة وباب مفتوح للمبادرة إلى الطاعات وأعمال الخير، وتلعب أجهزة الإعلام الرسمية من إذاعة وتلفزيون دورا بارزا في إيصال صوت العلماء، تعليماً وتوجيهاً وإرشاداً خلال الشهر الكريم، ولا يخلو إحياء الموريتانيين لرمضان من طقوس تعكس تمسكهم بعاداتهم وتقاليدهم العريقة.
التراويح لإقبال على المساجد يبلغ أوجه في هذا الشهر الكريم، حيث تزدحم بالمصلين الحريصين على أداء الصلوات في الجماعة، كما تشهد صلاة التراويح إقبالا خاصا وتحرص غالبية المساجد على ختم القرآن الكريم خلالها، حيث تشتهر هذه البلاد بكثرة حفظة القرآن فيها.
كما يحرص الصائمون على حضور الدروس اليومية التي تلقى في هذه المساجد والتي تبين للناس أحكام دينهم، ويجيب من خلالها الفقهاء على تساؤلات المستفتين حول مختلف الأحكام المتعلقة بالعبادات والنوازل المختلفة، وتمثل هذه الدروس امتدادا طبيعيا للدور التاريخي لـ الجامعات الشنقيطية المتنقلة المعروفة بـ"المحاظر" والتي كان لها دور أساسي في نشر العلوم العربية والإسلامية في المنطقة.
وتميزت إطلالة رمضان عام 1431 هـ في موريتانيا بخطوات رسمية لاقت ارتياحا واسعا، فبعد أيام من إعلان الرئيس محمد ولد عبد العزيز عن إنشاء إذاعة للقرآن الكريم بدأت بالفعل بثها مع مطلع الشهر الكريم، أعلن وزير الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي الموريتاني أحمد ولد النيني عن تبني الدولة لإنشاء مسجد جامع جديد سيكون الأكبر في موريتانيا ويتسع لخمسة عشر ألف مصل، إضافة إلى تبني الدولة لطباعة "مصحف شنقيط" برواية ورش عن نافع المنتشرة بمنطقة المغرب العربي.
الفقيه والطبيب أما في التلفزيون والإذاعة الرسميتين فتخصص ساعات طوال لبرامج مباشرة يستضاف فيها أبرز علماء البلد ويقدمون في كل حلقة درسا يتناول موضوعا فقهيا معيناً قبل أن يفتح المجال للاتصالات الهاتفية التي تطرح من خلالها استشارات شرعية مختلفة.
ومن العادات الثابتة التي التزمتها وسائل الإعلام الموريتانية منذ ما يقارب عشرين سنة ما يعرف بثنائية "الفقيه والطبيب" حيث يحضر فقيه وطبيب في "السهرات الرمضانية" التي تبثها الإذاعة والتلفزيون، ويشكل تواجدهما معا عاملا مهماً لإيجاد حلول نهائية لعدد من الاستشكالات التي يطرحها الصائمون وبالأخص ما يتعلق منها بإمكانية صوم المريض بمرض كذا أو كذا، حيث يرفض الفقيه أن يعطي جوابا قاطعا قبل أن يبدي الطبيب رأيه حول تأثير الصوم على هذه الحالة المرضية أو تلك، ليخرج الفقيه بحكم نهائي.
الدور المتميز الذي تلعبه الإذاعة والتلفزيون الموريتاني الرسميين أثناء رمضان يجعلهما محور اهتمام المستمع والمشاهد الموريتاني، فلا تمر من شارع أو تدخل محلا تجاريا إلا وانتهى إلى مسامعك صوت المذياع أو التلفزيون صادعاً بالقرآن الكريم أو المدائح النبوية أو محاضرات أحد العلماء البارزين.
التكافل الاجتماعي يتميز المجتمع الموريتاني بطبعه أصلاً بقدر كبير من التكافل الاجتماعي يعززه البعد الديني والروابط الأسرية والقبلية القوية، إلا أن هذا التكافل يبدو جليا في رمضان حيث يحرص ذوو السعة على إعداد موائد كبيرة ودعوة الجيران المتعففين أو إرسال موائد إليهم، ونتيجة لهذا العامل أساسا فإنه لا توجد موائد إفطار جماعية رسمية.
وفي أغلب المناطق الداخلية البعيدة تتسابق الأسر إلى إعداد وجبات إفطار خاصة بالمساجد وهي عادة قديمة لدى أهل هذه البلاد حيث ترى أطفال القرية ونساءها يتسابقون إلى المساجد قبيل الغروب حاملين ذلك النصيب اليومي المفروض من مائدة الإفطار الذي لا تطاله الاتكالية ولا التقاعس. المتجول في شوارع موريتانيا خلال نهار رمضان يشعر بأن الشارع يصوم فعلاً، فلا مطاعم أو مقاهي مفتوحة ولا مدخنين في الشوارع أو الأماكن العامة.
وفي تقليد سنوي درجت عليه سلطات البلد مع إطلالة الشهر الكريم تقوم هذه السلطات بفتح محلات تجارية تبيع المواد الاستهلاكية بأسعار مدعومة لجعلها في متناول الفقراء وتشهد هذه المحلات إقبالا كبيرا حيث تتشكل أمامها طوابير طويلة من ذوي الدخل المحدود الراغبين في الحصول على المواد الضرورية الأساسية التي توفرها هذه المحلات بأسعار مخفضة.
وأعلنت السلطات الموريتانية مؤخرا عن اتخاذ إجراءات وصفتها بـ" العاجلة والفورية" لتخفيض أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية خاصة القمح والسكر والأرز ومسحوق الحليب للتصدي لموجة الارتفاع الكبير للأسعار التي تشهدها البلاد منذ أسابيع. طقوس رمضانية وتتشابه العادات الغذائية لدى المجتمع الموريتاني في رمضان، وتشكل روتينا شبه ثابت منذ فترة طويلة.
ورغم أن بعض الوصفات الوافدة بدأت تتسلل خلال الأعوام الأخيرة إلى المطابخ الموريتانية إلا أن تأثيرها يبدو طفيفا، حيث لا يزال التمر أول ثوابت الإفطار امتثالا للسنة النبوية الشريفة. ويظل "اطاجين" الوجبة الرئيسة التي لا تخلو مائدة إفطار موريتانية منها وهو عبارة عن طبخة معدة من البطاطس باللحم، كما يمثل "الزريق" المشروب الأساسي وهو عبارة عن خليط من الماء والحليب واللبن الرائب، إضافة إلى "الشوربة" المعدة من الخضار أو الطحين.
ولا يمكن أن تخلو جلسة الإفطار من الشاي الأخضر الموريتاني المنعنع بأدواره الثلاثة والذي عرف قديما بأنه لا يصلح دون "ثلاث جيمات" تشير إلى كلمات "الجماعة" و"الجمر" و"الجر" وتعني أن يجمع مجلسه أكبر عدد ممكن الأفراد، وأن يعد على نار هادئة لا تنقص من سخونته، وأن يعمل معده على إطالة فترته. ويدخل كل ذلك في إطار إكرام الجلساء والترفيه عنهم.