آخر الأخبار
  هل عودة ترامب تعتبر "بشارة خير" للأردن؟ باحث بريطاني يجيب ..   قرار حكومي بخصوص أسعار الخبز في المملكة   فصل التيار الكهربائي عن مناطق في الأردن الأسبوع المقبل   ضبط سائق "تريلا" غير مرخص يقود بطريقة متهورة   إيعاز مهم من وزارة التربية للمدارس   البنك الدولي يخصص 7.5 مليون دولار لتعزيز إدارة الإصلاح في الأردن   الأمن العام ينشر جدول الترخيص المتنقل في البادية   بري: نطوي لحظة تاريخية كانت الأخطر على لبنان   الأجواء الباردة ترفع الطلب على الغاز والكاز   حسان يزور السلط ضمن جولاته الميدانية الأسبوعية   مع ارتفاع الذهب.. هكذا بلغ سعر الليرة في الأردن   زين تجدّد التزامها بدعم جمعية قرى الأطفال الأردنية “SOS” للعام 25 على التوالي   تعميم حكومي على جميع الوزارات والمؤسسات   أورنج الأردن تستعرض إنجازات المبدعين والمبتكرين ضمن برامجها المجتمعية الرقمية في منتدى الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات 2024   الأرصاد: الشوبك والجفر تسجلان أقل حرارة بالأردن   الجمارك: ضبط 11 ألف عبوة سيجارة إلكترونية و (جوس) في شقة   الأردن يرحّب بإعلان وقف إطلاق النار في لبنان   أسعار الذهب ترتفع في الأردن   استمرار تأثر المملكة بالأجواء شديدة البرودة   الخيرية الأردنية تسير قافلة مساعدات جديدة لغزة

التنمية من أسفل.. مقترح للحالة الأردنية

{clean_title}
نحن بانتظار الإعلان عن الأرقام النهائية الحديثة المتعلقة بالفقر في الأردن من ناحية النِّسَب والأرقام والتوزيع الجغرافي.
فقد أعلنت دائرة الإحصاءات العامة عن الإنتهاء من المسح الإحصائي، ونظرا لأن المسح لا يقتصر على قضايا الفقر، فقد بدأت الدائرة بالإعلان عن بعض النتائج فعلاً في مجالات أخرى، غير انه يفترض أن نشهد في الأيام القادمة الإعلان عن الأرقام الخاصة بالفقر.
لقد تأخر الأمر هذه المرة كثيراً، إذ يعود آخر إحصاء إلى بيانات عام 2010 والتي أعلنت نتائجها العام 2012، وخلال فترة الانقطاع شهد البلد الكثير من التغيرات وخاصة في الجوانب الاقتصادية.
غير أن مشكلة الفقر والتنمية في الواقع لا تتعلق بعمليات الإحصاء ذاتها، فالرقم ضروري والقياس عنصر مهم، لكنه يأتي تالياً للظاهرة أو نتيجة لها، ومن الغريب أحيانا أن المسؤول أو الجهة المسؤولة يتصرف وكأن الدراسات والمسوحات ذاتها هي الإجراء الرئيسي المطلوب، وكثيرا ما يكون الجواب على سؤال: "ماذا فعلتم لمكافحة الفقر" هو "لقد قمنا بدراسته أو احصائه".
هذا المقال، يقترح أولا أن يجري الاعتراف، وبالطرق المناسبة، أن الفقر يتزايد بالتوازي مع تزايد عمليات الإحصاء والقياس، ونقول "بالتوازي" لأنه بالطبع لا علاقة سببية بين الفقر واحصائه ودراسته.
غير أن الإحصاء يعطينا المؤشر الكافي على حجم الظاهرة وتعقدها وتزايد خطورتها.
لقد امتنعت الحكومة عن الإعلان عن نتائج آخر إحصاء جرى فعلا وأنجز العام 2014 لسبب لا يمكن إنكاره، وهو النسبة العالية للفقر التي وصل إليها الإحصاء الذي بقي مكتوما رسميا.
مثل هذا الاعتراف بتزايد ظاهرة الفقر، يقود إلى اقتراح آخر يتصل بطرق المعالجة.
تستند برامج مكافحة الفقر على فكرة تقول إن "عمليات الإصلاح والتصحيح للاقتصاد الكلي تؤدي على الهامش، إلى تضرر بعض الفئات من السكان بشكل مؤقت، وتُصمم البرامج على أساس معالجة شؤون هذه الفئات وتخفيف الأضرار، عبر برامج الحماية والدعم المختلفة".
غير أن تجربة أكثر من عقدين على برامج مكافحة الفقر هذه، تبين أن ضرر السياسات الكلية لم يكن عملية مؤقتة، وأن هذه الفئات المتضررة هي في تزايد في العدد وفي النسبة.
أما ما يتعلق بالأثر الفعلي لبرامج مكافحة الفقر، فإنه باستثناء مساهمة صندوق المعونة الوطنية الذي يقدم دعما ماليا مباشراً لفئة من الفقراء، فإن باقي البرامج متواضعة التأثير.
غير أنه ويا لسوء حظ هذه البرامج ومعديها، فإن صندوق المعونة يقوم بعمله منذ العام 1986 أي قبل نشوء فكرة هذه البرامج وقبلأن تتعقد ظاهرة الفقر.
