جراءة نيوز - اخبار الاردن:
كانت تداعيات الانتهاكات الإسرائيلية، في باحات المسجد ألأقصى، ما تزال تتفاعل على الأرض، ونحن ندلف لمنزل رئيس مجلس الأعيان طاهر المصري، وكان ما يزال يستقبل ضيوفه عند الباب، وظل يناقشهم في الممر إلى مكتبه، حول أن أزمة الأقصى لم تغط عربيا وإسلاميا،ذهنه كان مشغولا في أسئلة تراجع الأقصى والقدس كأولوية، عربيا وإسلاميا!،وسط انشغال الأمتين بأحداث ربيعها، وفي تقسيمات مجتمعاتها.
الحوار مع أبو نشأت يأخذك إلى مجال محنك دبلوماسي يجيد قراءة زوايا الأحداث السياسية. ويبقى السؤال الملحّ عند المصري هو المتعلق بالمستقبل، وكيف سيكون شكل المنطقة.
المحبط عند رئيس الوزراء الأسبق وفقا لحوار اجرته معه الزميلة صحيفة الغد هو بقاء الأردن وحيدا، على جبهة الدفاع عن القضية الفلسطينية والقدس والمقدسات الإسلامية،وهو يبحث عن موقف عربي واحد لمناصرة جهود الأردن، لكن من دون جدوى.
لكن رئيس مجلس النواب الأسبق مقتنع بأن جهود جلالة الملك ستحفظ الحقوق، وستكشف زيف الادعاءات الإسرائيلية وتعنتها.
وهو يجد أن مشوار الإصلاحات في الأردن طويل، ويقول “علينا أن نقاوم عوامل الإحباط الكثيرة، ونؤمن بأننا في وطن اعترك مع الأزمات الكبيرة وخرج منها منتصرا.
لا يعلق المصري على مسيرة الإصلاحات منذ بدء موسم الربيع الأردني، بأكثر من أنها معقولة، ويؤكد المصري ضرورة تعظيم الإصلاح من خلال التوافق والحوار، وليس العناد والتعصب.
لا يخفي المصري قلقه من تأثيرات قوى الشد العكسي على الإصلاح، لكنه يؤكد أيضا أن هناك حقيقة صارت ثابتة على الأرض، وهي أن قوى الإصلاح ما تزال تعمل.
وينظر المصري إلى المرحلة الحالية، بنظرة الانتقالية، ويقول على مجلس النواب السابع عشر والحكومة، أي حكومة، أن يؤسسا لإصلاحات راسخة، من خلال تثبيت أركان العمل الديمقراطي.
لا يجد مبررا للاستعجال بتشكيل حكومة برلمانية، ويؤمن بتدرج وتطور عمل مؤسسة البرلمان، ويقول إن “عور الحياة البرلمانية والسياسية الحالية كشف ضرورة البحث عن قانون انتخاب يلبي طموح الشارع والملك”.
وفيما يلي نص الحوار:
• تداعيات اقتحام الأقصى ما تزال مستمرة، ومع ذلك فثمة صمت عربي، ولا يوجد أي حراك سياسي واحتجاجي سوى موقف جلالة الملك والحكومة ومجلس النواب؟- لم يكن رد الفعل العربي والإسلامي على هذا العدوان الإسرائيلي، المخطط له على "الحرم القدسي"، بحجم خطورة أهداف العدوان، وكان رد الفعل الأردني هو الأوضح والأقوى.إن مخطط إسرائيل والمؤسسات الدينية اليهودية لهدم الأقصى، وبناء الهيكل مكانه، معروفة ومُعلنة، وسارت خططهم في هذا المجال خطوات بعيدة، في التحضير لذلك اليوم. والاعتداء الأخير هو خطوة متقدمة لهم في تنفيذ ذلك المخطط.المؤسف أنه حتى لغة الشجب والاستنكار والإدانة غابت عن الدبلوماسيات والبرتوكولات العربية هذه المرة، ولا أجد أي مبرر لذلك سوى الاعتقاد أن بعض الدول مشغولة اليوم بشؤونها الداخلية، والبحث عن الاستقرار بعد الربيع العربي، ومن جهة أخرى الانشغال بالاصطفافات تجاه المسألة السورية.برأيي أن تطاول الإسرائيليين على القدس لم يأخذ صدى عربيا إسلاميا يليق بمقام القدس والأقصى، وما يمثلانه من موروث وعقيدة، وهذا الصمت مؤسف ومحزن.لكن، علينا أن نسأل عن التوقيت الإسرائيلي للقيام بهذه الاعتداءات، وهو التوقيت الذي يخدم وينسجم مع الخطط الإسرائيلية، بلا شك، والمصالح الإسرائيلية، وهم الذين طالما استطاعوا استثمار الفرص جيدا في سرقة الحقوق.باعتقادي أن ما قامت به إسرائيل هو رد على الاتفاقية الموقعة بيننا وبين السلطة الوطنية الفلسطينية، والتي أكدت على رعاية الهاشميين للقدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية هناك، وهي اتفاقية تقف كالشوكة في حلق الإسرائيليين، وتواجه كل سياساتهم الرامية لتهويد القدس.
