خبراء: توسيع صلاحيات المدقق الضريبي يفتح بابا للرشوة والفساد
يطرح المشروع المعدل لقانون ضريبة الدخل، العديد من التساؤلات حول أسباب تعظيم وتعزيز صلاحيات "المدقق الضريبي" إلى حد "التغول"، في ظل اعتراف وزير المالية بوجود فساد متجذر في دوائر وزارة المالية، يصل إلى حد التلاعب بالوثائق الرسمية.
ويحذر خبراء قانونيون من خطورة تعزيز (انفلات) دور المدقق الضريبي، قضائيا وإداريا وماليا، من خلال إنشاء دائرة جديدة تعرف باسم "دائرة التحقيقات المالية"، لما فيه من مخالفة دستورية، بحسب قانونيين، رأوا في ذلك خلقا لمؤسسة موازية للقضاء، واعتداء على صلاحيات واستقلال السلطة القضائية، كما أنه يتعارض مع قانون المصرفية السرية.
أما الخبراء الاقتصاديون فاعترضوا على تمدد وتوسيع صلاحيات "المدقق الضريبي"، في ظل ارتفاع معدل التدقيق الضريبي ليبلغ 40 %، وهي أعلى من المعدلات العالمية، ما يعني أن ذلك مؤشر سلبي محليا.
ويرى الخبراء أن القانون الجديد أعطى صلاحيات للمدقق الضريبي يعاقب بموجبها من يتقدم بالإقرارات الضريبية ويعفي المتهرب، ناهيك عن محاذير الاجتهاد الشخصي للمدقق، في ظل غياب الأنظمة المساندة، وكذلك غياب نظام الفوترة، ما يعطي مجالا للمدقق أن يتلاعب بالإقرارات الضريبية لأنه معفى من عبء التكليف، الأمر الذي يفتح المجال لدخول المدقق الضريبي في باب الرشوة والفساد والمحسوبية.
وأشار هؤلاء إلى أنّ مشروع القانون الجديد فيه "تعد على صلاحيات واستقلال القضاء"، وبالتالي مخالف للدستور، فيما يرى البعض ضرورة أن يكون هناك نظام إلكتروني مساند لدائرة ضريبة الدخل.
ورغم إقرار الحكومة المسبق بوجود فساد في دوائر ضريبة الدخل والمبيعات والجمارك على لسان الوزير عمر ملحس، إلا أن مشروع القانون الجديد يتضمن مادة تنص على إنشاء "دائرة مستقلة تسمى "دائرة التحقيقات المالية"، التي ترتبط بالوزير وتمارس مهامها وصلاحياتها بالتحقيق في الجرائم المالية بصورة مستقلة وبدون تدخل بعملها من قبل أي جهة".
واعتبر نقيب المحامين الأردنيين، مازن ارشيدات، مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد الذي يشمل إنشاء دائرة للتحقيق الضريبي "تعديا على صلاحيات واستقلال القضاء"، ووصفه بالأمر الخطير جدا.
وأضاف ارشيدات أن مشروع قانون ضريبة الدخل مخالف للدستور، بحيث لا يجوز وضع ضريبة على شعب غير قادر على الدفع، كما أن إنشاء دائرة للتحقيق الضريبي يتعارض مع قوانين عدة منها قانون السرية المصرفية التي يتبعها البنك المركزي.
وتتمتع الدائرة الجديدة بصلاحيات السلطة القضائية، خصوصا وأنها مخولة بالكشف عن سرية الحسابات البنكية، الأمر الذي يعد مخالفا لقوانين عدة أهمها قانون السرية المصرفية، وهو أمر محصور بالسلطة القضائية.
ويرى أن هذه الدائرة لديها صلاحيات أقوى من صلاحيات الضابطة العدلية والمدعي العام، متسائلا لماذا يتم إنشاء هيئة موازية للقضاء، وهو أمر يعد تعديا على السلطة القضائية، وهو ما تشدد نقابة المحامين على رفضه.
ويعرف قانون ضريبة الدخل لسنة 2014 "المدقق" بـ"موظف الدائرة الذي يتولى تدقيق الإقرارات الضريبية وتقدير الضريبة واحتساب أي مبالغ أخرى مترتبة على المكلف والقيام بأي مهام وواجبات أخرى منوطــة به وفق أحكام هذا القانون". وقد أعطي المدقق في مواد هذا القانون صلاحيات عدة.
أما مشروع القانون الجديد فقد تضمن إنشاء دائرة مستقلة تسمى "دائرة التحقيقات المالية"، ترتبط بالوزير وتمارس مهامها وصلاحياتها بالتحقيق في الجرائم المالية بصورة مستقلة وبدون تدخل بعملها من قبل أي جهة. وعرف عبارة "الجريمة المالية" بأنها الجريمة المرتكبة خلافا لأحكام قانون ضريبة الدخل والمبيعات رقم 34 لسنة 2014 وقانون الضريبة العامة على المبيعات رقم 6 لسنة 1994 وتعديلاته وقانون الجمارك رقم 20 لسنة 1998 وتعديلاته والتشريعات المتعلقة بالأراضي والمساحة وأي قوانين أخرى تحل محلها، وأي تشريع يتعلق باللوازم والعطاءات بما في ذلك جريمة الرشوة والاختلاس واستثمار الوظيفة المنصوص عليها بالمواد 171 ولغاية 177 من قانون العقوبات رقم 16 لسنة 1960 وتعديلاته وأي جريمة أخرى يقررها مجلس الوزراء باعتبارها جريمة مالية بناء على تنسيب وزير المالية.
