جراءة نيوز -عمان:
رغم حسم موعد الانتخابات النيابية المقبلة في الثالث والعشرين من يناير/كانون الثاني 2013 كاستحقاق أخير لحزمة الإصلاحات السياسية التي نفذها العاهل الأردني منذ أكثر من عام، يرى مراقبون أن حالة الاحتقان السياسي في البلاد ما تزال قائمة مع استمرار بعض "حلقات التأزيم" كاعتقال نشطاء و"فشل" الإدارة الرسمية في التحاور مع قوى المعارضة التي أعلنت مقاطعتها للعملية السياسية والبقاء في الشارع.
ويعرب سياسيون عن قلقهم من بقاء حركة الاحتجاج في الشارع والميادين العامة، في الوقت الذي يتجه فيه المكون المعارض الأبرز في البلاد، جماعة الإخوان المسلمين، والقوى المتحالفة معها، إلى التصعيد الميداني، بما في ذلك دراسة مقترحات من قبيل تشكيل برلمان شعبي والعودة إلى سياسة الاعتصامات المفتوحة بحسب قيادات إخوانية.
ورسميا، ترجمت مظاهر القلق وفقا لمراقبين بالتحرك الذي أجراه رئيس الحكومة الجديدة، عبدالله النسور، الثلاثاء، حيث التقى رئيس الوزراء الأسبق، أحمد عبيدات، الذي يقود واحدة من كبريات جبهات المعارضة الأردنية، وهي التي دعت لتنفيذ مسيرة حاشدة مطلع المقبل بمشاركة حلفاء الجبهة من جماعة الإخوان للمطالبة بإصلاحات دستورية.
واستكمل نظام الحكم مرحليا حزمة الإصلاحات التي وعد بها، من إجراء تعديلات دستورية وإقرار قانون انتخاب جديد للبلاد وحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة تشرف عليها هيئة مستقلة، إضافة إلى إنشاء المحكمة الدستورية الأولى في تاريخ المملكة وتشكيل حكومة جديدة للتحضير لموسم الانتخابات.
في الأثناء، تتباين قراءات المراقبين الذي تحدثوا لـCNN بالعربية، حيال الأداء الرسمي من جهة وأداء جبهات المعارضة من جهة أخرى في التعاطي مع المشهد السياسي، حيث يحمل البعض مسؤولية انسداد الأفق السياسي لجميع الأطراف، فيما تحمل المعارضة مسؤولية "القطيعة" للنظام.
وتمسكت أطراف من المعارضة بالتصعيد السياسي دون استبعاد خيارات "الدعوة إلى عصيان مدني،" دون الحديث عن دعوات لرحيل النظام.
وزير الداخلية الأسبق، سمير الحباشنة، حمل من جهته كل من "جبهة المعارضة" والإدارة الرسمية" مسؤولية القطيعة المتبادلة، معتبرا أن سياسات بعض الحكومات "أدارت الظهر للمعارضة ولم تدشن حوارا حقيقيا هادئا وتوافقيا معها".
إلا أن الحباشنة يرى الآن وبعد حسم موعد الانتخابات النيابية ووجود أكثر من مليونين وربع المليون ناخب مسجل فإن إجراءها بات أولوية سياسية، وقال: "مع وجاهة الكثير من مطالب المعارضة لكن الدولة لن تصل إلى كل تلك المطالب الآن، الأولوية لإجراء الانتخابات ولا سبيل لتحقيق بقية المطالب إلا من خلال البرلمان المقبل، وها قد تم الاستفتاء على إجرائها من خلال عدد المسجلين".
ولا تلقى مقاطعة المعارضة لانتخابات أعقبت تعديلات دستورية استحسانا لدى المراقبين، خاصة مع تصريحات العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني الاثنين، خلال لقائه برئيس أول محكمة دستورية، حول أهمية الحراك في الشارع الذي وصفه بأنه سرع وتيرة الإصلاح، وإن كان قد انتقده ما قال إنها عملية "اختطاف" لجزء منه.
