يرى خبراء اقتصاديون، أن السياسات الاقتصادية الخاطئة واستراتيجيات محاربة الفقر المطبقة أسهمت خلال السنوات الأخيرة في زيادة معدلات الفقر وأعداد الفقراء.
ويتوقع هؤلاء أن تكون هناك زيادة في أعداد الفقراء، خصوصا مع تراجع معدلات النمو الحاصلة وارتفاع البطالة وارتفاع الأسعار، في ظل القرارات الحكومية الأخيرة التي زادت من نسب ضريبة المبيعات على السلع والخدمات.
يأتي هذا في الوقت الذي يوجد فيه في المملكة 6212 ألف أسرة "غير آمنة غذائيا"، فيما هناك 71347 ألف أسرة أخرى تصنف تحت اسم "هشة غذائيا".
وتقدر هذه الأرقام أنّ 0.5 % من إجمالي الأسر في المملكة غير آمنة غذائيا، فيما أنّ 5.7 % من أسر المملكة هشة نحو انعدام الأمن الغذائي.
وبنيت هذه الأرقام على أساس مسح دخل ونفقات الأسرة الأخير لاستخراج معدلات الفقر، بدون الإعلان عن معدلات الفقر الرسمية حتى اليوم أو عن خط الفقر، مع العلم أنّ العينة التي أجري عليها هذا المسح كانت شملت 1.253 مليون مواطن.
ووفقا للخبير الاقتصادي، منير حمارنة، فإنّ مثل هذه الأرقام هي دليل واضح على فشل السياسات الحكومية في معالجة الفقر.
وأضاف أنّ نسب الفقر في ارتفاع مستمر وباتت تزداد عاما بعد آخر، مشيرا الى أنّ معدل دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي يتراجع أيضا، وهناك الكثيرون ممن يقتربون الى حالة الفقر.
وتزداد هذه النسب مع "الغلاء" الحاصل، وفق حمارنة، والذي أدى الى تراجع قدرة الناس على الاستهلاك وتحولهم الى التركيز على السلع الأساسية في استهلاكهم، ومع زيادة الغلاء، فإنّ هناك أسرا لن تتمكن من توفير حتى السلع الأساسية لتدخل ضمن "عدم الأمن الغذائي" أو "الهشاشة".
يشار إلى أنّ الأسر غير الآمنة غذائيا كانت قدرت العام 2010 بـ3887 ألف أسرة؛ أي أنها ارتفعت بنسبة 60 % خلال الفترة 2010 و2013.
ووفقا للخبير الاقتصادي، قاسم الحموري، فإنّ زيادة معدلات غير الآمنين غذائيا مؤشر واضح على فشل السياسات الاقتصادية واستراتيجيات محاربة الفقر.
وتزامن ذلك، وفق الحموري، مع ضعف النمو الاقتصادي المرتبط بتراجع الاستثمارات والسياسات الأخرى التي استهدفت محاربة الفقر.
ويشار هنا الى أن معدلات الفقر ارتفعت خلال السنوات الأخيرة؛ حيث بلغت 13.3 % في 2008، فيما بلغت 14.4 % العام 2010، فيما أنها تقدر حاليا بحوالي 20 %، بحسب التصريحات الرسمية.
ويشار هنا الى أن خط الفقر الغذائي للفرد بلغ العام 2010 حوالي 336 دينارا سنويا (30.5 دينارا شهريا) وللأسرة حوالي 1814.4 دينارا سنويا (151.2 دينارا شهريا للأسرة).
فيما بلغ خط الفقر المطلق (الغذائي وغير الغذائي 813.7 دينارا للفرد سنويا؛ أي 366 دينارا شهريا للأسرة).
وبحسب الخبير الاقتصادي، زيان زوانة، فإنّ السياسات الحكومية حولت الفقر الى "فقر مستدام"، مشيرا إلى أنّ الحكومة لم تبرز منذ 2010 أي دراسات توضح مستويات الفقر في المملكة، لكن ورغم ذلك فإنه من السهل إدراك بأن معدلات الفقر في ازدياد مستمر، خصوصا مع ارتفاع معدلات البطالة والتي تعد "متلازمة" للفقر وفي ظل ارتفاع الأسعار نتيجة القرارات الحكومية خلال السنوات الأخيرة والتي أدت الى زيادة كلف الحياة والغذاء.
وكانت الحكومة بدأت بتطبيق قرار رفع الدعم عن الخبز في 28 كانون الثاني (يناير) من العام الحالي؛ حيث أصبح سعر كيلوغرام خبز الكماج الكبير بدون تغليف 32 قرشا مقارنة مع 16 قرشا، وسعر كيلوغرام خبز الكماج الصغير 40 قرشا بدلا من 24 قرشا، وخبز الطابون أو المشروح أو المنقوش أو الوردة 35 قرشا بدلا من 18 قرشا.
