جراءة نيوز-عمان:كشف رئيس مجلس الاعيان طاهر المصري في محاضرة بعنوان (إدارة الدولة الأردنية، بين النظرية والتطبيق) القاها امس الخميس في كلية الدفاع الوطني وجود منظومة متكاملة من المخاوف والهواجس والشكوك والجهل تجنح بالدولة الأردنية نظرياً في بعض الأحيان نحو التراجع عن الإقدام في اتباع سياسات تؤمن بها وبوجاهتها،لافتا الى انها منظومة سلبية تُعـزز وجودها وللأسف المطامع الإقليمية والدولية في جانب، وندرة الموارد وصعوبة الظرف الاقتصادي في جانــب آخر، إضافة الى أولئك الذين لم يؤمنوا بعـد بحقيقة أن الزمـن في تغير مستمر.
وبين بقوله:أن النابهين وحدهم هم من يملكون القدرة على قراءة الواقع، واستشراف المستقبل بعقول نيرة وقلوب فقيهة، فيسارعون إلى التحلل من بعض المفاهيم الجامدة وصولاً إلى بناء الدولة الجامعة بهويتها الوطنية الراسخة وثوابتها الأصيلة ومبادئها السامية ولمصلحة مواطنيها كافة على قواعد الحرية والمساواة، وترسيخ نهج الدولة العصرية المستندة إلى تجذير القانون والمؤسسية، وتعزيز مبدأ الشراكة المجتمعية على هذا الأساس، باعتبار أن الوطــن قيمة سامية في صدور مواطنيه، وهي قيمـة يتشارك في امتلاكها سائر مواطنيـه بلا استثنــاء ولامجال للتردد في الوفاء لها.
ولفت الى ان الحراك السلمـــي الشعبي الأردني الراهن، المطالب بتأصيل القيم دليل على وجود الذهنية الطيبة، برغـــم المؤثرات الإقليميــة والدولية ذات الانعكاس السلبي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً على مسيرة الدولة الأردنية.
مؤكدا أن التطبيق ليس بالصعب أو بالمستحيل أبداً، فالإدارة الأردنية وأكثر من سواها قادرة بما تملك من مقومات راسخة على التطبيق الآمن والسليم لكل الأفكار العظيمة والرؤى السديدة، وهي بذلك تقوي الوطن وتحصن المسيرة في مواجهة التحديات عندما تستند في نهج التطبيق إلى المبادئ النبيلة التي ينادي بها دستور الدولة بمعزل تام عن الهواجس والمخاوف، وبأسلوب عصري متدرج يؤمن بأن الإصلاح والتطور نحو الأفضل لا يكون بالقفز في الظلام، وإنما بتدرج يحاكي إرادة الشعب، وبشفافية تحظى باحترام الجميع، وبنزاهة ضامنة للمخرجات الصحيحة، وبمؤسسية تعبر عن مفاهيم وسياسات ونهج تقرره الأكثرية وتحترمه الأقلية.
وشدد على أن مؤسسية الدولة هي ركن أساسي من الدولة العصرية الديمقراطية، مؤكدا قناعته الكاملة في أن مفهوم الانتماء لابد وأن يكون انتماءً للوطن والدولة أولاً ولابد وأن يكون هذا الانتماء هو المظلة التي تندرج في إطارها وتأتي بعدها سائر الولاءات الأخرى، سواء للمنطقة أو الإقليم أو العائلة أو العشيرة، وهو مفهوم الدولة الذي يجب أن نعمل جميعاً على تحقيقه بأمانة وإخلاص، وليس بالشعارات الفاقدة لمضمونها، مشيرا الى حتمية إدراك أن هناك فرقاً بين العشيرة والعشائرية، فالعشيرة مؤسسة محترمة وضرورة اجتماعية وكلنا نستظل بظلها ومن الخطأ بالطبع تحويلها إلى وحدة سياسية، وكما نرفض تسييس الدين والعشيرة.
وبين انه ورغم الظروف الصعبة فالامل كبير بالمسيـرة، والدولة الأردنية وعبر تاريخها كله كانت دوماً الدولة الأصلب في مواجهة التحدي، فقد خرجنا من كل الحروب والنكبات والمؤثرات، التي ضربت مخططاتنا للإصلاح والتطوير أكثر قوةً وصلابة، وظل نظامنا السياسي الأردني وبرغم كل ذلك وسواه متماسكاً.
وقال:» من يتابع مجريات الأحداث والتطورات في الزمن الراهن يدرك أن هذا واقع يدفعنا ويحفزنا نحو استلهام مبادئنا ورؤانا والإقدام الواثق نحــو التطبيق الجاد دون وجل فما بناه الآباء والأجـــداد على أســس صحيحة يجب أن نحافظ عليه ولست أشك ولو للحظة في أن ذلك هو الأفضل لأن الانتظار والخضوع لحسابات الشكوك لم يعد في مصلحتنا أبدا»، مشيرا الى أن تاريخ بلدنا عامر بالقرارات والإجــراءات التاريخية الكبرى في زمن راهن فيه مراقبون كثر حتى على وجود بلدنا، ومع ذلك خابت رهاناتهم بحمد الله، وها نحن اليوم أفضل بكثير من غيرنا.
واستعرض المصري البدايات والظروف التي واكبت قيام الدولة وأثرها في مسيرتها الشاملة إن سلباً أو إيجاباً، مشيرا الى نشوء الدولة الأردنية مطلع القرن الماضي كثمرة للثورة العربية الكبرى، ونواة للحلم القومي والديني العربي والإسلامي آنذاك عندما تداعى أحرار الأمة للثورة من أجل الحصول على الاستقلال للعرب في بلادهم بزعامة شريف مكة الحسين بن علي، الامر الذي يعني أن القرار التاريخي باندلاع الثورة كان قراراً قوميا ودينيا بامتياز.