يكافح الأردن بكل أدواته المتوفرة لمواصلة تحقيق معدلات نمو اقتصادي مستدامة تتوافق مع مسارات الإصلاح التي أطلقها لتجويد حياة المواطنين، وتعزيز الصمود في وجه "عواصف" الضغوط الاقتصاد الخارجية.
وفرضت تداعيات الأزمة المالية العالمية وحالة عدم الاستقرار السياسي والأمني بالمنطقة وجائحة فيروس كورونا على الاقتصاد الوطني واقعاً صعباً أدت لكبح معدلات النمو الحقيقي بالناتج المحلي الإجمالي لتسجل نحو 2.4 بالمئة سنوياً بالمتوسط خلال الفترة 2010 و 2019 بالمقارنة مع متوسط نمو بنسبة 6.5 بالمئة سنوياً خلال الفترة 2000 و 2009 .
وسط هذه الضغوط لم يقف الأردن متفرجاً، حيث حاولت البلاد تسخير كل أدواتها للخروج من "نفق الصعوبات" بأقل الخسائر، حيث استندت البلاد على الدعم الملكي والمتابعة الحثيثة من جلالة الملك وتوجيهاته المستمرة لتوفير بيئة أعمال جاذبة للمستثمرين.
وشكلت مسارات الإصلاح المتكاملة سياسياً واقتصادياً وإدارياً، التي دفع بها جلالة الملك عبدالله الثاني، قاعدة قوية وممكنات لنمو أقتصادي مستدام طويل الأجل، لكن ذلك يتطلب تعاوناً من الجميع لتنفيذها وإنجاز برامجها بالشكل المطلوب، وبما يلبي الطموحات والآمال.
وبالرغم من الصعوبات، قطع الاقتصاد الوطني خلال العام الماضي 2022 شوطاً مهماً نحو التعافي الاقتصادي لا سيما من تبعات جائحة فيروس كورونا، مقدماً تحسناً إيجابياً بالعديد من المؤشرات الاقتصادية المهمة وبخاصة الصادرات، ومتجاوزاً تحديات عصفت بالاقتصاد العالمي بفعل أزمات سياسية واقتصادية.
ونما الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بأسعار السوق الثابتة خلال العام الماضي 2022، بنسبة 2.5 بالمئة مقارنة مع عام 2021.
وتوج الأردن أدواته التي حاول من خلالها تجاوز الصعوبات الاقتصادية بإنجاز رؤية التحديث الاقتصادي لإطلاق الإمكانات وبناء المستقبل وسط تحدٍ هو الأكبر أمام الاقتصاد الوطني، يتمثل باستيعاب أكثر من مليون شاب وشابة في سوق العمل، وزيادة فرص العمل من 1.6 مليون فرصة إلى 2.6 مليون فرصة خلال العقد المقبل، وتحقيق نمو اقتصادي يصل إلى نحو 5.6 بالمئة.
ووظفت مؤسسات المملكة الرسمية كل إمكانياتها لزيادة الصادرات من المنتجات الصناعية والخدمات، حيث تم إطلاق استراتيجية التصدير الوطنية وتنفيذ برامج صندوق دعم الصناعة، وإقرار تشريعات اقتصادية جديدة بمقدمتها قانون البيئة الاستثمارية.
يذكر، أن الصادرات الوطنية نمت خلال العام الماضي 2022 بنسبة 33.8 بالمئة، لتصل إلى 8.081 مليار دينار، مقارنة مع 6.038 مليار دينار في عام 2021.
وقال رئيس غرفتي صناعة الأردن وعمان المهندس فتحي الجغبير، إن الناتج المحلي الإجمالي للمملكة حقق نمواً ملحوظاً بالعام الماضي 2022 بما نسبته 2.5 بالمئة، ليصل بالأسعار الجارية لمستوى تاريخي قارب 34 مليار دينار مدفوعاً بنمو كافة الأنشطة الاقتصادية.
وأضاف، أن نمو مختلف المؤشرات الاقتصادية بارتفاع الصادرات الوطنية بما نسبته 33.8 بالمئة لتصل إلى 8.1 مليار دينار، إلى جانب تسجيل الاستثمارات المستفيدة من قانون تشجيع الاستثمار خلال العام الماضي 2022 ارتفاعاً إلى 1.1 مليار دينار مقارنة مع 621 مليون دينار في عام 2021، وبنسبة نمو 79.3 بالمئة.
وتابع "لعل النتائج الجيدة للاقتصاد الوطني جاءت مدفوعة بنمو القطاعات الاقتصادية واستعادة عافيتها التدريجية بعد جائحة فيروس كورونا؛ أبرزها القطاع الصناعي الذي قاد عجلة النمو الاقتصادي خلال العام الماضي 2022، بمساهمته بما يقارب ثلث النمو الاقتصادي المتحقق".
وأوضح المهندس الجغبير، أن القطاع الصناعي حقق خلال العام الماضي 2022 نمواً تجاوزت نسبته 3.2 بالمئة مقارنة بعام 2021، كما جاء بالمرتبة الأولى من حيث المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 21.7 بالمئة.
وبين المهندس الجغبير، أن النمو في القطاع الصناعي جاء انعكاساً لما حققه القطاع بمختلف مكوناته ومؤشراته الفرعية، والتي تؤكد قوة ومتانة القطاع الصناعي وقدرته على النهوض بأداء الاقتصاد الوطني، بتسجيل صادراته ارتفاعاً بنسبة 37 بالمئة ولتشكل ما يقارب 95 بالمئة من إجمالي الصادرات الوطنية.
