جراءة نيوز -عمان:
دخان كثيف يتصاعد من مستشفى خاص إثر حرقه نفايات طبية خطرة تنبعث منها غازات سامة تهدد صحة المجاورين بخلاف القانون حتى أن خبراء يصنفون الغازات المنبعثة بأنها قد تؤدي إلى الإصابة بالسرطان وأمراض الرئة، والسبب الرئيس عدم وجود حارقة مركزية للنفايات الطبية في الأردن.
عدم وجود حارقة مركزية يقود إلى كوارث بيئية وصحية من بينها إصابة الأشخاص المعرضين لنفايات الرعاية الصحية الخطرة «بعوامل معدية أو سامة للجينات» فضلا عن «تلويثها للمياه الجوفية في حال دفنت في تربة صالحة للزراعة».
المستشفيات الأردنية والمراكز الطبية والعيادات.. تنتج كميات هائلة من النفايات الطبية تقدر بـ2520 طنا سنويا، ووفقا لمدير مديرية صحة البيئة في وزارة الصحة المهندس صلاح الحياري فإن: «الحد الأدنى من النفايات الطبية التي تفرزها المستشفيات بالمملكة يقدر بنحو 7 أطنان يوميا».
والمثير للانتباه أن 12 مفتشا فقط يقومون بالتفتيش على المرافق الطبية في المملكة علما أن: «عدد المستشفيات الحكومية والمراكز الصحية بلغ (106) خلال عام 2011 وعدد الأسرة 11.991 سريرا والمراكز الصحية الحكومية 86 مركزا»، بحسب الإحصاءات الرسمية، فيما بلغ عدد الانذارات التي وجهتها وزارة البيئة للمستشفيات الحكومية في السنوات الثلاث الأخيرة 23 إنذارا.
وتكشف مصادر صحية وبيئية متطابقة بأن غالبية المستشفيات تلقي بنفاياتها الطبية في حاويات النفايات المنزلية هربا من الكلف المالية العالية للنقل ولعدم وجود حارقة مركزية وهو ما يعني بالضرورة وصول هذه النفايات لمكب الغباوي وتشكيلها خطرا على العاملين فيه.
وزارة الصحة وجهت إنذارات لمستشفيات تلقي نفاياتها في الحاويات العادية لكنها لم تجد نفعا، ويضاف إلى ذلك غياب الرقابة عن غالبية مراكز الرعاية الصحية وعيادات تلقي نفاياتها الطبية في المصارف الصحية.
ويبلغ عدد الحارقات في الأردن 20 حارقة، بينها 11 حارقة في مستشفيات حكومية, موزعة في الجنوب والوسط والبلقاء، بالاضافة الى محارق الخدمات الطبية البالغة 6، وحارقة للمستشفى الاستشاري الخاص في عمان، وحارقة في اربد التخصصي، إضافة إلى محرقة جامعة العلوم والتكنولوجيا التي يدرس فيها آلاف الطلبة.
اللافت أن «المستشفيات التي تمتلك حارقات تقوم بحرق النفايات الطبية بطريقة خاطئة» وهو ما يؤدي الى انبعاث غازات سامة ومسرطنة هي غازات الدايكسون والفيوران التي لا يوجد في الاردن والشرق الوسط مختبرات لفحصها، وفقا للخبراء.
قطاع طبي مخالف
اللافت أن بعض المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية غير ملتزمة بالشروط الصحية والبيئية، وهو ما يؤكده رئيس وحدة المتابعة البيئية في أمانة عمان المهندس نضال الموسى، بقوله: إن «عددا من المستشفيات تطرح النفايات الطبية مع المنزلية».
وزارة الصحة هي الجهة الرقابية المسؤولة عن إدارة النفايات الطبية في المملكة، وبحسب الموسى فإنها «وجهت إنذارات عديدة إلى المستشفيات المخالفة مع التأكيد على صعوبة اغلاقها، وهو ما يعني أن الإنذارات لا قيمة لها فعليا على أرض الواقع.