• وهل كانت ردة فعل مجلس النواب، ومطالبته بطرد السفير الإسرائيلي وإلغاء معاهدة وادي عربة، كافية لمواجهة التطرف الإسرائيلي، والحد من سياساتهم أحادية الجانب؟
- رد فعل مجلس النواب جاء ردا مناسبا، وهو رد حقيقي، وأعاد تنبيه الإسرائيليين إلى أن المسجد الأقصى خط أحمر، ويجب أن لا يقترب منه الاحتلال.وعلينا أن ننتبه أيضا، إلى أن موقف مجلس النواب جاء في وقت تمارس فيه سياسات تهويد القدس على قدم وساق، ويجب أن نضع حدا لكل ذلك، ولعل تهديد مجلس النواب باستخدام كل صلاحياته الدستورية لحماية القدس والأقصى، سيترك صدى في الشارع العربي والإسلامي، ويحذره مبكرا من مغبة سياسات متطرفة لإسرائيل تمارسها بكل وضوح.
وإسرائيل لها تجربة في ذلك؛ وما الحرم الإبراهيمي الذي تحول إلى كنيس إسرائيلي، بعد أن تركوا للمسلمين أمتارا قليلة فقط إلا مثال، نستدل من خلاله على طريقة تفكيرهم. ونحن نعرف سلفا أهمية الأقصى عندهم وأطماعهم فيه، ونعلم بسيناريوهاتهم له، من المجسم والهيكل المزعوم ومحاولات الاقتحام المستمرة.ثم إن كل هذا يجري في وقت أعلنت فيه إسرائيل صراحة عن خططها لتهويد القدس بالكامل، ومصادرة حقوق العرب والفلسطينيين.
باعتقادي أن توقيت اقتحام الأقصى رسالة موجهة للأردن بالذات، وأن وصايتنا عليها، لن تعطلهم في السير بخططهم.
• إسرائيل تقوم بذلك، في وقت تسعى فيه لجنة وزارية عربية لإنعاش المبادرة العربية للسلام، وغيرت في مضمونها لصالح تقديم تنازلات جديدة للاحتلال؟
- دعنا نكون واضحين، لا يوجد أن حراك عربي مؤثر في دعم القضية الفلسطينية والقدس والأقصى، سوى ما يقوم به جلالة الملك.وأخيرا الحكومة والنواب والشعب الأردني قدموا أداء مميزا، للوقوف في وجه الإسرائيليين وسياساتهم. أما عن العالم العربي والإسلامي فهو ساكن لا يتحرك، ولا يدعم هذه القضية التاريخية والمصيرية.ولو أردت إعادة طرح سؤالك بالصيغة التالية: هل تؤثر السياسات الإسرائيلية على جهود السلام وحل عقدة الصراع العربي الإسرائيلي، لقلت لك: لا؛ فهناك قرار عربي رسمي في البحث عن الحل السلمي للقضية، ولا يوجد أحد يتحدث بغير ذلك.
• هل ما يزال هناك أمل بإحياء مفاوضات الحل النهائي؟
- هذا سؤال تغلفه أجواء ضبابية شديدة، لأن تسريع إجراءات مفاوضات السلام، والحل النهائي للقضية الفلسطينية، يصطدم بأفق سياسي مسدود.
