"حكايات الليدي ندى" رواية جديدة للدكتورة كلارا سروجي- شجراوي
لطيفة اغبارية
أهدتنا الكاتبة الفلسطينية الدكتورة كلارا سروجي- شجراوي، روايتها الجديدة " حكايات الليدي ندى"، الصادرة عن دار "نشر الآن- ناشرون وموّزعون" في الأردن، والتي تمّ عرضها في معرض القاهرة الدولي للكتاب "2019"، كما وستتوفّر في متجر "أمازون" لمن يملكون شغف القراءة.
الكاتبة من مواليد حيفا، تسكن في الناصرة، وتعمل محاضرة في قسم اللغة العربيّة وآدابها، في جامعة حيفا. صدرت لها مجموعتان قصصيتان "طواف، خربشات قصصية بحجم راحة اليد"، "وميلانخوليا الوجود، رَجفات ولوحات قصصية قصيرة"، بالإضافة لكتاب "نظريّة الاستقبال في الرواية العربيّة الحديثة، دراسة تطبيقيّة في ثلاثيتي نجيب محفوظ، وأحلام مستغانمي".
أن تجذبك رواية من كلماتها الأولى، فتشعر كأنّك وقعت في مصيدة فضولك، فيدفعك حبّ الاستطلاع إلى مواصلة القراءة، وتقليب الصفحات، ولا تشعر بنفسكَ إلا وقد انتهيت من الرواية. وهذا ما أرادته كاتبة رواية "حكايات الليدي ندى" حيث تجعلك مشدودًا من لحظة وقوع ناظريكَ على العنوان والغلاف، فتُقرّر كشف كواليس هذه الحكايات المثيرة، وتتنقل بين صفحات الرواية، دون أن تُجهدك كلارا التي تكره الحبكة التقليديّة المُصطنعة في الروايات، وأسلوب اللف والدّوران، كما وتكره الإطالة خلال مئات الصفحات من أجل إيصال فكرة معيّنة. مُدركة ما يصيب المتلقي من ملل، أو جهد، لذلك قامت بمنح القرّاء فرصة التنّقل والقراءة بين حكايات "الليالي" كيفما يشاؤون.
تقع الرواية في 135 صفحة من الحجم المتوسّط، صورة الغلاف جذابّة. وتهدي الكتاب لكل من ساهم في إبداع أجهزة الكمبيوتر وتطوير برامجه، لأنّهم قد جعلوا حياتنا أسهل وأكثر ذكاء، وبات الكشفُ عن سرّ الهوى المكنون والعيب المستور أسرع". ثمّ تبدأ الرواية بأربعة اقتباسات منتقاة بعناية، لـ غوته، البير كامو، ستيف جوبز، نوتسيو أوردين.
الرواية مبهرة إلى حدّ يصعب عليك كقارئ تركها، وعند الانتهاء منها تتمنى لو أنّ عدد صفحات الرواية كان أكثر، وأنك لم تنتهِ منها. وخلال القراءة تشعر أنّك مشارك فعّال في حياكة ونسج هذه القصص، وسدّ الفجوات، وتجعلك تتنقّل بين العديد من الأماكن والبلدات في الداخل الفلسطيني، والأزمنة والليالي بخفة وكأنّك تحلّق مع الرواية ، والتي سرعان ما تطير بك إلى بوسطن، سان خوسيه، لكنّ وجدان الراوية يتجلى بعشقها الحقيقي لأرض الوطن، وإن كانت توجّه بعض النّصال النقديّة السريعة التي تبرق في ذهن القارئ، ضدّ ظواهر مجتمعيّة سلبيّة كانعدام النظام، في أبسط الأمور الحياتيّة مثل اصطفاف سيارة بطريقة تضايق الآخرين، ومقابل وجود مثل هذه الظواهر التي تثير غضبنا، والتي لا نجدها في الغرب، تحاول الكاتبة تعزيتنا بأنّنا رغم المعاناة اليوميّة والأخبار والأحداث المُتعبة، فإنّ الغرب يفتقد إلى هذه الحميميّة التي يتميّز بها الإنسان والمواطن العربيّ.
السّرد في الرواية يعتمد على تكثيف الوصف، واستخدام اللغة الفصحى، والعديد من العبارات والجمل باللهجة العاميّة التي اختيرت بدقّة وعناية لتساهم في جذب المتلقي ولفت انتباهه، فتعلق في ذهنه، فيبتسم، ولسان حاله يقول للراوية "أحسنتِ".
يتضح تأثّر الراوية بحكايات "ألف ليلة وليلة"، من خلال استخدامها للعديد من العبارات والموتيفات المتكررة التي جاءت فيها، فقامت بتقسيم الحكايات إلى ثلاثين ليلة، واستلهمت فكرة الليالي للسرد كما فعلت شهرزاد، وبين هذه الليالي، تضع الكاتبة بعض "النصوص الخارجة عن الليالي، والمارقة عن النهارات" كما أسمتها. ويبرز أيضا التعالق النّصّي بسلاسة على سبيل المثال، عند استحضار مقولة لجبران خليل جبران. وما أنْ تنتهي من قراءة "الليالي" حتّى تظهر لك العبارات الأخيرة من الرواية بخاتمة سحريّة تعود بك إلى صورة الغلاف وهي لسيّدة جميلة وادعة تتأمل البحر؛ فتفيق من سحر "الليدي ندى" وقصصها الرائعة، لتشعر بسهاد كلمات السيّدة فيروز التي تُختتم بها الرواية: " من عز النوم بتِسرقني ..." فتتجلى هنا الصراعات في هذيان النهار، والمنامات الليليّة، فنسمع صوت غسان كنفاني المُبطّن "عائد إلى حيفا"... لكن الكاتبة قالت "عائدة إليك يا كرملي فأنا لا أريد كرمل الغرباء.
وختامًا، لم أتطرّق إلى مضمون القصص بعمق، حتى أترك لكم متعة القراءة والاكتشاف.