وتعمد مستشفيات ليس لديها حارقات إلى إلقاء النفايات الطبية في الحاويات العادية لتوفير تكاليف نقلها ما يؤدي إلى كارثة بيئية، وفقا لمصدر مسؤول في وزارة البيئة.
وبحسب المصدر ذاته فإن «كثيرا من المستشفيات التي تمتلك الحارقات تقوم بحرق النفايات الطبية بطريقة خاطئة عند تشغيل الحارقة وبدرجة حرارة لا تتجاوز 600 درجة فيما يجب ان تكمل الحارقة دورة كاملة بدرجة حرارة 1100 درجة قبل وضع النفايات الطبية فيها، ما يؤدي الى انبعاث غازات سامة ومسرطنة هي غازات الدايكسون والفيوران التي لا يوجد في الاردن والشرق الوسط مختبرات لفحصها».
ويؤكد المصدر ذاته أن «غالبية المستشفيات التي لديها حارقات لا تلتزم بالشروط الصحية وهو ما يعني أن الحارقة تصبح أكثر خطورة لوجود بعضها بين الأحياء السكنية فضلا عن حاجتها الى الصيانة» مشددا على «ان المستشفيات التي ليس لديها حارقات تلقي معظم نفاياتها في الحاويات العادية».
الزيارات الميدانية «لكاتبة التحقيق» إلى مراكز الرعاية الصحية والعيادات الخاصة وعيادات الاسنان إلى جانب شهادات عاملين فيها تثبت «عدم وجود رقابة على هذه المراكز من حيث التخلص من النفايات الطبية الموجودة داخلها».
ويقول الموسى: «بدأنا متابعة النفايات الطبية في عام 2007 واكتشفنا أن جزءا من النفايات الطبية تطرح مع النفايات المنزلية في الحاوية نفسها وتم ابلاغ وزارة الصحة».
ويبين الموسى ان «دور أمانة عمان هو التأكد من عدم طرح النفايات الطبية مع المنزلية حفاظاً على سلامة المواطنين بشكل عام وعلى عمال الوطن في مكب الغباوي».
ويؤكد مدير مستشفى حكومي حدوث تجاوزات من مستشفيات ومراكز صحية تستعين بمحرقة المستشفى. ويوضح بأننا «نواجه سوء تخزين مسبق بحيث تصلنا نفايات تنبعث منها روائح كريهة فنعمل على اعادتها»، ويشير إلى «شركات خدمات خاصة تتولى جمع النفايات الطبية وحرقها ولديها تجاوزات تتمثل بإعادة استخدام العبوات المخصصة لنقل النفايات مرارا توفيرا للمال، علما بان تعليمات السلامة العامة تقتضي بالتخلص من العبوات بعد استخدام مرة واحدة».
ويقول الدكتور عمرو عزيز مدير مركز رعاية صحية «لا توجد جهة تتولى جمع النفايات الطبية في المراكز الصحية لذلك نتصرف بمبادرات ذاتية، على سبيل المثال النفايات غير الخطيرة تذهب الى الحاويات فيما النفايات الخطيرة نلجأ لموظف يعمل في احد المستشفيات الخاصة لجمعها وعلى مسؤوليته يبلغنا بحرق هذه النفايات في محارق خاصة».
ويرى أن «انتشار المراكز الصحية بأعداد كبيرة يقود لمخاطر خاصة في تلك المراكز التي تحوي مختبرات طبية وتتخلص من فحوصات الدم بوضعها في الصرف الصحي ومعلوم ان هذه المياه العادمة يتم تنقيتها مرة اخرى وتستخدم في عدة اغراض».
ويشير رئيس لجنة النفايات الطبية في مستشفى الجامعة الأردنية الدكتور فارس البكري إلى «عدم موافقة وزارة البيئة على وجود حارقة داخل المستشفى لعدم توافر الاشتراطات والتعليمات بهذا الخصوص».