• لكن هناك من يأمل بأن يكون أوباما في ولايته الثانية أكثر حزما مع إسرائيل، بالتحديد في موضوع السلام مع الفلسطينيين؟
اعتقادي أن هذا أمل مبالغ فيه، لأن إسرائيل تحتاج لـ"عين حمرا"، وليس عين أوباما، إسرائيل تفعل ما تشاء وقتما تشاء، وما حكاية أوباما وولايته الثانية إلا قشة أمل نتعلق بها.
لأن سقف مفاوضات السلام أميركيا لن يتجاوز السقف المسموح به إسرائيليا، وهو سقف ثابت، وعندي شكوك في أن يكون أوباما قادر على الضغط على الإسرائيليين.
لأن أساس التسوية المتفق عليها حتى مع أميركا هو قرار مجلس الأمن 242، ولم نعد نسمع بهذا القرار، ولا بما يعنيه، وتم الابتعاد عن أسس الحل، الذي يقوم على 242.
أما عن المبادرة العربية للسلام، فهي مبادرة احتوت على حلول وسط ونوايا طيبة، واعتبرت لدى أوساط عربية سياسية كثيرة "مبادرة الحد الأدنى"، والتي تضمن لإسرائيل أن تعيش ضمن أجواء طيبة، ومع ذلك لم يتم قبولها سابقا، وأخشى أن لا يتم قبولها حتى بعد تعديلاتها.
• إسرائيل ماذا تريد؟
- إسرائيل تستثمر في الوقت بشكل جيد، وتماطل في دفع حقوق الفلسطينيين، وكل ذلك تفعله بقصد وعن سابق تخطيط وتدبير.
فإسرائيل عندما تريد أن تجلس على طاولة المفاوضات، ستبدأ من الأمر الواقع، الذي خلقته على الأرض، وليس من الوضع السابق.
وطبعا إسرائيل تستغل الأحداث في العالم العربي، وهي تعمل وفق خطة مدروسة، فالعالم العربي مشتت، والجميع مشغولون بترتيب أوضاعهم الداخلية، بعد أحداث الربيع العربي، التي لم تنته بعد.
ولذلك، نرى إسرائيل تتعامل وفق سياسات أحادية الجانب وتصادر المزيد من حقوق الفلسطينيين، وتعتدي على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، وتتغول في ممارسات سياسات تهويدها للقدس. وطبعا هذا الواقع العربي يشجع إسرائيل لتطبيق سياسة الأمر الواقع، والذهاب بها نحو تحقيق معظم المصالح الإسرائيلية. وهي لا تواجه بأي ضغط، لذلك فهي تماطل منذ عقود من الزمن، وتستثمر الوقت بشكل كبير.
لكن، على إسرائيل أيضا أن لا تركن لهذه الرؤية المرحلية، فالمتغيرات العربية ما تزال فاعلة، وهذه المتغيرات التي لا نستطيع التنبؤ بمساراتها قد تقلب كل الموازين، لأن إسرائيل قد تجد نفسها محاصرة، فلا ندري إلى أين ستصل الأمور في سورية، وعلى جبهة الجولان، كما أن هناك جبهة مرشحة للاشتعال في أي وقت، وهي جبهة الجنوب اللبناني وحزب الله. ولدى إسرائيل عقدة أمنية، وهي جبهة غزة وحماس، وكل ذلك قد يشكل وضعا جديدا لإسرائيل، أي أنها قد تكون محاصرة بقوى قتالية، غير نظامية، من شمالها وجنوبها، وأيضا من الشرق (الجولان).
أمام كل ذلك، قد يكون على إسرائيل، بدل أن تصادر الحقوق الفلسطينية، أن تقدم أوراق حسن النوايا في موضوع السلام، والسعي إلى تحقيقه في أسرع وقت.
• لماذا لا يستثمر العرب في الوقت وفي تلك الجبهات؟
-هذا طرح بعيد عن الواقع نوعا ما. الواقع يقول إن هذه المتغيرات وغيرها من الظروف تعمل ضد إسرائيل، لكن لا يوجد أي من العرب من يستثمر في ذلك، أو من يسعى لتحقيق مصالح تخدم القضية الفلسطينية.
لأنه، وفي وقت ينشغل فيه الإسرائيليون بالبحث عن الاستثمار بكل الفرص وكل الأحداث، نجد العرب منقسمون على الهويات الفرعية، الطائفية والعرقية والمذهبية.
