جراءة نيوز -عمان:
كتب مروان المعشر:
بداية، علينا الاعتراف بحقيقتين: الأولى أن الأزمة الاقتصادية حقيقية، وأن العجز المستدام في الموازنة بلغ مرحلة الخطر، وأن الدولة لا تستطيع بعد اليوم اتباع السياسات القديمة، التي تجاهلت هذه الحقيقة، وضاعفت الإنفاق الحكومي خلال السنوات الأخيرة،والحقيقة الثانية أن الحل اليوم لا يمكن أن يقتصر على الناحية الاقتصادية دون الناحية السياسية.
إن كان هناك درس، نتعظ به، فهو عام 1989، عندما أنفقت الحكومة أيضا بلا حساب، ولمّا وقعت الواقعة أتى الحل على يد جلالة المغفور له الملك الحسين حلا سياسيا بامتياز، وأدى فتح المجال السياسي وإشراك كافة قوى المجتمع، وانتخاب برلمان رآه الأردنيون ممثلا لهم، ليس لتقبل الجرعة الاقتصادية الصعبة فحسب، ولكن لتقبل جرعة إضافية في العام التالي، بعد أن تسببت حرب الخليج الأولى في ايقاف كافة المساعدات العربية والأميركية.
الشق الاقتصادي من الحل ضروري اليوم، كما كان ضروريا آنذاك، وهو حل يجب أن يعتمد على الأرقام، بعيدا عن الحلول العاطفية أو غير الواقعية في المدى القصير، ولكن أي حل في المدى القصير سيُحمّل المواطن أعباء إضافية، باتت فوق قدرته، ولذلك لا يمكن للحل الاقتصادي الصرف أن يشكل مخرجا مقبولا لمواطن، من حقه أن يعرف إلى أين نحن ذاهبون.
سيقول الكثيرون: إنه كان باستطاعتنا تجنب الموقف الذي نحن فيه الآن، وهذا صحيح،ولكن الكلام الآن عن ذلك لن يجدي،علينا المعالجة السريعة للأزمة الاقتصادية اليوم، قبل أن تستفحل غدا، ولكن على الدولة ايضا التعلم من اخطاء الماضي، وإدراك أن المواطن لم يعد يقبل أن تأتي الحلول على حسابه اقتصاديا، دون ان يكون رأيه ممثلا تمثيلا صحيحا في أوجه إنفاق الدولة، المدنية منها والعسكرية، ودون أن يشعر أنه شريك حقيقي في صنع القرار السياسي والاقتصادي في البلاد،لننظر للمكون الاقتصادي للأزمة،عجز الموازنة وصل لأكثر من 3 مليارات دينار، وهو عجز متكرر كل عام، إن لم يرفع الدعم عن الكل، ويوجه فقط للمحتاجين.
وهو عجز لن يسدد حتى وإن أتت مساعدات من الخليج (قد تأتي اليوم ولا تأتي غدا، وقد لا تأتي بالمرة)، ولن تبلغ مثل هذا الرقم،كما أن تخفيض الإنفاق الحكومي أو استرجاع الأموال المنهوبة يحتاج لوقت وأحكام قضائية، ولن يغطي هذا المبلغ الضخم،إذاً، إذا نظرنا للشق الاقتصادي فحسب، فالحكومة محقة، حين تقول انها مضطرة لرفع الدعم، والا فلن تستطيع الحصول على قروض دولية لسد العجز، وستلجأ لاستعمال الاحتياطات الاجنبية، حتى إذا استنفدت، وجدنا أنفسنا في وضع مشابه للعام 1988.
وجهة نظر المواطن العادي محقة ايضا، خاصة في السؤال عن الاسباب، التي أوصلتنا لهذه النقطة،أسعار النفط العالمية ارتفعت منذ اكثر من اربعة اعوام، ومشاكل الغاز المصري ليست وليدة الساعة، فكيف سمحت الحكومات المتعاقبة بعدم اتخاذ اجراءات تدريجية، بما في ذلك تخفيض الانفاق؟ كيف ترتفع النفقات العسكرية لتبلغ 29 بالمائة من الموازنة ضمن هذه المعطيات؟،الأخطر من ذلك، أن الدولة ليس لديها خطة طويلة الأمد للتخلص من المساعدات الخارجية، والاعتماد على الذات، خطة لا تغفل الفئات الأقل حظا، وتعمل في نفس الوقت من أجل نمو مستدام، يشمل كافة فئات المجتمع.