ومن هنا، دعا الحباشنة رئيس الحكومة الذي فشل في لقائه المبكر مع الإسلاميين، وفقا لمراقبين، إلى التفكير بإجراء حوار وطني حول "مستقبل العملية السياسية" ما بعد مرحلة الانتخابات، متسائلا عن المانع أمام إعادة طرح تجربة الميثاق الوطني، وهي وثيقة صدرت عام 1991 تضمنت رؤية شاملة للإصلاح بتوافق كل أطياف المعارضة والموالاة وترأسها عبيدات.
الحباشنة الذي كشف عن إعداد الجمعية لوثيقة مشابهة إصلاحية سيصار إلى طرحها في وقت قريب وإيصالها إلى مستويات القرار، يرى بالمقابل بضرورة بقاء الحراك الشعبي في الشارع معتبرا أنه "حركة طبيعية للشعوب"، خاصة مع استحقاقات استكمال عملية الإصلاح الاقتصادي التي تشكل هاجس الأردنيين.
ويؤمن الحباشنة بالتدرج في الإصلاح السياسي المستمر تحت عنوان المعارضة السلمية، قائلا إنه "لا يختلف مع المعارضة في النهايات لكنه يختلف في الأسلوب،" معتبرا أن "النشاط السياسي الكفاحي مطلوب" وأن الحديث عن تشكيل برلمانات شعبية "فكرة مقبولة سياسيا" لكن من الناحية الموضوعية "يبقى الدستور هو مظلة الجميع".
وفيما يتعلق ببعض المطالبات التي تتجاوز السقوف المعروفة بالدعوة إلى تقليص صلاحيات رأس الدولة من خلال تعديلات دستورية جذرية يقول الحباشنة: "لا يوجد هناك ما يهدد النظام الأردني طالما أن هناك خطوات مدروسة ومتدرجة في الإصلاح، العلاقة بين الأردنيين والحكم هي علاقة وطيدة."
ويؤيد الدبلوماسي والوزير الأسبق محمد داوودية، دعوات الانفتاح على قوى المعارضة والحراك الشعبي، معتبرا أن التصريحات الملكية بشأن الحراك هي نقلة نوعية يستدعي التنبه لها من مستويات القرار في الدولة ، قائلا إنها "وصفة للتخلص من حالة الاستعصاء السياسي".
ويرى داووية بضرورة استمرار الحراك الذي سيرافقه "بعض التوتر،" معتبرا أن الحراك الشعبي الحيوي "أسهم في إعدام الفساد سياسيا،" ورغم إجراء محاكمات متكاملة للمتهمين بالفساد، إلا أنه شدد على أن البرلمان هو المكان للإسهام لاحقا بمزيد من الإصلاحات المطلوبة.
وصف داوودية استمرار الحراك بالحالة الصحية ، معتبرا أن الحراك في الشارع هو "حراك راشد حتى الآن" وأن حق المقاطعة مقدس وحق المشاركة كذلك، قائلا إن الحراك هو دماء جديدة لا بد "أن تستمر بدلا من سيطرة النخب السياسية التقليدية على المشهد السياسي".
بالمقابل، تتمسك قوى المعارضة باستمرار التصعيد السلمي في الشارع، في الوقت الذي ما يزال فيه نحو 17 ناشطا رهن الاعتقال لدى السلطات الأردنية، حيث وجهت للعديد منهم تهما بإطالة اللسان وتقويض أركان الحكم.
وتستعد المعارضة الإسلامية بحسب قيادات فيها إلى صياغة برنامج عمل متكامل لمرحلة ما بعد الانتخابات النيابية، قد تتضمن تبني مقترحات بتشكيل برلمان شعبي والعودة إلى نهج الاعتصامات المفتوحة، للمطالبة بمزيد من التعديلات الدستورية وتعديل قانون الانتخاب الذي اعتبر الدافع الرئيسي وراء موقف المقاطعة.
