م تكن تعلم حورية قرايرية ابنة مدينة سطيف شرقي الجزائر أن محنتها بفقدان أبنائها الثمانية الواحد تلو الآخر، وإصابتها بداء السرطان بعد ذلك، ستكونان سببا في أن تصبح قصة نجاح تذكرها جميع الألسن كنموذج رائد في عالم الخير والعطاء.
حورية -وهي أستاذة سابقة وتعمل كمصممة أزياء- كانت محاطة بمجموعة من الأطفال في عمر الزهور في ليلة رمضانية بهيجة بإحدى فنادق ولاية سطيف، حيث أشرفت على حفل توزيع كسوة العيد على مئة يتيم.
علاقة حورية بالمحتاجين والفقراء حسب ما روت للجزيرة نت كانت قديمة العهد، فمنذ سنوات شبابها الأولى تربت على فعل الخير ومساعدة المحتاجين والفقراء، بيد أن عملها كان سلوكا فرديا ومحدودا ومرتبطا بإمكاناتها المتواضعة، غير أن التحول في مسارها التطوعي كان بعد زواجها بسنوات قليلة، وهي السنوات التي شهدت البدايات الأولى لمحنتها.
ولأن حلم كل امرأة متزوجة أن تحظى بنعمة الولد، كان حلمها أن ترصع زواجها بولد يكون قرة عين لها ولزوجها، وهو الحلم الذي تحقق لكنه لم يكتمل، فالقدر شاء أن يخطف من بين يديها أبناءها الثمانية الواحد تلو الآخر، فكلما بدأت -حسبما تقول والدموع تغالب عينيها- "في تذوق مشاعر الأمومة والاستمتاع ببريق عين وليدها وجمالها، ويداه الناعمتان تمسكان بصدرها الحنون للارتواء بحليبها، يحل القدر الذي لا مفر منه، ويخطف منها ذلك الابن أو تلك البنت قبل إكمال عامه الأول".
المحن تتوالى
ورغم ألمها وحزنها الكبيرين فإنها لم تستسلم، ومع مرور الأشهر وجدت ضالتها واكتسبت عائلة جديدة، فبعدما فقدت ثمانية أطفال، وجدت معها عشرات الأطفال الذين غمروها بمشاعر الحب والودّ، وذلك خلال زياراتها المتكررة لمركز الطفولة المسعفة بمركز مدينة سطيف، فكان ذلك سببا قويا للتغلب على ألمها، فقررت طي الصفحة وبداية صفحة جديدة من عمرها مع الأطفال المحتاجين.
ولأن المركز كان يعاني من عدة نقائص، فكان مشروعها الخيري الأول هو إعادة تهيئته، وربطت شبكة من النساء الناشطات في مجال العمل التطوعي، كما نسجت شبكة علاقات مع المحسنين ورجال الأعمال، واقترحت عليهم فكرة إعادة تهيئة ذلك المركز، وهو المشروع الذي تحقق بعد أشهر قليلة فقط.
ورغم نجاح حورية في تجاوز محنتها، فإن القدر كتب لها فصلا جديدا من المعاناة حينما اكتشفت إصابتها بداء السرطان على مستوى الرأس، مما أجبرها على إجراء عملية جراحية لاستئصال الورم السرطاني، وهي العملية التي لم يكتب لها النجاح وتسببت لها في مضاعفات أخرى، وهي فقدان بعض الحواس مثل الشم والسمع وباتت مجبرة على استعمال آلة سمع، وأخبرها الأطباء بضرورة إجراء عملية جراحية ثانية بعد مرور عام من عمليتها الأولى.
وقبل اكتشافها الإصابة بداء السرطان كانت قد خططت لمشروع خيري جديد هو إعادة تهيئة دار العجزة (مركز رعاية المسنين) في صالح باي جنوبي مدينة سطيف، ولم يمنعها المرض دون تحقيق الحلم، حيث قررت أن تتحدى الألم. وقبل أن تنزع عنها ضمادات العملية الجراحية التي كانت تلف رأسها، أجرت العديد من الزيارات الميدانية لرجال الأعمال لإقناعهم بفكرة تمويل المشروع.
وبعد سبعة أشهر فقط نجحت بفضل المحسنين في إعادة تهيئة المركز بشكل كامل، وهو المركز الذي كان يعاني من أوضاع متردية حولت حياة المسنين إلى جحيم يومي لا يطاق. ورغم أن إكمال المشروع لم يكن بالمهمة السهلة لأنه استهلك أموالا كبيرة، فإنها نسيت معاناتها التي لا توصف خلال تلك الشهور السبعة بعدما رأت البسمة تترسم على شفاه هؤلاء المسنين، ومدى سعادتهم بمركزهم في حلته الجديدة.
أم الأيتام
حورية أو "أم الأيتام" وهو اللقب الذي بات يطلق عليها، قامت بمشاريع خيرية عديدة، فإلى جانب كسوة العيد التي يستفيد منها كل عام عشرات الأطفال، تقدم في فصل الشتاء كسوة الشتاء للأطفال المحرومين. كما ساعدت من خلال المحسنين عدة نساء أرامل يعانين أوضاعا معيشية مزرية بإعادة تهيئة بيوتهن الهشة والآيلة للسقوط. ومن أنشطتها الأخرى تجهيز العرائس حيث تعمل رفقة مجموعة من النسوة لتوفير حاجيات النساء المحرومات والمقبلات على الزواج.
وعن مشاريعها المستقبلية كشفت عن مشروع لزواج جماعي خاص للشباب المحتاجين، وذلك بتوفير مستلزمات الزواج، بداية من قيمة المهر، مرورا بأثاث البيت ووصولا إلى تغطية نفقات حفل الزفاف. وأوضحت حورية أن "الفئة المستهدفة من هذا المشروع هي الشباب الذين يعملون براتب ضعيف لا يمكنهم من تلبية متطلبات الزواج".