لكن، تظل خريطة الشرق الأوسط مليئة بالألغام والأحداث والمفاجآت، ولا نعرف أي منها سيغير وجه المنطقة.
• كيف تقرأ الربيع العربي، وهل أنت متفائل به، أم أن نتائجه أحبطت الآمال؟
-الربيع العربي عمل نبيل وعفوي وصادق، عبر فيه المواطن العربي عن إرادته في اسنحقاق حريته وحيويته، وهو ربيع حمل ثورة على حكام مستبدين، نهبوا ثروات شعوبهم.
والربيع فعل جيل الشباب، وهم من أحيوا لنا الأمل في التغيير. لكن المشكلة أن الشباب، الذين غيروا أنظمة حكم مستبدة، لم يكن لديهم برنامجهم للتغيير، فسادت الفوضى، وتم اختطاف إنجازاتهم.
لكن من يفتح باب التغيير، فلن يقبل أن يستقر الوضع مجددا على ما كان عليه، لذلك فإن التغيير سيكون في مصلحة الشعوب، مهما طال عمر الفوضى، على المدى القصير أو المتوسط.
لذلك، ما يحتاجه شباب الربيع العربي هو التنظيم، أو أن تحتضنهم جهات وطنية قادرة على التنظيم، وأن تستثمر في الطاقات الشبابية، وفي صناعة أحلام هذا الجيل، الذي منحنا الكثير في حراكه ووعيه.
قد يكون هناك التباس لدى هذا الجيل من الشباب غير المنظم، سياسيا وبرامجيا، وبين بعض المجموعات المحافظة، فنشأ التباعد في المصالح، لذلك نجد الفوضى تسيطر على المشهد العربي، في دول الربيع، لكن ما أزال متفائلا بعودة القوى الوطنية إلى رشدها، لتساهم في معالجة الاختلاف على السياسات العامة، وأن تعيد تقويم مسار هيكلية الدولة، وأن يحيوا الدولة الوطنية، التي ينصهر فيها الجميع، ويتوحدوا على قبلة مصالحهم الوطنية العليا.
مسار الربيع العربي لم ينته بعد، وأظن أن العثرات في مسيرته ما هي إلا دروس وعبر، يجب أن نستفيد منها جميعا، لأن من قام بالثورة على حكم المستبدين والأنظمة الشمولية والعسكرية يستطيع أن يثور على أي نظام ديمقراطي.
قد أكون متفائلا في هذا الطرح، لكن حقيقة هذا ما أتمناه. أنا لا أريد لمصر إلا أن تظل قوية، كما أتمنى لتونس أن تزدهر، وأن يزهر ربيع اليمن ديمقراطية وإصلاحا. وأن يكون لليبيا نصيب من التقدم والتطور، وأن تنتهي الأزمة السورية بانتقال سلمي للسلطة، يوقف نزيف الدم، ويحافظ على وحدة سورية ومؤسساتها وشعبها.
ونتمنى على الدول الأخرى أن تأخذ من الديمقراطية درسا، لأن الديمقراطية ليست سلاحا في وجه أحد، بل هي رافعة وطنية لإنعاش القطاعات الحيوية، وهي أيضا طريقة حضارية لمشاركة الشعوب في تحديد خياراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وباستخدام الديمقراطية لن يكون هناك أحد غاضبا، لأن صناديق الاقتراع واحترام رأي الأغلبية هما ما ينهيان أي جدل أو احتقان أو غضب.
• وكيف تجد مسار الربيع العربي في الأردن، وحركة تنفيذ الإصلاحات عندنا؟
- نحن لنا وضعنا الخاص؛ وقد كنا حالة استثنائية في دول الربيع العربي.
فحراكنا كان مسؤولا، واستجابة النظام لها كان ديناميكية. صحيح أن هناك عثرات، لكن انظر إلى المراحل المقطوعة، فأجد أن هناك إنجازا معقولا.
ولو سألتني عن العثرات، لقلت لك: إن الاجراءات والقرارات الإصلاحية كان ينقصها التناسق والتناغم والانسجام، وهو ما أضاع بعض أهميتها.