ويقول «خطة النفايات لدينا تطبق بشكل كامل ولدينا ادارة متخصصة لادارة النفايات الطبية بالتعاون مع وزارة الصحة». ويضيف البكري «حاليا تم التعاقد مع ناقل نفايات طبية مرخص من وزارة البيئة, واصبحت كلفة نقل النفايات 100 دينار لكل نقلة، بالاضافة الى ثمن الحرق لكل 1 كغم 58 قرشا لاول 100 كيلو وبعد 100 كغم تصبح القيمة 100 قرش».
ويشكو البكري «الكلفة الباهظة المترتبة على حرق النفايات بمعدل 600-700 دينار يوميا دون وجود البديل». لافتا إلى أن الكلفة السنوية للتخلص من النفايات تبلغ قرابة (160 ألف دينار سنويا).
ويستدرك البكري بأن «هذا لا يمنع وجود بعض التجاوزات فمستشفى الجامعة تعليمي يضم اعدادا كبيرة من طلاب الطب والتمريض والصيدلة والعلاج الطبيعي وخبرتهم العملية بالتخلص من النفايات الطبية محدودة ولكن توجد رقابة مباشرة من الاطباء والتمريض»..
مراكز خارج الرقابة
ويوضح مدير مديرية صحة البيئة في وزارة الصحة المهندس صلاح الحياري أن «التجاوزات تحدث غالبا في مؤسسات الرعاية الصحية الأخرى وهي عادة للمنتجين الصغار وتعود لغياب شركات خاصة للتخلص النهائي من النفايات الطبية».
ويضيف الحياري «توجد آليات محددة لجمع ونقل النفايات الطبية من المراكز الصحية وبنوك الدم العائدة للوزارة وحرقها في أقرب محرقة موجودة في مستشفى حكومي أو فيما يتعلق بمؤسسات الرعاية الصحية التابعة للوزارة والواقعة في إقليم الشمال، فيتم النقل والحرق في محرقة جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية».
وبحسبه فإن «باقي العيادات الطبية والمراكز الطبية والطوارئ وعيادات الأسنان والمختبرات هي أيضا مؤسسات تنتج كميات صغيرة من النفايات الطبية وتخضع للتفتيش بنسبة كبيرة منها في بعض المحافظات، مثل مادبا والمفرق، في حين يتم الكشف على نسبة أقل منها في المحافظات الأخرى», وعن ضبط المراكز الصحية، يقول: «ليس لدينا ضبط للمراكز الصحية لانها باعداد هائلة».
ويضيف الحياري «خلال عام 2010 حولت ثلاثة مستشفيات وناقل نفايات طبية الى النائب العام لخطورة مخالفة سببت مكاره صحية لمدة طويلة»، لكنه أشار إلى أن القضاء لا يغلق مستشفى بسبب المخالفات.
وتقوم وزارة الصحة بتحديد ضباط تفتيش على ادارة النفايات الطبية في مديريات الصحة للقيام بجولات مفاجئة دورية بناء على شكاوى او بحسب ما تقتضيه الحاجة.
الحياري يشير أن عدد ضباط التفتيش يبلغ 12 ضابطا اربعة في عمان وثمانية موزعين على محافظات المملكة، يقومون بكشف ميداني اربع مرات خلال السنة باستثناء العاصمة مرتين خلال العام.
ويقول مدير ادارة المواد الخطرة والنفايات في وزارة البيئة الدكتور محمد خشاشنة «ان كمية النفايات الطبية الضارة على مستوى المملكة تنتج عن 10 آلاف سرير بمعدل نصف كغم لكل سرير وتزداد بشكل طردي».
ويوضح أن «كمية النفايات تدار بصورة غير بيئية 60% وان كمية النفايات الموجودة في البلاد حاليا 4 آلاف طن سنويا بنسبة 65% من اقليم الوسط (2.600 طن ) واقليم الشمال الف طن ويعادل 25% والجنوب 400 طن وتساوي 10%».
مخاطر صحية عالية
«التعرض الى نفايات الرعاية الصحية الخطرة قد يؤدي الى المرض او الاصابة لامكانية احتوائها على عوامل معدية أو ان تكون سامة للجينات، أو ان تكون مشعة وتحتوي على مواد كيميائية او صيدلانية خطرة واحتوائها ايضا على ادوات حادة». وذلك بحسب دراسة لمنظمة الصحة العالمية المركز الاقليمي لانشطة صحة البيئة.
