- تعيينات متتالية يعلنها الرئيس المنتخب دونالد ترمب في إدارته، وتثير كثيرا من الصدمة، لكن أكثرها صعوبة على الإطلاق "قائد البنتاغون".
ففي غضون دقائق من إعلان ترامب عن اختياره مقدم البرامج في قناة "فوكس نيوز"، والمحارب القديم في الجيش بيت هيغسيث وزيرًا للدفاع، بدأ كبار القادة العسكريين الحاليين والسابقين في إرسال رسائل واتصالات هاتفية غاضبة، وفق شبكة "سي إن إن" الأمريكية.
أحد هؤلاء المسؤولين عبّر عن ذلك، بوصفه الأمر بأنه ”سخيف". واعتبره آخر ”كابوسا لعينا".
ولم يكن هؤلاء من الحزبيين، بل كانوا من كبار القادة العسكريين الذين خدموا في عهد الرئيسين ترمب وجو بايدن.
ولفتت "سي إن إن"، إلى أن انتقادات القادة لم تكن "شخصية"، بل لم يكن لدى أي منهم أي شيء سلبي يقوله عن هيغسيث.
بيد أن القلق الرئيسي هو أن القادة يرون أن ترمب، من خلال هذا التعيين وغيره من التعيينات العليا في مجال الأمن القومي، يبني فريقًا لوضع تغييرات هائلة ودائمة في السياسة الخارجية الأمريكية موضع التنفيذ.
وعن هيغسيث، قال جنرال متقاعد برتبة أربعة نجوم لـ"سي إن إن": ”لا توجد لديه خبرة جدية في مجال إدارة البنتاغون أو عمليات موظفي الأمن القومي، لكنني أحاول الاحتفاظ بعقل منفتح وآمل أن الأفكار الجديدة يمكن أن تحسن الأمور التي أصبحت قديمة جداً".
وتابع ”ومع ذلك، من الواضح أن القاسم المشترك هو الولاء، وفي حين أن بعض الولاء ضروري، إلا أن الولاء التام أمر خطير. وبالنظر إلى جميع الإعلانات التي صدرت حتى الآن، قد ينتهي بنا المطاف بعقل واحد يتحكم في العديد من الأيدي. وأنا لا أعتقد أبدًا أن العقل الواحد، أي عقل، قادر على الإنجاز كما يفعل تنوع الفكر".
"نقطة تحول" ووفق الشبكة الأمريكية، قد يكون لسباق عام 2024، على عكس الانتخابات السابقة، تأثير هائل ليس فقط على السياسة الخارجية الأمريكية بل على دور الولايات الممتحدة في العالم.
إذ أعرب ترمب مرارًا وتكرارًا عن استعداده لتنفيذ أجندته ”أمريكا أولًا"، وإنهاء التشابكات الأمريكية في الخارج وتقليص أو تغيير العلاقات التعاهدية التي يرى أنها تنحرف ضد المصالح الأمريكية، وكل ذلك يمثل خروجًا عما كان يمثله الحزبان في السابق.
في هذا السياق، لطالما كان هيغسيث من موقعه في قناة "فوكس نيوز"، مؤيدًا علنيًا وصريحًا لأجندة ترامب ”أمريكا أولًا".
كما أظهر ترامب نظرة تقوم على التفاعل والبرغماتية لعلاقات الولايات المتحدة في الخارج، وهي نظرة غالبًا ما تفشل في التفريق على أساس القيم أو التاريخ المشترك. بل أعلن مرارًا وتكرارًا أنه لا يرى الولايات المتحدة أفضل أو أسوأ من خصومها.
بهذه النظرة إلى علاقات أمريكا مع الحلفاء والخصوم على حد سواء، يبدو أن ترامب يعتقد أنه كرئيس سيكون قادرًا على عقد اتفاقيات مفيدة للولايات المتحدة مع روسيا أو الصين مثلهما مثل حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا وآسيا. وفق سي إن إن.