الاقتراح الآخر الذي يقدمه هذا المقال، يقوم على الاعتراف بأن السياسات الاقتصادية الكلية هي سياسات مُنتجة للفقر، ولكن نظراً إلى أن العقلانية تدفعنا للإقرار بصعوبة التصدي لهذه السياسات في ضوء علاقات الأردن الدولية الاقتصادية وحالة الاقتصاد ومشاكله الكبرى وحاجته أو اضطراره للقبول بسياسات مالية واقتصادية مشروطة ومحددة دوليا لكثير من البلدان ومن بينها دولتنا.
يلي ذلك الاعتراف، سعي لتبديل منهج التدخل والمعالجة، وبالذات التوقف عن أسلوب العلاج من أعلى، ذلك أن التنمية من أعلى تتطلب سياسات اقتصادية كلية منحازة للفقراء، وهذا غير ممكن وفق ما هو مشار إليه أعلاه.
إن سياسات وبرامج مكافحة الفقر القائمة حالياً أثبتت فشلاً واضحاً، رغم ما أنفق فيها وعليها من أموال بحجوم كبيرة نسبياً. إنها تنتمي إلى المدرسة ذاتها التي تنتمي إليها سياسات الافقار الكلية.
يوجد في الواقع نموذج بديل، ولحسن الحظ أن لهذا النموذج سيرة واقعية في بلدنا، أي أنه طبق فعلاً وإن لم يتخذ العناوين والأسماء ذاتها، لقد مر على بلدنا زمن كانت فيه إدارة شؤون التنمية الوطنية تجري وطنيا وتخضع للنقاش الوطني المستقل.
وقد يتفاجأ القراء من أنه كان بقدرة صاحب القرار الأردني أن يعتذر عن قبول المشاريع المقترحة من البنك الدولي لأنها لا تناسب متطلبات البلد التنموية، وتقرر الحكومة سحب مساهمتها المالية في موازنة البنك الدولي والتي بلغت حينها (75 ألف دينار).. حصل ذلك عام 1953!
لقد تغيرت الظروف الآن، ومن غير العقلاني مطالبة دولة صغيرة كالأردن بالتصدي لسياسات البنك الدولي أو رفضها.
لكن هناك هوامش يمكن العمل فيها، من دون تكلفة مالية أو سياسية إضافية.
تقوم فكرة التنمية من أسفل على التعرف على السيرة التنموية التفصيلية للمجتمع المحلي المستهدف، وعلى اللقاء مع الاستراتيجيات الذاتية في مكافحة الفقر التي يعتمدها السكان، والعمل على الالتقاء معها في منتصف الطريق.
وهذا يعني بناء نماذج تعتمد على مشاركة المجتمعات المحلية في التخطيط والتنفيذ والمسؤولية عن تحقيق الأهداف التنموية في مجالات مكافحة الفقر والحفاظ على ما تبقى من منجزات العقود الماضيةوخاصة في قطاعي التعليم والصحة.
رغم كل الكلام الدائر في البلد حول الفقر، فإنه للآن لم يتحول إلى قضية معقدة غير قابلة للحل.
ولم تدخل قضية الفقر في الحلقة المفرغة (فقراء يخلّفون فقراء، ومجموعات أو مجتمعات ترى أن الفقر هو مصيرها النهائي).
ومن حسن الحظ أن الدولة الأردنية اعترفت بالفقر مبكرا وأدخلته في خطابها التنموي.
إن الفقراء في الأردن لا يزالوا "تحت نظر" صاحب القرار والمخطط، ولم تتحول مناطق الفقر إلى "مجاهل"، ولا يعاني فقراء الأردن من الإقصاء الحاد، فهم حاضرون في نظام التعليم والصحة وفي المشاركة السياسية (مثلا: نسبة انتخاب عالية في المواقع الفقيرة)، وحتى الفقراء البعيدين عن المركز أو العاصمة لا يشعرون أنهم معزولون عن مجتمعهم...الخ.
إن الهدف في النهاية هو بناء نموذج أردني في مكافحة الفقر. ذلك أن الفقر ليس مجرد معطيات ومؤشرات كمية (على أهميتها بالطبع)، بل هو جزء من سياق اقتصادي اجتماعي ثقافي، فكل بلد ينبغي أن يتوصل إلى تعريف "محلي" للفقر، وبالتالي إلى طرق مناسبة (ثقافيا واجتماعياً) لمكافحته.
في المدخل المقترح، يفترض ان تبنى الأفكار والمفاهيم والخطط بالاستناد إلى خبرة الفقراء أنفسهم في مكافحة فقرهم، لأن أية مقاربة غير مناسبة سوف يتم رفضها "فعليا" من قبل المستهدفين، حتى لو تم قبولها علنياً أو شكلياً، وهذا ما حصل في عدد من المحاولات في السنوات الأخيرة.
ويتعين في هذه الأثناء، القيام بما يمكن أن نسميه "ترجمة ثقافية اجتماعية" للمفاهيم المصاغة والمعتمدة في الأدبيات الدولية حول الفقر، وعدم التردد عن التخلي عما هو غير مناسب منها.