عاد اسم توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، ليتصدر المشهد الساخن داخل الأراضي الفلسطينية، بعد أن تم الزج باسمه في أخطر المخططات "الإسرائيلية" التي تُحاك ضد الفلسطينيين داخل قطاع غزة، بعد انتهاء الحرب الدامية التي دخلت يومها الـ87 على التوالي.
بلير الذي زار "تل أبيب” سرًا خلال الأيام الماضية، لم يعلن أو يتحدث عن تفاصيل زيارته "الغامضة والمفاجئة” بشكل صريح، لكن الإعلام العبري قام بتلك المهمة حين كشف أن "إسرائيل "ستوكل له أخطر و”أخبث” المهمات لإنجاح مخططها الكبير في تهجير سكان قطاع غزة للخارج وإقناع الدول باستقباله مئات الآلاف منهم.
زيارة بلير لـ”تل أبيب” ترافقت مع الدعوات "الإسرائيلية" المتصاعدة لتهجير سكان غزة للخارج وحث الدول الغربية وحتى العربية على استقبالهم، والتي كان آخرها ما دعا له وزير المالية الصهيوني بتسلئيل سموتريتش، لتهجير الفلسطينيين من القطاع إلى دول أخرى.
وأضاف سموتريتش، زعيم حزب "الصهيونية الدينية” المتطرف، في حديث للإذاعة العسكرية "الإسرائيلية": "من أجل تحقيق الأمن، علينا السيطرة على القطاع، ومن أجل السيطرة عليه على المدى الطويل نحن بحاجة إلى وجود مدني”، وفق ما أوردت صحيفة "تايمز أوف (إسرائيل)”.
وتابع قائلاً: "نحن بحاجة إلى تشجيع الهجرة من غزة، لو كان هناك 100 ألف أو 200 ألف عربي في القطاع وليس مليونين، فإن خطاب اليوم التالي (للحرب) سيكون مختلفاً تماماً”، معتبراً أن الفلسطينيين داخل غزة "يعيشون في الجيتو منذ 75 عاماً”.
والجيتو هو مكان مخصص لمجموعة معينة من السكان، يعيشون في عزلة عن محيطهم بسبب خلفياتهم العرقية.
وقال سموتريتش أيضاً للقناة 12، مساء السبت، إن "إسرائيل " "لا يمكن أن تسمح ببقاء غزة تحت سيطرة مليوني شخص يريدون تدمير (دولة إسرائيل)"، وتابع: "نريد تشجيع هجرتهم، ونحتاج إلى العثور على دول مستعدة لاستقبالهم”.
المهمة المستحيلة
وأجلت "إسرائيل "في عام 2005 جيشها ونحو 8 آلاف مستوطن من قطاع غزة المحتل منذ عام 1967، خلال فترة رئيس الوزراء حينذاك أرييل شارون. وتم اعتقال سموتريتش خلال ذلك العام، احتجاجاً على هذا الانسحاب.
وبالعودة لزيارة بلير والملفات التي سيُكلف بها، قالت قناة 12 العبريةالأحد، إن بلير سيترأس طاقماً يعمل على إقناع دول أوروبية باستقبال لاجئين من قطاع غزة، مشيرةً إلى أن بلير وصل إلى تل أبيب الأسبوع الماضي، والتقى بكل من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، والوزير في مجلس الحرب بيني غانتس في اجتماعات لم يتم الكشف عنها بشكل رسمي.
بحسب القناة، فإن الهدف من هذه الزيارة هو أن يكون مبعوث سيتوسط فعلياً بين الرغبات "الإسرائيلية" في "اليوم التالي بعد الحرب على قطاع غزة، وبين الدول العربية المعتدلة، ودراسة إمكانية قبول اللاجئين من غزة في دول العالم”.
وقالت إن بلير "يتعامل فعليا مع اليوم التالي، من دون أن تقرر الحكومة أو ترسم الخطوط السياسية حول الموضوع، وذلك على خلفية أن نتنياهو منع مناقشة المسألة داخل مجلس الحرب، لكن سيجري نقاشه داخل المجلس السياسي والأمني وبشكل جزئي وليس بكل التفاصيل”.
وكان من المقرر مناقشة مسألة "اليوم التالي بغزة”، قبل 3 أيام، لكن تيار الصهيونية الدينية، الذي يمثله وزير ما يعرف بالأمن القومي، المتطرف إيتمار بن غفير، أعرب عن غضبه، ورفض نقاشه داخل سوى في الحكومة الأمنية المصغرة "الكابينيت”.
ولاحقا ذكرت القناة الـ12 أن المتحدث باسم توني بلير نفى ما ورد في تقرير القناة وقال: ” "إن التقارير التي تفيد بأن توني بلير له علاقة بالهجرة الطوعية غير صحيحة، ولم يكن هناك مثل هذا النقاش ولا ينوي النظر فيه أيضًا”.
