خبير الطاقة هاشم عقل: مدينة عمرة الجديدة: أول مدينة أردنية تعمل 100% بالطاقة المتجددة

خبير الطاقة هاشم عقل: مدينة عمرة الجديدة: أول مدينة أردنية تعمل 100% بالطاقة المتجددة

جراءة نيوز - الخبير في شؤون الطاقة يكتب ..

في لحظة تاريخية، أعلن رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان من موقع المشروع شرقي العاصمة عمان عن الإطلاق الرسمي لـ«مدينة عمرة الجديدة»، أكبر مشروع حضري في تاريخ المملكة الأردنية الهاشمية، وأول مدينة في المنطقة العربية تُصمَّم من اليوم الأول لتعمل اعتماداً كلياً على الطاقة النظيفة دون أي استخدام للوقود الأحفوري.

«هذه ليست مجرد مدينة جديدة، بل هي رؤية وطنية لمستقبل الأردن في عام 2050»، قال رئيس الوزراء أمام حشد من الوزراء والمستثمرين والمهندسين، مضيفاً: «سنبني هنا مدينة خضراء بالكامل، لا دخان فيها ولا فواتير كهرباء ثقيلة، وستكون نموذجاً يُحتذى به في الشرق الأوسط».

موقع عملاق وطموح عملاق

تمتد مدينة عمرة على مساحة 500 ألف دونم (نحو 50 كيلومتراً مربعاً) في السهل الشرقي بين عمان والزرقاء، على طريق بغداد الدولي، وبالقرب من مطار الملكة علياء الدولي. المرحلة الأولى، التي ستبدأ مطلع 2026، تشمل 40 ألف دونم وستستوعب خلال عشر سنوات نحو 350 ألف نسمة، فيما يصل الإجمالي المتوقع عند اكتمال المشروع عام 2050 إلى مليون ونصف المليون مواطن ومقيم.

لكن الرقم الأكثر إثارة هو رقم «صفر». صفر انبعاثات كربونية من إنتاج الكهرباء، صفر محطات ديزل، صفر غاز طبيعي للتدفئة أو التبريد داخل حدود المدينة. وفي هذا السياق، يأتي الإشادة الدولية لمثل هذه المبادرات، حيث يؤكد فرانشيسكو لا كاميرا، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (IRENA)، أن «المدن هي محركات النمو الاقتصادي الحديث، تدعم الازدهار والفرص، وهي أيضاً مصدر للطلبات الطاقوية الكبيرة والانبعاثات الكربونية». ويضيف لا كاميرا: «في سعيها لأهداف المناخ والتنمية المستدامة، يمكن للحكومات المحلية تعزيز الإطارات السياسية التي تساعد المدن على الانتقال إلى استخدام الطاقة المتجددة».

كيف ستعمل المدينة 100% بالطاقة المتجددة؟

كشفت وثائق المشروع عن خطة متكاملة تجمع بين أحدث التقنيات العالمية والخبرة الأردنية المتراكمة في قطاع الطاقة المتجددة منذ 2012. وفقاً لتقرير IRENA بعنوان "الطاقة المتجددة في المدن”، فإن الانتقال إلى الطاقة المتجددة يمتد عبر المناظر الطاقوية الحضرية بأكملها، من المباني إلى النقل، إلى الصناعة والطاقة، ويمكن للطاقة المتجددة أن تجلب فوائد هائلة للمدن، بما في ذلك هواء أنظف، وخدمات حديثة، ومساحات معيشية محسنة.

1. مزارع شمسية عملاقة داخل المدينة وفي محيطها

سيتم تخصيص 12 ألف دونم لمحطات شمسية مركزية بقدرة إجمالية 800 ميغاواط، بالإضافة إلى تركيب ألواح فوتوفولطية على أسطح كل مبنى سكني وتجاري وصناعي.

الدراسات تشير إلى أن إشعاع الشمس في موقع عمرة يصل إلى 2,300 كيلوواط ساعة للمتر المربع سنوياً، أي من أعلى المعدلات في العالم. ويعلق ريتشارد برانسون، رجل الأعمال البريطاني ومؤسس مجموعة فيرجين، قائلاً: «لقد كنت شغوفاً جداً بالطاقة المتجددة لسنوات عديدة، خاصة الطاقة الشمسية وقدرتها على جلب طاقة نظيفة ومستدامة وفيرة لملايين حول العالم».

2. توربينات رياح متطورة

ستُنصب 120 توربينة رياح بارتفاع 150 متراً في المناطق المكشوفة شرقاً، بقدرة إجمالية 400 ميغاواط، مستفيدة من الرياح الشرقية القوية التي تهب معظم أيام السنة. وفي تقرير للأمم المتحدة حول الطاقة الحضرية المستدامة، يُؤكد الخبراء أن تنفيذ استراتيجيات الطاقة المتجددة في بيئات المدن أصبح «أمراً طاقوياً ملحاً».