وأشار إلى أن القطاع الصناعي استحوذ على ما يقارب 58.3 بالمئة من إجمالي الاستثمارات المتدفقة إلى المملكة خلال العام الماضي 2022، لترتفع هذه النسبة إلى حوالي 67.4 بالمئة عند الإشارة إلى الاستثمارات الأجنبية.
ولفت المهندس الجغبير إلى أن الرقم القياسي لكميات الإنتاج الصناعي للعام 2022 سجل نمواً بنسبة 2.7 بالمئة مقارنة مع عام 2021، بفعل ارتفاع الطلب الإقليمي والعالمي على السلع الوطنية المنتجة بالمملكة.
ونوه إلى أن القطاع الصناعي يعتبر ضمن أعلى القطاعات الاقتصادية من حيث علاقاته التشابكية مع بقية القطاعات الأخرى، ويحتل المرتبة الأولى بين القطاعات الاقتصادية، حيث أن كل دينار ينُفق لديه يسهم بشكلٍ مباشر وغير مباشر في الاقتصاد الوطني بمقدار 2.16 دينار، ما يعني بأن مساهمته بالاقتصاد الوطني تصل إلى حوالي 44 بالمئة جراء ترابطه مع القطاعات الاقتصادية الأُخرى.
وبين، أن هذه المعطيات تشير إلى أن القطاع الصناعي ما زال يؤكد على أولويته في الاقتصاد الوطني، وبأنه القادر على تحقيق النمو الاقتصادي المنشود وتشغيل الأيدي العاملة الأردنية، وهذا ما اثبتته رؤية التحديث الاقتصادي بتركيزها على القطاع الصناعي والصناعات ذات القيمة العالية.
وأشار إلى أن مستهدفات الصناعة في رؤية التحديث الاقتصادي تشكل ما يقارب ثلث المستهدفات الكلية للرؤية سواءً لجهة تشغيل الأردنيين وتوفير مليون فرصة عمل خلال العقد الماضي، أو استقطاب استثمارات خلال العقد المقبل، ومضاعفة حجم الصادرات الوطنية لأكثر من 3 أضعاف وغيرها من المستهدفات الطموحة.
ورأى أن المرحلة المقبلة تتطلب إطلاقاً للقدرات الوطنية على الصعيدين المحلي والخارجي في ظل بدء تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي التي جاءت وفقاً لرؤى وتوجيهات ملكية، لتحمل العديد من المستهدفات الطموحة للأنشطة الاقتصادية والقطاع الصناعي بما يضمن نمو ونهضة الاقتصاد الوطني.
وشدد على ضرورة التطبيق الفعلي لكافة المبادرات والإجراءات التي حملتها رؤية التحديث الاقتصادي بين طياتها، وتحقيق التشاركية بين القطاعين العام والخاص وإزالة البيروقراطية أمام القطاع الصناعي بما يضمن تحقيق نتائج أفضل في الأعوام المقبلة.
وبين، أن تنفيذ المبادرات والخطط بالشكل المطلوب، وعكسها على أرض الواقع بشكل ممنهج ومرن لضمان استمرار هذه الوتيرة ولتحقيق أقصى استفادة ممكنة للاقتصاد الوطني، ودعم تنافسية القطاعات الإنتاجية والواعدة من حيث الكلف والتسويق وتزويده بالممكنات المطلوبة وتوفير الحماية للمنتج الوطني.
ودعا لأهمية التطبيق الأفضل لمبدأ المعاملة بالمثل، إلى جانب ضرورة العمل على رفع جاهزية التصدير وتعميق المشاركات المحلية والدولية بالمعارض التجارية، إلى جانب رفع مستويات العمالة ومعدلات التشغيل بالإضافة لتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وأكد المهندس الجغبير، أن استمرار النمو الاقتصادي وخاصة الصناعي يتطلب تنفيذ مطالبه وإزالة التحديات التي أمامه، أبرزها فيما يتعلق بخفض الكلف من خلال إيصال الغاز للمدن الصناعية، وتجاوز البيروقراطية بالإجراءات والمعاملات المختلفة، ودعم الصادرات من خلال التسويق والترويج لها داخلياً وخارجياً.
بدوره، رأى أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك الدكتور قاسم الحموري، أن معدل النمو في العام الماضي كان قليلاً رغم التعافي من جائحة كورونا والعودة إلى معدلات النمو التي كانت سائدة قبل الجائحة.
وقال، إن معدل النمو الاقتصادي يرتبط بصورة مباشرة بمعدل النمو السكاني، فإذا كان معدل النمو أقل من 2.2 بالمئة فهو يبقى أقل من النمو السكاني وهذا يشير إلى تراجع الرفاهية لدى المواطنين، والمستوى المعيشي لهم، منوهاً إلى أن هذا المعدل غير كاف لإيجاد فرص عمل تخفف من معدلات البطالة.
وأضاف "علينا السعي لزيادة معدل النمو ليصل إلى أكثر من 4 بالمئة"، مشيراً إلى أن الإصلاحات الاقتصادية التي تتبناها الحكومة حالياً تهدف إلى الوصول نسبة النمو تزيد على 6 بالمئة، ليلمس المواطن أثرها الإيجابي.
وأكد الدكتور الحموري أهمية العمل على زيادة معدلات النمو الاقتصادي من خلال الأدوات والوسائل التي تسهم في تحسين هذا المعدل وأهمها تشجيع وزيادة الاستثمارات، وتنمية الصادرات الوطنية، وإيجاد حلول مناسبة لارتفاع المديونية.