كان رأيي، وما يزال، أن التعديلات الدستورية هي خطوة تاريخية، وهي خطوة مهمة للغاية، لكن واجب علينا استكمال هذا المسار، بالفهم الحقيقي للموضوع الإصلاحي والدستوري؛ فحتى الحرية لها تعريفاتها الديمقراطية، ولذلك يجب وضع الأمور في قواعدها الصحيحة، ويجب الالتزام بمسار الإصلاح الدستوري، كمرجعية لأداء المؤسسات والأفراد.
وإن سألتني ما هو الهدف من الإصلاح؟ لقلت لك: إن أهم أهداف الإصلاح هو تثبيت وتغذية مفهوم الدولة وقوتها، وبالتالي يجب أن يكون الأداء مؤسسيا، وهو غير مطبق اليوم للأسف.
لكن الخطير في الأمر، والذي يجب أن ننتبه إليه جميعا، هو حالة التشرذم والتشظي في المجتمع، وهي حالة يجب أن نعالجها بشكل جذري وعميق.
وقد يخفف البعض من كارثية هذه الحالة، بالقول: إنها مرحلة انتقالية، ولهذه المرحلة سلبياتها، لكن برأيي، أننا لسنا في مرحلة انتقالية، ننتقل فيها من حالة إلى حالة، بل نحن نسير وفق مسيرة إصلاحية، لها محطاتها، ونحن ننتقل بين هذه المحطات ونحقق إنجازات.
لعل القلق الحقيقي من حالة التشرذم والتشظي مرده حالة العنف المجتمعي، وتداعياتها الخطيرة، فما الذي يحدث في الجامعات؟! ولماذا هذا التقسيم؟ ولماذا وصلنا إلى هذا الوضع الاقتصادي، الذي يغذي العنف؟ ولماذا وصلنا لهذا المستوى الاجتماعي المفكك؟! فكل هذه الأمور يجب أن تدرس بشكل خاص، ويجب أن نخرج منها بحلول عملية، تعالج هذه المشاكل، التي تتسبب بها الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
• وكيف لنا أن نضع نقطة البداية لحل مشكلة التشظي والتشرذم؟
- الحل لن يأتي من رأي أو وجهة نظر، الأمر يجب أن يخضع لنقاش منهجي، نستخلص منه الأفكار والمبادرات، وهذا النقاش يجب أن يكون بحضور أصحاب القرار، من أجل اتخاذ القرار السريع والعاجل. نحن اليوم بأمسّ الحاجة لتطبيق القانون على الجميع، وبروح حماية الدولة من أي مشهد فوضى، وعلينا أن نوقف حالا، ومن خلال إجراءات صارمة، تلك الفسيفساء التي بدأت تظهر في مجتمعنا، الذي كان يضرب فيه المثل، من حيث تجانسه وتماسكه.
لذلك على من يطبق القانون أن يكون حاسما وعادلا، فلا أحد فوق القانون، لأن الدولة فوق الجميع.
• ما رأيك بمخرجات قانون الانتخاب؛ ثم كيف تجد أداء المجلس السابع عشر؟
- كان سهلا من لحظة إقرار القانون التنبؤ بمخرجاته، فنحن ما نزال نعيش مشكلة الصوت الواحد.
لكن ثمة معيارا مهما، أتمنى أن لا يغفل عن ذكره أحد، وهو أن القانون، مهما كان العور الذي فيه، فإنه إذا ما جاءت تطبيقاته بنزاهة، فإن مخرجاته لا بد أن تأتي بما هو خير وجيد.
هنا، لا أحكم عبر التعميم، لكن ثمة عناصر جيدة وكفؤة، وننتظر منها أداء تشريعيا ورقابيا جيدا، كما أن هناك إفرازات واضحة للصوت الواحد وإشكالاته.
نحن ضيعنا الفرصة في إنتاج قانون انتخاب توافقي، ينقلنا إلى مرحلة متقدمة ديمقراطيا، ويعكس مفهوم الإصلاح البرلماني على أساس متدرج، وقد يكون من أول مهام هذا المجلس هو إقرار قانون انتخاب آخر؛ يكون عنوانه الأول إلغاء الصوت الواحد.
• هل تتحدث عن مقترح لجنة الحوار الوطني لمشروع قانون الانتخاب؟
- لا أقول عن لجنة الحوار إنها أنتجت قانونا، بل أقول إن توافق 52 شخصا، يمثلون ألوانا ومشارب سياسية متناقضة ومتباينة، توافقوا على قانون، ووضعوا له إطارا واضحا.