«هذا سعر تنافسي هائل»، اشارة إلى انخفاض تكلفة الكهرباء من المتجددات في الشرق الأوسط إلى سنت واحد أمريكي لكل كيلوواط ساعة.

3. أكبر منظومة تخزين طاقة في المنطقة

لضمان استمرارية التيار ليلاً أو في الأيام الغائمة، ستُبنى محطة تخزين بطاريات ليثيوم-أيون بقدرة 600 ميغاواط/4,200 ميغاواط ساعة، بالإضافة إلى مشروع تجريبي لإنتاج الهيدروجين الأخضر بقدرة 50 ميغاواط لتخزين الطاقة طويل الأمد. ويتبرز تقارير تقول أن المدن مسؤولة عن أكثر من نصف جميع انبعاثات الغازات الدفيئة، مما يجعل مثل هذه التقنيات أساسية للانتقال الطاقوي.

4. شبكة ذكية ومبانٍ صفرية الطاقة

كل مبنى في عمرة سيُصمم وفق معيار LEED البلاتيني أو أعلى، مع عزل حراري فائق، نوافذ ثلاثية الطبقات، أنظمة تبريد حرارية أرضية، وإضاءة LED موفرة ،التقديرات تشير إلى أن استهلاك المبنى الواحد لن يتجاوز 35 كيلوواط ساعة للمتر المربع سنوياً، أي أقل من ربع الاستهلاك في عمان حالياً. وبينما تغير المناخ يهدد بيئتنا من جهة، ونضوب الوقود الأحفوري يهدد نظامنا الاقتصادي من الجهة الأخرى، فإن الطاقة الشمسية تحمل وعد حماية كليهما.

5. نقل كهربائي بالكامل

لن يُسمح بدخول سيارة تعمل بالبنزين أو الديزل إلى داخل المدينة بعد عام 2035. ستُغطى الشوارع بمحطات شحن سريعة، وسيعتمد النقل العام على حافلات وقطار خفيف كهربائي بالكامل. وهنا اؤكد ان المستقبل هو الطاقة الخضراء، الاستدامة، الطاقة المتجددة.

من أين سيأتي التمويل؟

تُقدر تكلفة المشروع الكلية بنحو 35 مليار دينار أردني على مدى 25 عاماً، لكن الحكومة لن تتحمل أكثر من 12% منها. الباقي سيأتي من:

• بيع الأراضي للمستثمرين (الأسعار تبدأ ستعلن عن كل متر للاستعمال التجاري والسكني)

• شراكات مع القطاع الخاص الأردني والخليجي والأوروبي

• قروض ميسرة من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية والبنك الدولي

• صندوق الطاقة المتجددة والكفاءة الطاقية (JREEEF)

ومن المؤكد أن المنطقة تمتلك خطط طموحة للاستثمار في الطاقة المتجددة، مدفوعة بحاجة تلبية الطلب المتزايد على الطاقة، وتعزيز النمو الاقتصادي، وتحقيق أهداف خفض الكربون.

صوت من داخل المشروع

نحن لا نبني مدينة فقط، بل نصنع اقتصاداً جديداً. كل دينار نستثمره في الطاقة المتجددة سيوفر للمواطن ثلاثة دنانير على مدى عشرين عاماً.

المواطن في عمرة لن يدفع فاتورة كهرباء تتجاوز 15 ديناراً شهرياً مهما كان استهلاكه، لأن الشمس والرياح ستدفع عنه».

وفي سياق دولي، يُؤكد خبراء الأمم المتحدة في تقرير عن الطاقة الحضرية المستدامة أن «استخدام الطاقة المتجددة هو المفتاح لتطوير المدن المستدامة»، مشددين على أن المدن ستستوعب 6 مليارات نسمة بحلول 2050، مما يتطلب ابتكارات في قطاع الطاقة لمواجهة أزمة الطاقة العالمية وتهديد تغير المناخ.

رسالة إلى المنطقة

في وقت تعاني فيه معظم الدول العربية من ارتفاع أسعار الطاقة وتذبذب الإمدادات، يضع الأردن – الذي لا يملك قطرة نفط – نفسه في صدارة التحول الأخضر.

مدينة عمرة ليست مجرد مشروع عقاري، بل إعلان بأن الاستدامة ليست رفاهية، بل ضرورة اقتصادية وبيئية وأمنية.

الشرق الأوسط يشهد انتقالاً سريعاً نحو المتجددات، مع خطط طموحة للاستثمار والتنويع لمصادر الطاقة .

عندما تُضاء أول وحدة سكنية في عمرة بالطاقة الشمسية عام 2028، سيكون الأردن قد كتب صفحة جديدة في تاريخ المدن العربية: مدينة تولد من الصحراء، وتعيش على الشمس والريح، ولا تلوث هواء أطفالها أبداً.

«يجب أن نقرر أننا نريد العيش في عالم عاقل وسعيد وصحي، وأن الجميع يستحق ذلك».

المستقبل الأخضر لم يعد وعداً حكوميا او انتخابياً، بل أصبح عنوان مدينة كاملة اسمها «عمرة».