وتضيف الدراسة ان جميع الاشخاص المعرضين لنفايات الرعاية الصحية الخطرة هم بالفعل في خطر، وتشمل الاطباء والممرضين ومساعدي الرعاية الصحية والمرضى وزوار مؤسسات الرعاية الصحية وعمال الخدمات والعاملون في مرافق التخلص من النفايات.
خالد ابو حليمة (عامل وطن) يتمركز عمله في منطقة يوجد بها مستشفى وغالبا ما يجد نفايات طبية مثل «مخلفات المرضى وحقن موضوعة في الحاويات المنزلية وبأكياس سوداء».
شعبان خالد عامل نفايات طبية في مستشفى حكومي يقول «اجمع كل يوم النفايات الطبية بمرافقة مراقبة الصحة وتكون الأكياس بعدة ألوان حسب نوع النفايات وأضعها في غرفة الخزين».
ويوضح شعبان الذي يعمل في شركة خاصة تتولى جمع النفايات الطبية أنه يقوم بجمع النفايات ثم يتولى عامل صيانة نقلها الى الحارقة، مشيرا الى «حقنه بثلاثة مطاعيم للكبد الوبائي ولبس كمامات وكفوف طبية كاجراءات وقائية».
ورصدت «كاتبة التحقيق» عبر مشاهداتها في أحد المستشفيات الحكومية عدم التزام عمال النفايات الطبية بألبسة الوقاية الطبية المتعارف عليها.
المهندس الحياري يؤكد أهمية تحصين جميع عمال النظافة والعاملين على جمع النفايات المنزلية والمكبات ضد التهاب الكبد البائي، وتوعية العاملين على المخاطر الصحية التي قد يتعرضون لها نتيجة طبيعة عملهم، مع تزويدهم بمعدات الوقاية الشخصية المناسبة التي تقلل من تعرضهم للمخاطر الصحية وإصابات العمل.
ويعرض المهندس الموسى لشكوى عمال الوطن والسكفنجر (وهم العاملون على فرز النفايات في منطقة الغباوي التي تستقبل ما يعادل ثلاثة اطنان يوميا من النفايات داخل حدود عمان) تحتوي على كمية كبيرة من النفايات الطبية الخطيرة مثل واخزات الابر وهو ما يشكل خطورة على عمال الوطن وتعريضهم للاصابة بأمراض خطيرة مثل الكبد الوبائي والسل والايدز على المدى البعيد.
ويؤكد على أهمية امتلاك المستشفيات جهاز auto cleav الذي يقتل جميع الفيروسات وحاليا يمتلكه عدد محدود جدا من المستشفيات لا يتجاوز عددها ثلاثة، فيما ترفض اغلب المستشفيات اقتناءه لارتفاع ثمنه والبالغ من 250-300 الف دينار.
ويشير الموسى الى اهمية توعية العاملين بالمستشفيات وتعريفهم بخطورة النفايات الطبية وفرزها بشكل مباشر وبإشراف ورقابة وزارة الصحة، وكذلك تشديد الرقابة على مراكز الرعاية الصحية والاسنان والشركات العاملة على فرز النفايات الطبية واتخاذ الاجراءات الرادعة للمستشفيات التي تطرح النفايات الطبية مع المنزلية ومنع التراخيص لمستشفيات تمتلك حارقات داخل الحدود السكانية.
ويضيف الموسى أن المستشفيات المخالفة بطريقة التخلص من النفايات الطبية او ان كانت الحارقة تعمل بطريقة خاطئة يوجه لها انذار يمتد من اسبوعين الى ثلاثة اشهر حسب المخالفة، وفي حال عدم تصويب الاوضاع تحول الى النائب العام وتُتخذ اجراءات طويلة ولكن دون توقيف المستشفى عن العمل.