فالقانون الذي تقدمت به لجنة الحوار الوطني كان مشروعا متكاملا، وليس كمشروع لجنة الأجندة الوطنية، الذي وضع أفكارا فقط.
نحن في لجنة الحوار سعينا لوضع قانون يحقق أهداف الإصلاح، ويخدم المرحلة التي نعيش، فكان ما تقدمنا به يخدم فكرة التوافق على المشاركة في ظل تطبيق هذا المقترح.
لست بصدد التحدث عن لجنة الحوار ومشروعها المقترح، لكننا بحاجة اليوم إلى أن نعرف ما نحتاج من حياة ديمقراطية وبرلمانية، وبناء على ذلك، نختار القانون الذي يحقق أهدافنا.
لأن عور الحياة البرلمانية والسياسية الحالية كشف ضرورة البحث عن قانون انتخاب يلبي طموح الشارع والملك.
• هل بذلك تتعطل فكرة تشكيل الحكومة البرلمانية؟
- قد يكون من المبكر، وأمام تركيبة البرلمان الحالي، أن نتحدث عن تشكيل حكومة برلمانية، بالمفهوم الديمقراطي.
وهنا دعني أذكركم، بأن حقبة التسعينيات كانت فيها حكوماتنا برلمانية، فحكومتي وحكومات المرحوم الأمير زيد بن شاكر والدكتور عبدالسلام المجالي وعبدالكريم الكباريتي، كلها حكومات برلمانية.
لكن هل هذا ما نحتاجه من حكومة؟ لقد كشفت التجربة أن هناك مشكلة في الجمع بين النيابة والوزارة، خصوصا في ظل غياب فكرة المحاسبة على البرنامج، فإما نكافئ من أحسن بإعادة انتخابه، وإما أن نعاقب من أخطأ بعدم انتخابه.
ما نحن بحاجة حقيقية إليه هو للحكومة الحزبية، ولا أريد أن اسميها برلمانية، فالحزب أو مجموعة الأحزاب المؤتلفة، والتي تشكل الأغلبية النيابية، هي من عليها أن تشكل الحكومة، ويجب محاسبتها.
في الأثناء، فإن الأحزاب خارج الحكومة هي صاحبة الولاية الرقابية عليها، ويجب أن تكون المعارضة برامجية، وليست مزاجية أو شخصية.
• لكن الأحزاب خارج سياق الزمن، وبالكاد حزب جبهة العمل الإسلامي من يقدر على المنافسة؟
- إذن، علينا أن نعدل التشريعات، بما يتلاءم وأهدافنا في الإصلاح البرلماني.
ويجب علينا أن نضع جملة محفزات للعمل الحزبي، وعلينا أن نذلل العقبات أمام إنشاء أحزاب وطنية برامجية، قادرة على إقناع الناس، ومخاطبة همومهم، ثم تمثيلهم في البرلمان.
ولا أقول إننا نستطيع عمل هذا في يوم وليلة، لكن التدرج في كل شيء سيطور التجربة، وينمي أذهان الناس، ويكسر حاجز الرهبة لديهم من الانتماء الحزبي.
وحتى نصل لهذه المرحلة المتقدمة، فقد يكون علينا؛ مثلا، أن نبدأ بتشكيل الحكومات المختلطة، المكونة من الحزبيين والتكنوقراط والسياسيين، عندها سنكون حفزنا الأحزاب، وتركنا أمامها مساحة تجربة وخبرة، تراكم منها فرصا، تهيئ لها المنافسة على مقاعد البرلمان، وبالتالي التأسيس لحياة نيابية سياسية حزبية.
• لكن الأمر يحتاج إلى زمن ليس قصيرا؟
- دعنا نبدأ، ولا تستعجلوا على شيء. الناس تحتاج إلى أمل، يحجم مساحة الإحباط. وأي حراك سياسي فاعل وجاد، قد ينعش الآمال، وقد نكسب فيه جولة من جولات استعادة ثقة المواطنين.
ومتطلبات الإصلاح السياسي تحتاج إلى فترة، وتحتاج إلى تجربة. لن تنشأ الأحزاب غدا، ولن تخوض الانتخابات بعد غد، ولن تكون عندنا حكومة حزبية في اليوم الذي يلي ذلك.