نائب رئيس الوزراء الأسبق، الدكتور جواد العناني، أكد أنّ هيكلية دائرة الضريبة تقوم على أنّ عدد المدققين أضعاف المفتشين الميدانيين.
وهذه الهيكلية جعلت الضريبة تقوم بنسب تدقيق عالية من الكشوفات المقدمة تقدر بـ40 %، وهي نسبة مرتفعة اذا ما تمت مقارنتها بالعالم؛ حيث لا تتجاوز هذه النسبة الـ10 %، مشيرا إلى أنّ "القانون الجديد يعاقب كثيرا ممن يقدمون إقرارات ضريبية فيما يعفى المتهرب"، وهذا سيؤدي الى حالة من "الإرباك" في الدائرة.
وذكر العناني أنّ الدائرة لا تستخدم "أنظمة مساندة" للتدقيق وتعتمد على الاجتهاد الشخصي، مؤكدا ضرورة عمل "نظام فوترة" حتى لا يكون هناك تهرب ضريبي سواء من الدخل أو من المبيعات.
وبين ضرورة إدخال "أنظمة الكترونية مساندة" والاستغناء عن "الذهاب إلى المؤسسة أو الشركة من دون إنذار مسبق وتهديد أصحاب الشركات، ما يفتح باب الرشوة".
وقال العناني إنّه لا بد أن يكون هناك قانون واضح مختصر وأن يتم بناء نظام الكتروني يسمح بالتدقيق من دون مجابهة مع المكلف.
المحامي المتخصص بالشؤون الضريبية، عبد الرحيم الحياري، أكد أنّ السلطة الممنوحة للمدقق "غير محدودة" لأنّ عبء الإثبات يقع على عاتق المكلف وليس المدقق، وبالتالي فإنّ المدقق يستطيع التلاعب بالإقرارات وزيادتها بصورة كبيرة لأنه غير مطلوب منه إثبات صحة قراره كمدقق.
وأشار إلى أن المادة 46/أ من القانون الأصلي رقم 34 لسنة 2014 لن تعدل بالمشروع الجديد والتي تلقي بعبء الإثبات على عاتق المكلف، وهذا الأمر مخالف للقوانين والأنظمة كافة ومخالف للقاعدة الفقهية التي تقوم "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر".
وأشار إلى أنّ القانون الجديد عزز من ذلك وأعطى صلاحيات أكبر للمدقق.
وأكدت الحكومة، في مسودة المشروع، أنها ستستخدم التقنيات والوسائل الحديثة في المعاملات الضريبية بحيث يتم السماح بالتسجيل لدى دائرة ضريبة الدخل والمبيعات، وتقديم الإقرارات الضريبية ودفع الضريبة من خلال الوسائل الإلكترونية، وذلك تسهيلا على المكلفين وتحصيل الضريبة في مواعيدها القانونية على أن يصدر نظام تحدد فيه شروط وأحكام وإجراءات التسجيل.
وتركز الحكومة في التشريع على "رفع كفاءة التحصيل الضريبي من خلال الالتزام الطوعي بأحكام القانون، بحيث يتوجب على المكلفين الخاضعين للضريبة، ضرورة تقديم الإقرارات الضريبية خلال المدة المحددة بالقانون، وذلك تجنبا للغرامات القانونية".
يشار هنا الى أن وزير المالية عمر ملحس، كان قد تحدث عن "وجود فساد في دوائر الضريبة العامة والمبيعات والجمارك والأراضي والمساحة"، واصفا إياه بـ"المتجذر، وقال إنّ صور الفساد ليست بالضرورة من خلال الرشوة وإنما بالتلاعب بالوثائق الرسمية.
وقال الوزير وقتها، قبل صدور مشروع القانون بأشهر "إن أسرع أنواع الفساد يتم في دائرة الأراضي والمساحة من خلال التلاعب في تقديرات عمليات بيع وشراء العقارات"، فيما أشار إلى أن من أسباب التهرب الضريبي "عدم وجود عقوبة رادعة للمتهرب، لذلك فقد تم التركيز في القانون المعدل للضريبة الذي سيحال إلى مجلس النواب لتغليظ العقوبة على المتهربين".
وجاء في مسودة مشروع القانون أن الأسباب الموجبة لتعديل القانون الرغبة بأن "تصب التعديلات في إطار تحقيق مبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية، وبما لا يتجاوز مقدرة المكلفين على الأداء وحاجة الدولة الى المال".
وجاء في الأسباب الموجبة أيضا، التركيز على تغليظ العقوبات على المتهربين ضريبيا، وذلك بفرض عقوبة تصل إلى حد الجناية بدلا من الجنحة، وبحيث تكون هذه العقوبات الدرع الواقية للمحافظة على التزام المكلفين بدفع الضرائب المفروضة عليهم حسب أحكام هذا القانون، بحيث تصبح أحكام القانون متضمنة عقوبة السجن لمدة غير قابلة للاستبدال بقيمة مالية حتى تكون العقوبة رادعة لمن تسول له نفسه التهرب من دفع الضريبة.