تجاوزات لمراكز ومستشفيات
النفايات الطبية فئة من النفايات خطيرة، يحكمها ايضا نظام ادارة الموارد الضارة والخطرة ونقلها وتداولها رقم 24 لسنة 2005 وتعليمات ادارة وتداول النفايات الخطرة لسنة 2003 الصادران بموجب حماية البيئة المؤقت رقم (1) لعام 2003 (القانون الاحدث هو قانون حمايةالبيئة رقم 52/2006).
المهندس الحياري يشير إلى «قيام مؤسسات طبية بخلط النفايات الطبية مع النفايات المنزلية, وقد وجهت مخاطبات للجهات المعنية لإلزامها بعدم طرح النفايات الطبية غير المعقمة مع النفايات المنزلية».
ويوضح الحياري أنه «قد يترتب على خلط النفايات الطبية مع المنزلية احتمال قيام بعض الأشخاص بإعادة استعمال واخزات الإبر مثلا، واحتمال تعرض العابثين في حاويات النفايات المنزلية والأطفال الذين يلعبون بمحتويات الحاويات إلى خطر الوخز بالإبر الملوثة، وبالتالي إصابتهم بالعدوى نتيجة ذلك مثل التهاب الكبد الوبائي».
ابو زيد فني مختبر يقول «لدينا تعليمات ملزمة من وزارة الصحة بالتخلص من النفايات الطبية الخطيرة الحادة (الابر) باستخدام جهاز خاص needle combustor لحرق وقتل الفيروس بنسبة 70% لتصبح آمنة حال وضعها في اكياس النفايات العادية».
ويعتبر ابوزيد ان «التخلص من عينات الدم عن طريق الصرف الصحي افضل من ان تلقى مع النفايات العادية», بينما «النفايات الطبية غير الحادة يتم وضعها بأكياس خاصة وارسالها الى مركز الحرق».
محارق في أحياء سكنية
«تعرضت تجارتي للخسائر منذ سنة تقريبا بسبب حارقة النفايات الطبية الموجودة داخل المستشفى الاستشاري.. كنت أجد السيارات مليئة بالدم وباقي النفايات الطبية والمواد الدهنية الخارجة من الحارقة»، هذا ما يقوله سامي سيف صاحب معرض سيارات يبعد معرضه 200متر عن المستشفى.
ويضيف «كنت أضطر حينها إلى إعادة تلميع أو طلاء السيارات مرة اخرى», ويشير إلى أنه قام «مرات عديدة بإبلاغ الجهات المعنية ولكن دون جدوى».
ويضيف منذ 6-7 أشهر تقريبا أصبح الحرق لدى المستشفى بصورة خفيفة ولم نعد نرى الدخان الكثيف الذي كان في السابق.
المخالفة المشار إليها لا تزال قائمة رغم أن المادة (7-1-3-أ) من تعليمات إدارة النفايات الطبية الصادرة عن وزارة الصحة تنص على «أن يبعد موقع إقامة المرمد مسافة لا تقل عن (500 متر) عن أقرب تجمع سكني« الا أن الواقع يظهر وجود حارقات قريبة من المناطق السكنية مثل «مستشفى البشير والاستشاري».
المهندس صلاح الحياري يقول إن «بعض المحارق الموجودة حالياً قديمة مثل البشير والاستشاري تم إنشاؤها مع إنشاء المستشفيات وسيتم الاستغناء عنها فور وجود البديل».
ويشير الى «اللجوء لمعالجة جزء من النفايات الطبية الناتجة عن مستشفى البشير بطريقة مختلفة عن الحرق، ومن خلال توفير جهازين لتعقيم النفايات الطبية مما يقلل من الانبعاثات الناتجة عن حرق النفايات الطبية».
وبخصوص محرقة مستشفى الاستشاري يقول «تم تركيبها بالاساس دون موافقة وزارة الصحة, وتم إغلاقها لفترة لإجراء عمليات الصيانة ورفع الكفاءة». ورغم ذلك حصلت «الرأي» على وثائق تؤكد سماح وزارة الصحة سابقا لعدة مستشفيات بالحرق في المستشفى الاستشاري.