كل مواطن أردني يشعر بالامتنان للمساعدات العربية، ولكن ألم يحن الوقت للاتفاق على، وتنفيذ خطة، تجعلنا نحك جلدنا بظفرنا؟وجهة نظر المواطن محقة أيضا في عدم قبوله لخطة تعتمد اللحظة الآنية، ولا تتعداها لتظهر له نهاية الطريق، حتى يعرف في سبيل ماذا يضحي؟ اقتصاد مزدهر ولو بعد حين، أم الاستمرار في السياسات القديمة والاعتماد على الخليج لسد العجز؟إذا كانت للدولة وللمواطن وجهات نظر محقة، فما السبيل للخروج من الازمة؟ على أي حل طويل المدى أن يحتوي العناصر الآتية:أولا: أن يدرك الجميع ان الحل يجب ان يكون سياسيا اقتصاديا وطنيا توافقيا. ان التمسك بحجة أن الدولة حاورت الاسلاميين او غيرهم، ولم يستجيبوا لن تجدي.
واجب الدولة في هذه المرحلة مضاعفة الجهود. واجب الاسلاميين ايضا تكرار المحاولة، ولتكن أسس هذا الحوار معلنة، حتى يقرر المواطن من الذي على حق، علما انه، وللمرة الألف، ليس الإسلاميون وحدهم من يشعرون بالتهميش اليوم، وما الحراكات الشعبية إلا دليل آخر على ذلك.ثانيا: بما انه اصبح واضحا أن مجلس النواب الجديد لن ينظر اليه كممثل عادل للاردنيين، اقترح ان يشكل جلالة الملك لجنة وطنية من داخل المجلس وخارجه، يرتاح الاردنيون لمدى تمثيلها لوضع خطة للمدى المتوسط لحل المشكلة جذريا.
لا اعتقد أن المجال متاح اليوم للتراجع عن رفع الاسعار، فالبدائل أسوأ، ولكن في نفس الوقت، يجب أن يكون قرار رفع الدعم آخر قرار تتخذه حكومة غير منتخبة،مثل هذه الخطة يمكن الاتفاق عليها، كما فعلت الأجندة الوطنية، التي وضعت خطة تفصيلية للانتهاء من عجز الموازنة خلال عشر سنوات، مع الاهتمام بالفئات الاقل حظا وتحقيق تأمين صحي لكافة المواطنين وخفض معدلات البطالة والفقر.
لا أقول هذا رجوعا للوراء، كما يحلو لأعداء الأجندة اتهام ذلك الجهد، ولكن لبيان أن الأردنيين بكافة فئاتهم قادرون على الاتفاق على خطة وطنية علمية رقمية، ان خلصت النية لدى الجميع للتنفيذ. في الأغلب لن تعتمد هذه الخطة اقتصاد السوق الحر المطلق، دون الالتفات للفئات الأقل حظا ولا للاقتصاد الريعي، الذي يهدف في الكثير من الاحيان لشراء الولاءات أكثر من اعتماد سياسة قوامها الكفاءة والنزاهة والانتاجية.
ثالثا: ان يبادر جلالة الملك لجهد سياسي وطني شامل، للاسراع في عملية الاصلاح السياسي، ووضع خريطة طريق واضحة وتفصيلية لها. ان هذا الجهد يجب ان يشمل كافة قوى المجتمع للخروج بعقد اجتماعي جديد، كما ان اقتصار الجهد على مجلس النواب الجديد لن يجدي، لأن الانطباع ان المجلس الجديد ليس ممثلا للاردنيين، بغض النظر عن أي حملات دعائية لتصويره كذلك. لا أعتقد أن الأردن يستطيع أن يحتمل المجلس الجديد لأربع سنوات قادمة، ولا بد للجهد السياسي أن يقوم بالاتفاق على قانون انتخاب جديد في أقرب فرصة. رابعا: أن تسرع الدولة في الانتهاء من وضع منظومة قانونية فعالة لمعالجة الفساد، بما في ذلك قوانين إفصاح الذمة المالية علنا، وليس في مظاريف مغلقة، وأن تبدي المزيد من الجهود لملاحقة الفاسدين قضائيا، حتى يشعر المواطن ان تضحياته يقابلها عدم التهاون مع من يمد يده للمال العام.صحيح أن لدى الدولة أزمة اقتصادية، ولكن علّها تكون مدخلا لطريق جديد، يحتوي كل أبنائها، فهي بحاجة لكل جهودهم، وما أعتقدهم بباخلين.