تتطلع كرواتيا إلى بلوغ الدور نصف النهائي لنهائيات كأس العالم لكرة القدم للمرة الأولى منذ 1998، يوم استهلت مسيرتها للمرة الأولى كدولة مستقلة في مناسبة كروية كبرى، إلا أنها ستكون في مهمة صعبة أمام روسيا المضيفة في الدور ربع النهائي في سوتشي اليوم السبت.
في بطولة طبعتها المفاجآت، تفادت كرواتيا غير المتوقع. "جيل لوكا مودريتش"، سيكون أمام فرصة مثالية ليعادل على الأقل إنجاز "جيل دافور شوكر" في مونديال فرنسا قبل عقدين، على رغم ان مواجهة المضيف، أحد أبرز مفاجآت مونديال روسيا، قد تكون مغامرة غير محسومة النتائج.
أظهر لاعبو المدرب زلاتكو داليتش بعد سحقهم الأرجنتين في دور المجموعات بثلاثية نظيفة، انهم لا يخشون الأسماء الكبيرة. وباستثناء عبورهم الصعب الى ربع النهائي على حساب الدنمارك (3-2 بركلات الترجيح بعد التعادل 1-1)، لم يثر المنتخب القلق في أي مرحلة في الدور الأول، وتصدر مجموعته الرابعة بالعلامة الكاملة.
قال مودريتش الذي أضاع ركلة جزاء أمام الدنمارك قبل دقائق من نهاية الشوط الاضافي الثاني، لموقع الاتحاد الدولي (فيفا) "منذ 2008 (كأس أوروبا) لم نتخط المباراة الأولى في الأدوار الاقصائية، وكان من المهم جدا بالنسبة إلينا ان نزيل هذا الحمل عن أكتافنا".
وأضاف "حققنا نتيجة رائعة بعد أعوام من المحاولات، وهذا يعني الكثير بالنسبة إلي. أنا في هذا الفريق منذ العام 2008، واختبرنا العديد من الهزائم السيئة الحظ منذ ذاك الوقت، لاسيما ضد تركيا (ربع نهائي كأس أوروبا 2008 بركلات الترجيح) والبرتغال (ثمن نهائي كأس أوروبا 2016 بهدف قاتل قبل نهاية الشوط الإضافي الثاني)".
وتابع "كنا نحتاج الى بعض الحظ هذه المرة، واعتقد اننا كنا نستحق ذلك".
أثبت مودريتش (32 عاما) لاعب ريال مدريد الاسباني وأحد أفضل لاعبي خط الوسط في العالم، قوة شخصيته ضد الدنمارك، عندما تقدم في ركلات الترجيح لمواجهة الحارس كاسبر شمايكل الذي تصدى قبل دقائق لضربة الجزاء التي سددها. نجح مودريتش هذه المرة، ومعه أيضا نجح حارس المرمى الكرواتي دانيال سوباشيتش في التصدي لثلاث ركلات دنماركية.
أكد زميله المدافع دوماغوي فيدا "نحن نلعب في شكل جيد ولدينا لاعبون نستطيع عبرهم الذهاب الى النهاية السعيدة".
وكان مدافع ليفربول الانجليزي ديان لوفرن أكثر وضوحا في إجراء المقارنة بين الجيل الحالي وجيل 1998. وقال أول من أمس "نحترم جيل 1998. هو المنتخب الكرواتي الذي حقق أكبر نجاح حتى الآن (في كأس العالم) ورفعوا سقف التحدي عاليا جدا، لدرجة ان أحدا لم يماثله منذ 20 عاما".
وأضاف "تشكيلتنا الحالية قوية جدا، ولدينا فرصة تخطي ذاك الجيل".
مودريتش، ايفان راكيتيتش، ماريو ماندزوكيتش، ايفان بيريشيتش.. أسماء يحلم بها أي مدرب، ويبدو ان زلاتكو داليتش يخرج أفضل ما لديهم.
تولى داليتش (51 عاماً) تولى مهمة الاشراف على المنتخب في تشرين الأول (أكتوبر) 2017 بعد سقوطه على أرضه في فخ التعادل مع فنلندا المغمورة 1-1 في تصفيات المونديال. قاده إلى النهائيات من بوابة الملحق الأوروبي امام اليونان، كما أشرف على التقدم المستمر للمنتخب على رغم امور غير جيدة حدثت خارج المستطيل الاخضر.