كما قامت بعد هذا القرار بأيام بإخضاع نحو 164 سلعة لضريبة 10 %، فيما أخضعت سلعا أخرى (كانت معفاة) لضريبة 4 % و5 %، كما قامت برفع ضريبة المبيعات بمقدار 6 % على بنزين 90 لتصل الى 10 % والبنزين 95 من 24 % الى 30 %، وزادت أجور النقل العام 10 %.
وفي السياق ذاته، فقد كانت الحكومة قررت مؤخرا مضاعفة شرائح المنتفعين من برنامج صندوق المعونة الوطنية لتشمل 85 ألف أسرة جديدة، خلال الفترة 2019-2021 وبكلفة مالية تقدر بزهاء 100 مليون دينار. فيما يبلغ عدد الأسر المنتفعة حاليا من الصندوق 92 ألف أسرة، وبذك سيصل مجموع الأسر المنتفعة إلى 177 ألف أسرة تدريجيا وعلى مدار ثلاث سنوات، والذي اعتبره أيضا خبراء واقتصاديون مؤشرا على فشل الحكومات في محاربة الفقر.
ويشار هنا الى أنّ دراسة رسمية صادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي في تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، أشارت إلى أنّ حزمة الضرائب التي فرضتها الحكومة على مجموعة من السلع في شباط (فبراير) 2017 اضطرت أسرا أردنية من ذات الدخل المحدود لتغيير نمط استهلاكها بشدة؛ إذ استبدلت سلعا بأخرى فيما تخلت أسر فقيرة عن استهلاك بعض السلع تماما.
وأوضحت أن أضرار الضرائب لم تقتصر على الأسر، بل شملت القطاعات الاقتصادية الرئيسية التي باتت تواجه خطر تراجع النمو بفعل الضرائب؛ حيث تخلى 49 % ممن يعيشون تحت خط الفقر عن شراء بعض المواد.
وكانت الحكومة قامت في شباط (فبراير) الماضي برفع الضريبة العامة على المبيعات والرسوم الجمركية على بعض المواد والسلع، وذلك في سياق سعيها لتأمين 450 مليون دولار كجزء من خطة تضييق العجز في الموازنة في إطار التفاهم مع صندوق النقد الدولي.
وجاء في "تقرير تحليلي" لحالة الأمن الغذائي في الأردن والمعد من دائرة الإحصاءات العامة ومنظمة الغذاء العالمية، أنّ الأسرة غير الآمنة غذائيا تنفق 4157 دينارا سنويا (346 دينارا شهريا) منها 1606 دنانير سنويا (133 دينارا شهريا) على الأغذية، فيما الأسر الهشة تنفق 5736 دينارا سنويا (478 دينارا شهريا)، منها 2296 دينارا سنويا (191 دينارا شهريا).
أما دخول هاتين الفئتين، فتشير الأرقام إلى أنّ 80.3 % من الأسر التي يقل دخلها عن 5 آلاف دينار سنويا (416 دينارا شهريا) هي أسر غير آمنة غذائيا، فيما 57.1 % من الأسر التي يقل دخلها عن 5 آلاف دينار سنويا هي أسر "هشة".
كما تضيف هذه الأرقام أنّ 17.2 % من الأسر التي يتراوح دخلها بين 5 و10 آلاف دينار سنويا (416-833) دينارا شهريا، في حين أنّ 35.1 % من هذه الفئة هي أسر مهمشة غذائيا.
ووفقا للتقرير ذاته، فإنّ 14 % من الأسر غير الآمنة غذائيا والأسر الهشة تلقت معونات نقدية أو عينية من صندوق المعونة الوطنية مقابل 86 % من تلك الأسر لم تتلق أي معونة.
ويحدث انعدام الأمن الغذائي عندما يعاني الناس من نقص التغذية نتيجة انعدام توفر الغذاء أو عدم التمكن من الحصول عليه.
والأشخاص غير الآمنين غذائيا هم الأشخاص الذين تكون مقاديرهم الغذائية أقل من الاحتياجات الضرورية الدنيا من السعرات الحرارية، وأولئك الأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض بسبب نقص التغذية والطاقة الناجمين عن عدم كفاية وجباتهم الغذائية أو عدم توازنها أو عدم قدرة الجسم المرضية على الاستفادة من الغذاء.
أما "الحالة الحرجة"-"الهشاشة" فهم الأشخاص الذين تكون مقاديرهم الغذائية أقل من الأشخاص الآمنين غذائيا، وأكثر من الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ما يجعلهم عرضة لانعدام الأمن الغذائي عند التعرض لأي صدمات مستقبلية. وتتحدد درجة ضرر الأفراد والأسر والجماعات بمدى تعرضهم لهذه العوامل وقدرتهم على التكيف مع أوقات الأزمات.