رأت مجلة "إيكونوميست" أنه من السابق لأوانه معرفة ما ستؤول إليه الأسابيع القليلة المقبلة بعد عملية "طوفان الأقصى"، لكنّ ردّ إسرائيل على حركة "حماس" سيأتي مصحوباً بمخاطر جسيمة.
إنّ إرسال قوات برّيّة تابعة للجيش الإسرائيلي إلى غزة يمكن أن يجرها إلى قتال دمويّ في المناطق الحضريّة، ويعرّض الرهائن للخطر أيضاً. وكلّما طال أمد القتال، ازدادت فرصة انتشار العنف إلى الضفة الغربيّة أو لبنان. إنّ موت العديد من المدنيين في غزة، وخصوصاً إذا نظر إلى القصف على أنّه غاشم، سيضرّ بمكانة إسرائيل حول العالم، فضلاً عن كونه بحدّ ذاته خطأ عميقاً.
مع ذلك، ترى المجلّة أنّه ليس من السابق لأوانه أن يكون المرء واضحاً حيال كون هذا الهجوم يمثّل نهاية لاعتقاد دام عقوداً في إسرائيل ومفاده أنّ التطلّعات الفلسطينية إلى السيادة يمكن وضعها جانباً إلى أجل غير مسمّى. وأيّاً كان ما قد ينشأ عن هذا الصراع، فسيكون أحد الأمور هو بحث جديد عن إجابات للسؤال حول الكيفيّة التي يستطيع بها الإسرائيليّون والفلسطينيّون أن يعيشوا في سلام.
ما يقوله الناخبون لا الأمن
كان التصوّر الأول لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّ بإمكان الإسرائيليين أن يظلوا آمنين حتى لو تركت القضية الفلسطينية تتعفّن. تبدو هذه الفكرة الآن منهارة. أحد الأسباب وراء صرف انتباه أجهزة الاستخبارات عن غزة هو أن الضفة الغربية أصبحت في حالة من الفوضى بسبب الأهداف التوسّعيّة لليمين المتطرف في إسرائيل.
لا تشكّ المجلّة في أنّ إسرائيل ستكون قادرة على إعادة فرض هيمنتها العسكرية على الفلسطينيين. لكن حتى لو كان جنودها وجواسيسها يعتقدون أنّ هذا يضمن حماية المواطنين الإسرائيليين، فمن غير المرجح أن يستنتج الناخبون أنفسهم أن العودة إلى الوضع الراهن أمر جيد بما فيه الكفاية.
وكان من المفترض أن تبقي سياسة فرّق تسد الفلسطينيين ضعفاء، وأن يقوّض تأثير الفصائل المتطرفة صدقيّة المعتدلين كشركاء في السلام – وكل ذلك كان مناسباً لنتنياهو تماماً. مع الهجمات، وصلت هذه الفكرة إلى نهايتها. أحد الأسباب التي دفعت حماس إلى الهجوم هو أن سياسة فرّق تسد خلقت الظروف التي أصبحت فيها فتح منحلّة وبعيدة عن الواقع. بهذا الهجوم، تدّعي حماس أنها الصوت الحقيقي للمقاومة الفلسطينية. كان من المفترض أن يؤدّي التنافس بين الفلسطينيين إلى حماية الإسرائيليين؛ لقد انتهى الأمر بجعلهم أهدافاً.
لا بديل بسيطاً
إنّ العملية الإسرائيليّة المقبلة ضد "حماس" لن تؤدّي إلّا إلى تعزيز الشعور بأّن الوقت قد حان لتبنّي توجه جديد. بعد إراقة الدماء يوم السبت، لا تستطيع إسرائيل أن تدمّر "حماس" مع بقائها ممسكة بالسلطة في غزّة وكأنّ شيئاً لم يحدث كما أضافت "إيكونوميست".
مع ذلك، لا يوجد بديل بسيط متاح. لا يريد الجيش الإسرائيليّ احتلال غزة، ولهذا السبب يتمتّع الجيب بالحكم الذاتي. ومن الصعب أيضاً تصور فكرة إنشاء قوة دولية لحفظ السلام: فلا توجد دولة ترغب في تحمّل المسؤولية. وإذا دمّر الجيش "حماس" في غزة ثم خرج، فمن يدري ما هي القوى المدمرة التي قد تملأ الفراغ.
لا ينبغي لأحد التقليل من شأن الصعوبات المقبلة. أدت الانتفاضة الثانية إلى إعراض الشباب الإسرائيليين عن الحديث مع الفلسطينيين. ومن المؤكد أن هذا الغضب سوف يخلق جيلاً جديداً من الإسرائيليين الذين لا يستطيعون تصوّر كيف يمكن للفصائل الفلسطينية أن تكون شريكاً في السلام. في الوقت نفسه، ركز الائتلاف اليمينيّ الإسرائيليّ على ضمّ أجزاء من الضفة الغربية.
ليسوا مشكلة... إنّهم شعب
على الرغم من ذلك، سيتعيّن على الإسرائيليّين المتشدّدين أن يتعاملوا مع واقع أنه يجب عليهم البدء مرة أخرى بالتعامل مع القضية الفلسطينية. يحتاج جهاز الأمن الإسرائيليّ إلى طرف مقابل للعمل معه إذا أراد أن يكون له أي تأثير على الأراضي الفلسطينية. وهذا يعني أنه بحاجة إلى مُحاور فلسطيني.
وما سيأتي بعد ذلك سيعتمد إلى حد كبير على من هو في السلطة الإسرائيلية. حالياً، تتكاتف إسرائيل مع بعضها، لكنها ستخضع قريباً لحساب مرير قد يؤدي إلى تشكيل ائتلاف جديد، أو حتى رئيس وزراء جديد. إذا كان للإسرائيليين أن يكونوا آمنين، فسيحتاج المسؤول عنهم، أياً يكن، إلى التوقف عن التفكير في الفلسطينيين كمشكلة يمكن وضعها على الرف والبدء في التفكير فيهم كشعب يجب التعامل معه.