وفي هذا الصدد، قالت الشبكة الأمريكية: "من المؤكد أن المفاوضات مع موسكو أو بكين أفضل من حرب بين القوى العظمى، لكن هذه المقاربة تتجاهل أن هؤلاء الخصوم يرون أن من مصالحهم الاستراتيجية إضعاف الولايات المتحدة والنظام العالمي الذي تقوده".
ماذا يعني ذلك بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية على المدى القريب؟
نقلت الشبكة عن كبار مستشاري ترامب السابقين، أن ترمب سيوقف المساعدات لأوكرانيا في ظل هذه النظرة الراسخة للعالم.
بل إن مستشار الأمن القومي السابق لترامب، جون بولتون، قال بوضوح: ”لو كنت مكان أوكرانيا، لكنت قلقًا للغاية"، مضيفا ”لأنه إذا كان كل شيء عبارة عن صفقة، فما قيمة 10% من الأراضي الأوكرانية إذا كانت ستجلب السلام"، وفق ما نقلته "سي إن إن".
المستشارون السابقون حذروا أيضا، أن تايوان يجب أن تكون قلقة بالمثل.
ففي حين تعهد بايدن علنًا عدة مرات بالدفاع عن تايوان عسكريًا ضد هجوم مستقبلي منهياً بذلك سياسة الغموض الاستراتيجي الأمريكية القائمة منذ عقود تجاه الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي - لم يؤكد المستشارون السابقون أن الملياردير سيفعل ذلك.
الناتو وكوريا وبالمثل، فإن معاهدات الدفاع الأمريكية مطروحة على الطاولة. وقال العديد من مستشاريه إن ترمب قد يحاول الخروج من حلف شمال الأطلسي (كما شهدوا محاولته القيام بذلك لفترة وجيزة في ولايته الأولى) أو، إذا أحبطه تشريع جديد أقره الكونغرس يجعل مثل هذا الانسحاب الأحادي الجانب أكثر صعوبة.
الأكثر من ذلك، هناك مخاوف من أنه، بصفته القائد الأعلى، "لن يلتزم بالمادة الخامسة من معاهدة الناتو التي تلزم الأعضاء بالدفاع عن الأعضاء الآخرين عسكرياً".
وفي فبراير/شباط الماضي، ردد ترمب عبارته الشهيرة بأن روسيا يمكنها ”أن تفعل ما تشاء" بدول الناتو التي لا تدفع ما عليها من التزامات.
وللتدليل على ذلك، قال بولتون قبل الانتخابات: ”أعتقد أن الناتو سيكون في خطر حقيقي".
ويثير ذلك تساؤلات حول التزام ترمب بالتحالفات الأخرى حول العالم، بما في ذلك تلك الموجودة في آسيا مع كوريا الجنوبية واليابان.
وخلال فترة ولايته الأولى، علّق ترمب التدريبات العسكرية واسعة النطاق مع كوريا الجنوبية كبادرة إلى زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون، وهي مناورات حربية تعتبرها سول ضرورية لاستعدادها العسكري.
كما وضع الرئيس المنتخب 10 مليارات دولار، ثمنا لاستمرار الانتشار الأمريكي في شبه الجزيرة الكورية
سباق نووي
إثر التطورات السابقة، يتحدث قادة عسكريون ودبلوماسيون في أوروبا وآسيا، عن مخاوف من نتيجة ثانوية خطيرة بشكل خاص لانسحاب ترمب المحتمل من التزامات الولايات المتحدة في الخارج.
فخوفاً على أمنها، قد تقرر دول في آسيا وأوروبا تطوير أسلحة نووية لتحل محل أمن المظلة النووية الأمريكية، وفق "سي إن إن".
ومن شأن مثل هذه الخطوة أن تدفع خصوم الولايات المتحدة روسيا والصين (وكوريا الشمالية، وربما إيران إذا ما أرادت صنع قنبلة نووية) إلى توسيع ترساناتها الخاصة للحفاظ على قوة الردع.
وتفعل دول أخرى في كل منطقة الشيء نفسه بشكل معقول. وبالتالي، فإن ترمب، الذي كثيراً ما أعرب عن خوفه العميق من الحرب النووية، قد يشعل عن غير قصد سباق تسلح نووي جديد.