لكن، إذا بدأنا، وإذا استعدنا ثقة المواطن بجدية الإرادة السياسية، فعندها سنتطور شيئا فشيئا، وبشكل متدرج، يجذر مراحل التحول الديمقراطي، ولا يحرقها.
وجلالة الملك يبذل جهدا مضاعفا في هذا السياق، لكن أتمنى أن لا تزيد علينا التحديات الإقليمية، وأتمنى أن لا تضيع منا فرصة الإصلاح الشامل نتيجة ذلك، أو جراء جهود قوى الشد العكسي.
• وهل تعتقد أن مجلس النواب الحالي قادر على التأسيس لذلك؟
- المجلس أمام مسؤوليات تاريخية. وعلى مجلس النواب والحكومة، أي حكومة، أن يؤسسا لإصلاحات راسخة، من خلال تثبيت أركان العمل الديمقراطي.
وعليهما مسؤولية النهوض بالحياة الحزبية والسياسية، وعليهما؛ وهذا الأهم، قيادة حوار وطني حقيقي حول قانون الانتخاب والأحزاب، وأن يصلا إلى معادلة تقارب بين التطورين في هذين القانونين. بغير ذلك أخشى أن نظل ندور في حلقة مفرغة.
• وأنت تتحدث عن التحديات؛ قد تكون الأزمة السورية واحدة منها، ما رأيك بموقفنا من الأزمة، وكيف تقرأ خريطة المواقف العربية؟
- ما يزال الموقف السياسي والدبلوماسي الأردني متقدما على المواقف المطروحة لحل الأزمة السورية، وقد ثبت فعلا أن موقفنا كان موقفا حكيما. وموقفا متقدما على الأجندات العربية والدولية تجاه سورية والمصالح فيها.
لكن، لا أجد موقفا دوليا أو عربيا يتبنى موقفنا ويناضل من أجله، وهذا الفرق بين مواقفنا القومية النظيفة ومواقف غيرنا، التي تحركها المصالح، والمصالح فقط.
المشهد السوري ملتبس، ومداه مفتوح، والضبابية ما إن تتلاشى من محطة، حتى وتعود لتغلف أجواء بقية المراحل.
في الأزمة السورية أبعاد دولية، يجب أن نفككها، وأهمية ذلك تنبع من أن مستقبل المنطقة السياسي يعتمد على ماذا سيحدث في سورية.
لكن إذا نظرت إلى الخريطة السياسية، من زواياها الكاملة، تجد حركة غريبة، ثم لعبا روسيا بدور كوريا الشمالية، وثمة هدوء على جبهات متوترة مثل تركيا مع إسرائيل، وحتى مع الأكراد، فهناك تطورات دراماتيكية.
وإذا نظرنا للصورة كاملة، فإن المسار الروسي الصيني الإيراني وحزب الله في لبنان يأتي مقابل أميركا وتركيا وقطر والسعودية، وهذان الطرفان يتصارعان على سورية، وهذه الدول لها مقامها في الإقليم وخارجه.
لكن يبقى العامل الأهم، هو أن النظام السوري ما يزال قادرا على الصمود، وأن جيشه ما يزال فاعلا، ولم ينهر.
من هنا تبرز أهمية الدعوة الأردنية، للبحث عن حل سياسي وسلمي وسريع للأزمة السورية، لأن أي خيار آخر سيجلب الدمار والفوضى للمنطقة.
من لاحظ حركة جلالة الملك الدبلوماسية، بين روسيا والولايات المتحدة، يرى أنها أثمرت عن لقاء بين القطبين ورعايتهما لحوار سوري سوري، قد يمهد لفكفكة خيوط الأزمة هناك.
وعلينا أن ننتبه أيضا، إلى أن أي اتفاق يجب أن يحفظ هيكيلة الدولة السورية، ويحفظ مصالح روسيا وأميركا والغرب.
لكن على الجميع أن ينتبه أيضا، إلى أن كل ما يجري في المنطقة لا يعني أن الأميركان والإسرائيليين غافلون عن الملف النووي الإيراني.
وأستطيع القول، إن الأولوية ما تزال للسلاح النووي الإيراني، وباعتقادي أن زيارة أوباما الأخيرة للمنطقة، كانت أجندتها مقسمة بالتساوي بين مستقبل امتلاك إيران للسلاح النووي، ومستقبل حل القضية الفلسطينية.