أن يتزوج شاب أعزب بامرأة مطلَّقة في مجتمعنا العربي!
الحديث عن بعض الأشياء، التي تكمن في باطن أعماقنا، يبقى سراً دفيناً، نحدّث به أنفسنا عندما تجوب في خاطرنا من حين لآخر، ولا يروق لنا الحديث عن تلك الأشياء أمام الآخرين لأسباب عديدة، مثل الخوف من أقاويلهم، أو من اضطهادهم لنا، أو تغيير وجهة نظرهم بنا.
ذلك الأمر أدركته تماماً عندما أخبرني أحد الأصدقاء أنه قرر الزواج والانتقال إلى مرحلة جديدة في حياته، لكنه لم يبدُ لي في واقع الأمر أنه كان سعيداً باتخاذ مثل هذا القرار، وكأنه لا رغبة له به، أو تلبية لطلب عائلته، أو مجرد تحقيق سُنَّة من سنن الحياة أو ما شابه ذلك.. وعندما أردف حديثه قال: إنه أحب فتاة وأراد الارتباط بها، لكنه علم مؤخراً أنها (مطلقة) وأن زواجها لم يكمل سوى عدة شهور، رغم أنها جميلة وصغيرة ومثقفة وبها جميع الصفات التي يتمناها فإنه لم يستطِع الارتباط بها.. فهي غير مناسبة من وجهة نظر المجتمع ولا تليق به كونه شاباً عزباً، ومجرد فكرة الحديث عن الموضوع مع عائلته تسبب له القلق والتوتر خوفاً من المشاكل والخلافات التى قد يواجهها معهم.. وهو يعلم أنه في غِنى عن كل ذلك.
لقد حسم أمره فما بيده حيلة، وعليه الاستسلام للأمر، وصرف النظر عن فكرة الارتباط بتلك الفتاة؛ لما سيترتب عليه من عواقب وخيمة من وجهة نظره.
كثيرة هي القصص التي تتمحور حول ارتباط شاب أعزب بفتاة أخرى مطلقة أو أرملة أو أكبر منه سناً.. فهناك قصة أخرى لشاب ترك فتاة حينما تقدم لخطبتها رغم أنها كانت مناسبة له من كل المقاييس؛ حيث صارحته بأن أحد أقربائها كان قد عقد عليها قرانه، لكنهما لم يستمرا معاً لظروف معينة، وكأنها ارتكبت جريمة كبيرة في حقه.
بصراحة مطلقة ترددت كثيراً قبل كتابة هذا المقال؛ حيث فكرت بإجابة لسؤال وجهته لنفسي: ماذا لو كان أخي في مثل هذا الموقف؟.. وأعجب بفتاة كانت مطلقة.. وتحدث إلينا طالباً منا التقدم لخطبتها وتزويجها له، ماذا ستكون ردة فعل العائلة تجاه موقفه؟ بالطبع سيكون هناك رفض تام للفكرة؟ ولكن لو تساءلنا ما الدوافع وراء هذا الرفض؟ هل هناك أسباب منطقية ومبررات مقنعة للرفض التام؟ أعتقد سنصمت قليلاً؛ لأننا لم نجد إجابات لتلك الأسئلة.. والرد الوحيد في مثل هذا الموقف: (ماذا سيقول الناس عنك؟!)، وكأنه غير مهم ما ستبنى عليه سعادته وراحة باله، الأهم من ذلك هو عدم تعرّضه لأقاويل الآخرين، واضطهاد المجتمع له، وكأن الإقبال على اتخاذ مثل هذا القرار فيه إنقاص من رجولته، وإهانة لكرامته.
إن الشاب في المجتمع العربي عندما يتعرض لمثل هذا الموقف يبقى خائفاً متردداً، ومتأرجحاً بين رغبات وأهواء قلبه، وبين تمسكه بالعادات والتقاليد الموروثة والسائدة في المجتمع الشرقي.
للأسف كثيرة هي العادات والتقاليد التي تسيطر علينا سيطرة كاملة وتغزو عقول الشباب والفتيات جيلاً بعد جيل، دون التفكير والتحليل المنطقي لها؛ من حيث معارضتها للدين والمبادئ والأخلاق، أو من حيث مدى تأثيرها علينا بالسلب أو بالإيجاب، فمثل قضية ارتباط شاب عزب بفتاة مطلقة أو أرملة أو أكبر منه سناً، لا أرى أنها تؤثر عليه سلبياً، أو اتخاذ مثل هذا القرار فيه إنقاص لشخصيته وإهانة له كونه رجلاً شرقياً.
وعند الرجوع إلى تعاليم ديننا وما علمنا إياه رسولنا الكريم، فنرى أنه في حديث شريف، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع؛ لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك".
لكن ما علمنا إياه مجتمعنا ألا تكون مطلقة أو أرملة أو أكبر منك سِناً.. وكأنها عار أو شيء مخجل إلى حد كبير.. وأن المطلقة أو الأرملة نصيبها سيكون رجلاً عجوزاً، أو متزوجاً، وتكون هي بمثابة زوجة ثانية أو تكملة عدد.
لا يسعني إلا القول: إننا نحن كبشر لا يمكننا معاملة الآخرين بسبب أقدارهم؛ حيث إن الله -سبحانه وتعالى- هو من كتب أقدارهم، ولا يمكننا أيضاً أن نتوقع أقدار الآخرين على أهوائنا، فلا يعلم الغيب إلا الله سبحانه وتعالى.
إن مفهومنا للأشياء من حولنا هو عبارة عن أشياء توارثناها تماماً، مثل تلميذ يحفظ درسه دون فهمه، وكما أن الثقافة في رأي المفكر زكي نجيب محمود: "هي ممارسة وليست تنظيراً، فنحن نعيش ثقافتنا في كل تفصيلات حياتنا مثل الميلاد والموت والزواج وطريقة إكرام الضيف.. إلخ، يحدث ذلك حين تكون الثقافة منسابة في عروق الناس مع دمائهم، فتصبح حياتهم هي ثقافتهم وثقافتهم هي حياتهم".
وأخيراً بلا أدنى شك نحن بحاجة ماسة وقوية إلى محاولات جادة لتغيير بعض وجهات النظر السائدة والعادات والتقاليد الموروثة واقتلاع سلوكيات من جذورها.. طالما ليس هناك تعارض مع الدين والمبادئ والأخلاق، حتى لا تكون الأجيال القادمة أسيرة للمجتمع الشرقي السائد، ونحن بحاجة إلى إعادة برمجة ذلك المجتمع بدءاً من الصفر ومحاولة إقناعه بكل تغيير جديد يمكن أن يكون فيه تحطيم للقيود وكسرها.
لا أرى أن المهمة صعبة إلى حد كبير، أليس هذا المجتمع هو الأم والأب والأخ والأخت والصديق والجار والأشخاص المحيطين بنا؟ إن مهمة مثل هذه تبدأ بهم أولاً لتقبّل الواقع الجديد.