ترافقت تحضيرات كرواتيا مع محاكمة الرئيس السابق لنادي دينامو زغرب زدرافكو ماميتش بتهمة الكسب غير المشروع، وتوجيه الاتهامات الى مودريتش بإعطاء شهادة كاذبة في القضية. كذلك أبعد مهاجم ميلان الايطالي نيكولا كالينيتش من صفوف المنتخب المشارك في النهائيات، لسبب معلن هو الاصابة، وسبب مضمر هو رفضه المشاركة كاحتياطي.
فرض داليتش شخصيته في المنتخب، وقوة شخصية التشكيلة ستكون على المحك لدى مواجهة روسيا على أرضها. لم يحظ الكرواتيون بتجارب سعيدة مع المنتخبات المضيفة في البطولات الكبرى: في نصف نهائي 1998، فرطوا بتقدمهم أمام فرنسا ليسقطوا 1-2 بهدفين للمدافع ليليان تورام.
وفي مونديال 2014، سقطت كرواتيا مجددا أمام المنتخب المضيف البرازيل، وذلك في الدور الأول الذي لم تتمكن من تخطيه.
بالنسبة لبلد لا يتجاوز عدد سكانه 4,3 ملايين نسمة، سيكون انجازا التفوق على بلد يتخطى عدد سكانه 142 مليون نسمة.
الا ان روسيا في المونديال الحالي لا تقتصر على الملاعب الجميلة والتنظيم الجيد. البلد الأسوأ تصنيفا بين المنتخبات المشاركة، تمكن من الوصول الى الدور ثمن النهائي للمرة الأولى منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، وأطاح بأبطال العالم 2010 اسبانيا بركلات الترجيح 4-3 (تعادل 1-1).
اعتمد المنتخب بشكل كبير على مدربه القدير ستانيسلاف تشيرشيسوف الذي صنع مفاجأة ويكتسب شعبية متزايدة في بلاده.
في تصريحات لموقع الفيفا، قال اللاعب الروسي إيليا كوتيبوف ان "سر نجاحنا ليس فقط التشكيلة الأساسية.. لكن كل من في الفريق، اضافة الى الفريق التدريبي والجهاز الفني، الكل يجمع في اتجاه الهدف نفسه".
وأضاف "كنا كلا موحدا، لا يهم ما اذا كنا نلعب أم لا، يمكن ان تشعر بالدعم من كل الأطراف في التشكيلة".
كرواتيا إمبراطورية خط الوسط
يضم المنتخب الكرواتي لكرة القدم أحد أفضل خطوط الوسط في المونديال الروسي إن لم يكن في العالم، يدين إليه بشكل كبير في تألقه اللافت ونتائجه الكبيرة في النسخة الحادية والعشرين من العرس العالمي.
كان إشراك نجمي خط وسط قطبي اسبانيا صانع الالعاب "القصير" لوكا مودريتش (ريال مدريد) و"المبدع" ايفان راكيتيتش (برشلونة) معا في التشكيلة الكرواتية يشكل معضلة للمدربين السابقين لـ "برازيليي اوروبا"، لكن المدرب الحالي زلاتكو داليتش عول عليهما فباتا نقطة القوة الاولى في التشكيلة.
منذ تعيينه في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، يومين قبل المواجهة الحاسمة في التصفيات ضد أوكرانيا، غير داليتش كل شيء.
وعلق مهاجم يوفنتوس الايطالي ماريو ماندزوكيتش على ذلك قائلا "شاهدنا في الملحق بأنه أصبح مهما بعد بضع مباريات".
في منتخب تعج صفوفه بالكثير من المواهب في خط الوسط، كان يتعين إيجاد حل للدفع بأكبر عدد منها على أرضية الملعب.
يقول حارس مرمى موناكو دانيال سوباشيتش "من الرائع مشاهدة هذا العدد الكبير من لاعبي خط الوسط، ولكن لا يمكن أن يلعبون جميعهم في الوقت نفسه. يلعبون في أكبر الاندية. لكن يجب أن نلعب كفريق حتى يتمكن الجميع من تقديم افضل ما لديه".