وفي الحادي عشر من أكتوبر الماضي، أصدر بلير، وهو عضو قديم في "مجموعة أصدقاء (إسرائيل)” بحزب "العمال” البريطاني، بياناً عبر منصة التواصل الاجتماعي "إكس” (تويتر سابقاً)، أدان فيه ما وصفه بـ”الهجوم الوحشي” الذي شنته "حماس” على جنوب "إسرائيل"، داعياً إلى التغيير.
في المقابل، قال مكتب بلير في بيان لصحيفة "يديعوت أحرونوت”، إن "السيد بلير لديه مكتب في "إسرائيل"، ويواصل العمل في المسائل المرتبطة بها والفلسطينيين. ومن المفهوم أنه أجرى محادثات مع أشخاص في المنطقة، وأماكن أخرى لمعرفة ما يمكن القيام به، ولكنه لم يمنح أو يعرض عليه المنصب”.
وشغل بلير منصب رئيس وزراء بريطانيا خلال الفترة بين عامي 1997 و2007، وعمل مبعوثاً خاصاً للجنة الرباعية للشرق الأوسط في الفترة من 2007 وحتى 2015.
وتتألف اللجنة الرباعية للشرق الأوسط من الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، وروسيا، وتأسست للمساعدة في التوسط في محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية، ولكنها أصيبت بالجمود إلى حد كبير خلال السنوات الأخيرة، في ظل توتر العلاقات الغربية مع روسيا.
ويرى مراقبون بان اختيار شخصية بلير لهذه المهمة لم يكن وليد الصدفة، بل لما يتمتع به المسؤول البريطاني من علاقات قوية وكبيرة داخل الأوساط العربية والغربية، تؤهله لاستلام الملف والبدء بالتحركات والاتصالات لتنفيذ وبكل جدارة للمخطط الإسرائيلي الكبير في تهجير سكان قطاع غزة، وإقناع الدول باستقبالهم على أراضيها.
وتوقع المراقبون أن يواجه بلير صعوبات كبيرة جدًا في مهمته الجديدة، لكن أصوات أخرى تؤكد أن أوراق المساومة والضغوطات التي ستمنح له قد تنجح ولو جزئيًا في تنفيذ هذا المخطط، الذي يرفضه الفلسطينيون وأكدت كذلك دول عربية وغربية على رفض تنفيذه.
هل سينجح؟
ويتهم الفلسطينيون "إسرائيل "بالسعي إلى "نكبة” جديدة، على غرار ما حدث في أعقاب حرب عام 1948 عندما أجبر مئات الآلاف من الفلسطينيين على الفرار من منازلهم عند إعلان قيام إسرائيل.
ويشن الجيش "الإسرائيلي"، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حرباً مدمرة على غزة، خلّفت حتى الأحد 21 ألفاً و822 شهيدا، و56 ألفاً و451 جريحاً، ودماراً هائلاً في البنى التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقاً لسلطات القطاع والأمم المتحدة.
وفي ذات السياق أفاد موقع "تايمز أوف إسرائيل”، بأن "تل أبيب” تسعى لتعيين بلير، منسقاً للشؤون الإنسانية لقطاع غزة، وذلك بدافع من رغبتها في "تحسين الوضع الإنساني داخل القطاع، وتخفيف الضغوط الدولية في الوقت الذي تواصل حربها على قطاع غزة”.
ونقل الموقع عن تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، الأحد، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يأمل في الاستفادة من تجربة بلير كمبعوث سابق للجنة الرباعية الدولية للشرق الأوسط، لتهدئة حدة المخاوف الدولية بشأن الأضرار المدنية للحملة الإسرائيلية في غزة، وفقاً لمسؤولين رفيعي المستوى لم يذكر التقرير أسماءهم.
وأشار التقرير إلى أنه جرى الاتصال ببلير بشأن هذه المسألة، والمحادثات كانت جارية خلال الأسابيع الأخيرة، في حين قال مكتب رئيس الوزراء البريطاني السابق للصحيفة رداً على ذلك إنه "لم يُمنح أو يعرض عليه منصب”، لكنه لم ينفِ بشكل مباشر أي اتصال.
وأوضح التقرير أن التعريف الدقيق ونطاق وسلطة المنصب المقترح لم تحدد بشكل واضح حتى الآن، مضيفاً أنه سيكون هناك تركيز على "توفير العلاج الطبي والأدوية، وعلى إمكانية إجلاء الجرحى والمرضى من القطاع”.
ووفقاً للتقرير، يجري تنسيق الجهود المبذولة لتخفيف الوضع الإنساني في غزة من قبل وزارتي الصحة والدفاع الإسرائيليتين.
في سياق متصل، أفاد "تايمز أوف إسرائيل” بأن وزارة الدفاع والجيش الإسرائيلي يدركان أيضاً أنه من أجل كسب (المزيد من) الوقت لصالح الحرب ضد "حماس”، من الضروري أن "يُنظر إلى عمليات الجيش في غزة على أنها مشروعة، وأن هذه المشروعية مشروطة بالوضع الإنساني”.
وأمام هذه التطورات الساخنة… فهل سينجح بلير في مهمته؟ ومن سيقدم له المساعدة في تنفيذ مخطط التهجير؟