. منذر حوارات (خبير سياسي)
في لحظة بدا أن كل شيء قد انتهى وأن لحظة انتهاء حكمه قد أزفت، هذا ما توقعه الجميع بعد الحدث الهائل الذي حلّ بإسرائيل بعد طوفان الأقصى الذي كسر الكثير من التابوهات الإسرائيلية، لكن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو رفض الاعتراف بهذا التقليد الذي يتطلب الإقرار بالمسؤولية ومغادرة الحكم.
لقد رفض نتنياهو الإقرار بمسؤوليته عما حدث، بالرغم من أن الجميع قد تحلوا بمقدارهم من تلك المسؤولية بدءًا من قادة الجيش والاستخبارات والمسؤولين السياسيين إلا هو. فحبال تمسكه بالسلطة بدت أصلب وأكثر قسوة بكثير من أن يقطعها حدث مثل هذا، فلم يأبه بعشرات استطلاعات الرأي التي تحمله المسؤولية وتؤكد أنه عليه أن يغادر فورًا هو وائتلافه وكل علائق فساده.
نتنياهو شخصية مستقطبة ومثيرة للجدل وقد أثرت فترة ولايته بشكل كبير في تشكيل المشهد السياسي الإسرائيلي الداخلي والخارجي. لقد قسم الحالة السياسية الإسرائيلية إلى طرفين أساسيين: الأول أنصار نتنياهو والثاني أعداء نتنياهو.
وقد حاول هؤلاء بكل الوسائل إنهاء فترة حكمه إلا أنهم لم يفلحوا حتى الآن. لقد استغلوا في البداية الإصلاحات القضائية وبعدها طوفان الأقصى ومن ثم أزمة الرهائن والفشل في إبرام صفقة لإطلاق سراحهم والاحتجاجات التي لا تنتهي حول ذلك يرافقها احتجاجات على إدارة الحرب والكيفية التي سيكون عليها اليوم التالي وأخيرًا قانون تجنيد الحريديم.
لا يمكن تخيل زعيم تخرج ضده من أربع إلى خمس مظاهرات يوميًا جزءًا منها أنصاره في التحالف الحكومي، ومع ذلك يصرّ على البقاء والاستمرار في إدارة الحكومة وعدم الدعوة لانتخابات مبكرة لأنه على يقين أنها ليست لحظته وأن عليه القفز فوقها والعبور عنها بأي ثمن دون تقديم أي تنازل سياسي مهما صغر لا لأعدائه ولا لحلفائه، مما يؤكد أننا أمام سياسي لديه مقياس ورؤية للمستقبل مختلفتين عما يعتقد خصومه.
وبفضل ترعرعه ودراسته في الولايات المتحدة تمكن خلال تواجده هناك من ليّ عنق الحقيقة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. فقد تمكن من ترويج مقولته الراسخة (بأن العرب لا يريدون تقرير المصير للفلسطينيين فقد كان لديهم الوقت الكافي لذلك ولم يفعلوا، بل إن جلّ ما يريدونه هو القضاء على إسرائيل) كانت هذه الكلمات هي نقطة السرّ في قوته، وهي التي مكنته من دخول السياسة من بوابة العبور الأمريكية وهذا أيضًا مصدر آخر للقوة.
ميزاته الخطابية بالذات باللغة الإنجليزية كانت سببًا آخر، كل تلك أعطته عناصر قوة إضافة إلى فهمه لطبيعة النظام السياسي الإسرائيلي وميله المتزايد نحو اليمين المتطرف بذات أنصار الحاخام أبراهام كوك وتياره الذي بات يساهم بشكل كبير في تشكيل المشهد السياسي في إسرائيل، لذلك كان دوماً يسعى إلى استثمار هذا التيار لمصلحته مع تأكده أن لا يقوى أكثر من اللازم.
تقود كل تلك المعطيات إلى تساؤل جوهري حول مستقبل هذا الرجل الذي تلاحقه قضايا فساد داخلية، وإخفاق كبير في الحفاظ على أمن واستقرار إسرائيل وتوكل إليه تهمة الفشل في إضعاف أعداء إسرائيل وأولهم حماس وحزب الله، ومؤخرًا أصبح على لائحة المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية ستلاحقه عما قريب.
فإذا تمكن من ذلك ففرص بقائه في السلطة لا تبدو قليلة. العنصر الثاني هو الرأي العام وهذا يعتمد بشكل كبير على النتائج النهائية للحرب على غزة فأي انتصار يحققه هناك سيصب في صالحه لذلك نجده يصر على الاستمرار في الحرب للحصول على نتائج يمكن أن يروجها على أنها نصر ساحق. ثالثاً تأثير القضايا القانونية التي تلاحقه على مستقبله السياسي وأضيف إليها ملاحقة محكمة الجنايات الدولية له، هذه ستلعب دوراً حاسماً. خامساً العلاقات الدولية وتلك تعتمد بالدرجة الأولى على دعم الولايات المتحدة وصورة إسرائيل أمام المجتمع الدولي وهؤلاء يتذمرون من تصرفاته لكنهم حتى الآن مستمرون في دعمه. النقطة الخامسة هي الوضع الأمني وهذا يتناسب عكساً مع مستقبله السياسي فكلما ازداد سوءاً تراجعت فرصه المستقبلية.
مستقبل هذا الرجل غامضاً مثل غموض وضبابية اللحظة التي نعيشها الآن
المعطيات السابقة تشير إلى أننا أمام واقع شديد التعقيد تتداخل فيه عناصر متعددة تقرر مستقبل هذا الرجل، لكننا لسنا أمام سياسي عادي يمكن بناءً عليها أن نجزم بأن النهاية هي مصيره، لكننا أمام شخصية مختلفة لا شك أن لها قولاً مختلفاً عما هو مألوف وربما تكون نقطة قوته الرئيسية أن أعداءه يجتمعون فقط على عداوته ودون ذلك قلوبهم شتى بينما هو يجد مساحة واسعة للالتقاء مع حلفائه على نقاط مشتركة كثيرة وتلك نقطة قوته وفي نفس الوقت نقطة ضعف أعدائه بذات إذا تمكن من تحقيق هدف كبير في عدوانه على غزة. الماضي يعلمنا أن أغلب أنصاره لا يثقون به ولكنهم يصوتون له، إلا إذا رأت الولايات المتحدة أن أوان التغيير قد حلّ في إسرائيل وهذا مستبعد بذات أن الدلائل تشير إلى أن القادم الجديد إلى البيت الأبيض في أغلب الظن هو ترامب وبين والده ونتنياهو قصة مودة لم تنقطع مع الابن.
بالتالي فإن التسرع في الحديث عن مستقبل هذا السياسي لا يبدو سهلاً كما يتخيل البعض، بذات أن الحروب كانت دوماً شريان حياته وهو كان أول الداعين إلى قتل السلام في مهده، بالتالي لا يزال مستقبل هذا الرجل غامضاً مثل غموض وضبابية اللحظة التي نعيشها الآن.