ويبدو أن داليتش وجد الوصفة السحرية التي غابت عن سلفه أنتي كاسيتش بنجاحه بين الصفات الإبداعية للنجمين راكيتيتش ومودريتش.
كانت النتائج مبهرة، تغلبت كرواتيا على اوكرانيا (2-0) في عقر دار الاخيرة وضمنت تأهلها للملحق الاوروبي حيث أكرمت وفادة اليونان 4-1 ذهابا في زغرب وتعادلت معها سلبا في أثينا، وحجزت بطاقتها للنهائيات.
كيف؟ أعاد مودريتش للعب كصانع ألعاب المعروف برقم 10، وهو مركز كان يشغله على الخصوص في بداية مسيرته الاحترافية، بعيدا أمام ايفان راكيتيتش الذي بات يشغل منصب لاعب الوسط المدافع بجانب لاعب وسط فيورنتينا الايطالي ميلان باديلي.
في عهد كاسيتش، كان مودريتش يلعب بعيدا عن المهاجمين ويقوم بواجبات دفاعية أكثر منها هجومية، فلم يكن يصنع الفارق، وحتى راكيتيتش، مارسيلو بروزوفيتش (انتر ميلان) وماتيو كوفاتشيتش (ريال مدريد)، كانوا يعانون في تمرير كرات جيدة وحاسمة إلى ماندزوكيتش.
لكن مع داليتش، أصبح مودريتش يلعب دور لاعب الوسط المهاجم والقريب من المهاجمين، حيث يبلي البلاء الحسن برؤيته الثاقبة وطلبه للكرات، حتى لو كان القائد يتعرض لضغط كبير من لاعبي المنتخبات المنافسة. أعاد الكرواتيون ترتيب خط وسطهم ولم يعودوا يعتمدون فقط على الجناحين إيفان بيريشيتش (انتر ميلان) وأندري كراماريتش (هوفنهايم الالماني) لتشكيل خطر على دفاعات الخصوم.
كما أن راكيتيتش الذي يلعب دورا دفاعيا أكثر منه هجوميا، بات في امكانه صناعة اللعب من بعيد، في حين أن باديلي يتكفل بإغلاق خط الوسط فقط، وبالتالي بات خط وسط كرواتيا أكثر توازنا ومنظما بشكل جيد.
وشدد كراماريتش على انه "لشرف كبير أن ألعب مع هؤلاء اللاعبين، من بين أفضل لاعبي خط الوسط في أوروبا والعالم. جميعهم يلعبون لأندية كبيرة. خط الوسط يبدو أنه أقوى نقاط القوة مع مودريتش وراكيتيتش".
من جهته، قال مدافع لوكوموتيف موسكو فدران تشورلوكا "قد أكون متحيزا بعض الشيء، لكن بالنسبة لي، هما أفضل لاعبي خط وسط في البطولة وأتمنى أن يقودانا إلى أبعد دور في المونديال"، مضيفا "يلعبان في أكبر الأندية ويقدمان أفضل أداء لهما مع كرواتيا في بطولة كبيرة".
نجح المنتخب الكرواتي بفضل عروضه الرائعة بقيادة مودريتش وراكيتيتش في محو خيبة كأس اوروبا 2016 بتخطي الدور ثمن النهائي الذي كان فشل فيه قاريا في فرنسا بسقوطه أمام البرتغال 0-1 بعد التمديد.
بلغت كرواتيا الدور ربع النهائي في المونديال الروسي وستواجه منتخب البلد المضيف السبت في سوتشي على امل بلوغ دور الأربعة للمونديال للمرة الأولى منذ تأهلها التاريخي في مونديال فرنسا 1998 في اول مشاركة لها كدولة مستقلة. ويحلم مدافع دينامو كييف الاوكراني يوسيب بيفاريتش قائلا "أتمنى أن نجد نفس الطاقة التي كانت لدينا في كأس أوروبا في فرنسا ومع القليل من الحظ يمكننا أن نذهب أبعد من ذلك" في روسيا.