من جهته اعتبر المعارض الدكتور لبيب قمحاوي أن إعادة ترتيب أولويات قوى المعارضة على ضوء ما جرى من إصلاحات هو "أمر مرفوض" في ظل ما قال إنه "اختطاف النظام لمطالب الإصلاح السياسي "بشكل مضحك" بحسب تعبيره.
ورأى قمحاوي وهو أحد مؤسسي الجبهة الوطنية للإصلاح التي يرأسها عبيدات، أن على المعارضة إعادة ترتيب أولوياتها لجهة "الاستمرار بتذكير النظام بما هو مطلوب منه " بالإصلاحات.
ويضيف قمحاوي: "من المضحك أن نعترف بأهمية المحكمة الدستورية مثلا التي يعين أعضاؤها من رأس النظام مباشرة ونتحدث عن إجراء انتخابات بعد فرض قانون الانتخابات بالقوة من مستويات القرار لا يمكن أن نسمي هذا إصلاحا بل انقضاضا على الحريات".
ولوح قمحاوي بالتوجه نحو "سياسة العصيان المدني في حال استمرار تجاهل المطالب الإصلاحية، فيما اعتبر أن الحديث عن نسب أرقام تسجيل عالية للانتخابات لم تأت بانسيابية "بل إن أجهزة الدولة استخدمت سطوتها في إجبار الناس على التسجيل".
واستشهد قمحاوي بعدة شكاوى وروايات تناقلتها مواقع تواصل اجتماعي وشكاوى شخصية، من إجبار المواطنين على التسجيل كشرط لاستكمال بعض المعاملات الإجرائية في الدوائر الحكومية.
وتتحفظ قيادات جماعة الإخوان المسلمين على أي محاولة لتحميلها مسؤولية حدوث انسداد في الأفق السياسي بينها وبين مستويات القرار، مشيرة إلى أن محاولات الحوار معها من بدايتها "لم تكن جدية"، رغم أن الحركة الإسلامية قد أبدت مرونة فيما يخص المطالب الإصلاحية.
ويرى القيادي في الحركة، ارحيل الغرايبة، أن الجماعة لن تتراجع عن الاستمرار في الحراك بالطرق السلمية، وما أسماه "مواصلة الضغط على النظام السياسي" لإحداث الإصلاحات.
وقال الغرايبة، إن الحركة الإسلامية ليست المحرك الرئيسي للحراك في الشارع، وأنها أبدت مرونة واضحة في الحوار مع الإدارة الرسمية، عندما "أصرت على تغيير قانون الانتخاب" مقابل جدولة بقية المطالب الاصلاحية المتعلقة بالتعديلات الدستورية.
وعن ارتفاع نسب التسجيل للانتخابات بحسب التصريحات الرسمية ، اعتبر الغرايبة أن ذلك ليس كافيا، وأن شرائح واسعة عزفت عن التسجيل، مشيرا إلى أن ذلك "سيظهر جليا في موسم الانتخابات من خلال المواقف السلبية التي سيمارسها المقاطعون".
وأكدت قيادات في الجماعة لـCNN بالعربية بدء التحضير لبرنامج عمل متكامل تجري مناقشته داخل المجلس الأعلى للإصلاح في الحركة الإسلامية، يتضمن مقترحات لم يتم التوافق عليها بعد كتشكيل برلمان شعبي وتصعيد ميداني وتشكيل جبهات مقاطعة مشتركة.
وترفض جماعة الإخوان المسلمين ومعها عدد من جمعيات الحراك الشعبي المشاركة وفقا لقانون الانتخاب القائم على اعتماد صوت للدائرة الفردية المطبق منذ عام 1992 رغم إدخال تعديلات طفيفة عليه بإضافة صوت لقائمة وطنية بسبعة عشر مقعدا، فيما تطالب فئات أخرى بتعديلات دستورية آنية ترسخ مبدأ تشكيل حكومات برلمانية.