ويقول المدير الاداري للمستشفى الاستشاري ماهر الفاعوري: «كنا نحرق لما يقارب عشرة مستشفيات بناءعلى كتب رسمية من مديرية صحة البيئة، لكن لعدم توفر طاقة استيعابية لدى المحرقة العائدة للمستشفى والتسبب بأعطال مستمرة تكبدنا خسائر مالية اوقفنا الحرق لجميع المستشفيات باستثناء نفايات الاستشاري».
ويشير المدير التنفيذي لجمعية البيئة الاردنية المهندس احمد الكوفحي أن «مشكلة النفايات الطبية لا تزال قائمة والخطر الاكبر يكمن في حرق النفايات الطبية في الاماكن السكنية مع غياب الحلول لدى الجهات الرسمية لمعالجة هذه المشكلة «ويضيف أن «التخلص من النفايات الطبية مع المنزلية يشكل كارثة بيئية وصحية».
وعن تأثير النفايات الطبية على البيئة يقول الكوفحي انها «تحوي مواد خطرة وسامة، وعندما تصيب أي مادة اخرى تصبح جميعها سامة».
ويوضح أنه «عند رمي النفايات او دفنها في تربة صالحة للزراعة تصبح المزروعات حاملة لكثير من المواد السامة والاكثر خطورة ان تحتوي التربة على مياه جوفية».
وعن اثر التدهور البيئي على السكان يقول الكوفحي من المتوقع في المستقبل ان «يكون حجم الاضرار البيئية المباشرة وغير المباشرة من 300-400 مليون دينار وذلك ان الغازات المنبعثة من حارقات النفايات الطبية تكبد الوطن مبالغ كبيرة بسبب اصابة المواطنين على الزمن البعيد بأمراض السرطان والرئة التي يكلف علاجها مبالغ طائلة وبالتالي فهي معادلة اقتصادية تدفعها الحكومة»..
ويشير الكوفحي إلى «تصاعد الشكاوى من السكان ومحلات تجارية مجاورة لاحد المستشفيات التي تقوم بحرق النفايات الطبية في جنح الظلام وانبعاث الروائح الكريهة نتيجة الغازات الناجمة عن حرق النفايات»
كما أكد مصدر رفض ذكر اسمه أن الغازات المنبعثة «قد تسبب السرطان وأمراض الرئة».
ويشار إلى أن «عدد الشكاوى التي وردت لجمعية البيئة الاردنية حول الحارقات بلغ 6 شكاوى وحول النفايات الطبية عموما 6 شكاوى».
ويقول مدير إدارة المواد الخطرة والنفايات في وزارة البيئة الدكتورمحمد الخشاشنة «نحن كوزارة بيئة لا نمانع من الحرق لحين الانتهاء من المشروع الوطني (الحارقة المركزية)، فعدم وجود البديل حتى هذه اللحظة لا يمنع من ان تحرق النفايات في محارق المستشفيات» مضيفا «وجهت العديد من الإنذارات لمستشفيات حكومية وخاصة لمطالبتها بتصويب أوضاعها وإلزامها بالشروط البيئية».
تعثر مشروع الحارقة المركزية
طرحت الحكومة ممثلة بالهيئة التنفيذية للتخاصية عطاء مشروع معالجة النفايات الطبية (الحارقة المركزية) عام 2007 في منطقة الغباوي ووقعت الاتفاقية مع الائتلاف الفائز عام 2009، وفي نهاية حزيران 2012 أعلن عن الغاء المشروع.
وتباينت التصريحات التي اوردتها الجهات ذات العلاقة بالمشروع بخصوص أسباب الغاء العطاء.. يقول رئيس ادارة مجموعة الناصر للاستثمار التي تأهلت للعطاء المهندس حسن الوهداني «احيل العطاء على شركة الناصر في كانون الثاني 2009، ولاحقا بدأت جولات طويلة من المفاوضات بين الحكومة ومجموعة الناصر منها اشتراطات جديدة للحكومة تعتبر تغيير جذري على العقد ويناقض ما تم مناقشته خلال فترة المفاوضات».
ويقول «قمنا بتوريد حارقة نفايات بقيمة 3 ملايين دولار وفي هذه الأثناء تعاقبت على المشروع حكومات متعددة أثرت على موعد التنفيذ».
ويذكر أنه بالاتفاق تم تحديد حصص الشركاء في المشروع بنسبة 65% لهافنر الايطالية و30% لمجموعة الناصر وفق متطلبات الممولين، مبينا أن المجموعة «لجأت بمعرفة وقبول الشريك الايطالي وبعد عدة جلسات مع الهيئة التنفيذية للتخاصية، حيث وافقت شركة هندية متخصصة في هذا المجال على الدخول بالمشروع كمستثمر بديل، دون اي تعديلات على الشروط، علما بأن شروط العقد مع الحكومة تسمح بهذا البند باستبدال الشريك بآخر مؤهل».
ويبين الوهداني أن «المجموعة استجابت لكافة التعديلات والاشتراطات التي ادخلتها الحكومة على العقد، وبدون سابق انذار تسلمنا من الهيئة التنفيذية للتخاصية وبناء على طلب اللجنة التوجيهية للمشروع الى بنك الاسكان لصرف قيمة الكفالة البالغة 500 الف دولار وايداعها في حساب الهيئة في البنك المركزي وتم الغاء المشروع نهاية حزيران 2012».
مصدر مسؤول في الهيئة التنفيذية للتخاصية أوضح انه بتاريخ 30/3/2009 وقعت اتفاقية مشروع الحارقة المركزية مع ائتلاف مجموعة الناصر ويضم مجموعة الناصر بنسبة 40% والمصارف التجارية 35% وشركة هافنر الشريك الفني 20% واكشن ستريم 5%.
وبحسب المصدر فإنه «في شهر تشرين الثاني من العام نفسه وبناء على طلب الائتلاف مجموعة الناصر فقد أعيد توزيع الحصص لتصبح شركة هافنر الشريك الفني 70% ومجموعة الناصر 26% وانفايرونيت الاردنية 4%».
وتضمنت الاتفاقية حسب المصدر شروطا لتصبح قيد التنفيذ اهمها استكمال الاغلاق المالي للمشروع وحددت بتسعة اشهر لاحقا لتوقيع الاتفاقية، لكن الشركة المتقدمة للمشروع طلبت تمديد المهلة لغايات استكمال الشروط وكان اخرها قرار الحكومة التمديد لغاية 15 ايلول 2011.
ويضيف «تم اعتبار اتفاقية المشروع المبرمة ما بين الحكومة ائتلاف مجموعة الناصر (شركة الشرق الاوسط) لمعالجة النفايات الخطرة منتهية تلقائيا لعدم تمكن الائتلاف من استكمال الشروط والمدة الزمنية المتفق عليها».
وعن الغاء المشروع يبين المصدر أن «هناك عدة اسباب لالغاء المشروع لا علاقة لها بالعطاء فقد تم تغيير الموقع، فكان المتفق عليه ان تكون في منطقة الغباوي وبعدها تم تغيير موقع المشروع بقرار من الحكومة لأمور تتعلق باستخدامات الاراضي وخطط تطوير منطقة احد الاستثمارية».
ويقول المصدر «لمدة عامين بعد توقيع العقد كان الدور الرئيس للمستثمر لاستكمال بنود العقد وهذا ما لم يتم، وطالب بتمديد المهلة عدة مرات، بعد العامين جرى اتفاق مبدئي من قبل المستثمر مع البنك الممول لتصبح الحكومة طرفاً في النقاش حول اتفاقيات التمويل».
ويقول الخشاشنة ان مفاوضات المشروع وصلت الى طريق مسدود وبفعل مستجدات طرأت خلال المرحلة الماضية ادت الى توقيف العمل بالمشروع، وحاليا يوجد لجنة وزارية تناقش كافة الخيارات لوجود البدائل.
المطالب كثيرة وتتفق فيها قطاعات عديدة ذات صلة بالعمل الطبي لايجاد آلية علمية للتخلص من النفايات الطبية يشترك فيها ايضا مواطنون يصلهم الضرر والخطر المباشر الناجم عن سوء تخزين وحرق هذه النفايات ."الراي"