جراءة نيوز - عمان : على الرغم من التصعيد الكبير الذي تنتهجه الحكومة التركية برئاسة رجب طيب أردوغان حيال النظام السوري بعد إسقاط الدفاعات الجوية السورية للطائرة التركية في الأسبوع الماضي، لا يبدو أن هذا التصعيد سيتعدى حدود "الصراخ" و"الكلام"، حسب ما يعتبر العديد من المحللين.
بعد جلسة مشاورات طارئة عقدها حلف شمال الأطلسي "الناتو"، كان الموقف واضحاً: "ما قامت به سوريا هو عمل غير مقبول"، لكن على أرض الواقع لن يحصل شيء، فما الذي يمنع تركيا و"الناتو" من الرد على هذا العمل "غير المقبول"؟
المواجهة لن تقع
يعتبر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن إدارة الرئيس السوري بشار الأسد "أصبحت تهدد تركيا وأمنها"، ويتوعد بأن "أي قوات سورية ستقترب من الحدود التركية سيتم التعامل معها كهدف عسكري"، إلا أن هذه المواقف لن تؤدي إلى مواجهة مسلحة بين البلدين، حسب ما يؤكد العديد من المحللين السياسيين والإستراتجيين.
وفي هذا الاطار، يؤكد المحلل السياسي والخبير في الشؤون التركية المقيم في أنقرة دانيال عبد الفتاح لـ"النشرة" أن من غير الوارد حصول هذه المواجهة، ويرى أن "تركيا لا تستطيع أن تغامر اليوم بما حققته من نجاحات على الصعيد الإقتصادي عبر الدخول في هكذا صراع". ويعتبر أن "تركيا مستعدة لرفع الصوت والصراخ لا أكثر"، لافتا إلى أن الرأي العام كان ينتظر منذ اللحظة الأولى لبداية الأزمة كلمة أردوغان أمام نواب كتلته، لكنها "جاءت مخيبة لأمال الكثيرين ممن كانوا يتوقعون التصعيد".
من جهته، يستبعد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق بسام أبو عبدالله تطور الأمور الى مواجهة عسكرية بين البلدين، ويلفت إلى أن "حادثة إسقاط الطائرة ستستغل لممارسة المزيد من الضغط لا أكثر"، ويشير إلى أن إجتماع حلف شمال الأطلسي "الناتو" كان من أجل تقديم الدعم المعنوي لتركيا. ويوضح لـ"النشرة" أن الإجتماع عقد بموجب المادة الرابعة من ميثاق الحلف التي تنص على التشاور، ويشدد على أن الجميع يعلم أن هناك خرقاً للسيادة السورية حصل من قبل الطائرة، ويرى أن "هذا الموضوع كان من الممكن التعامل معه بشكل عاقل في ما لو كان موقف الحكومة التركية من الأزمة السورية ودياً"، ويردف إن "هذا الأمر ينفصل عن العلاقة مع الشعب التركي".
وفي السياق نفسه، توضح الخبيرة الروسية في الدراسات الشرقية أنهار كوتشنيفا أن إجتماع "الناتو" لم يقرر التدخل العكسري في سوريا، وتكشف عن معلومات تتحدث عن أن الولايات المتحدة إتخذت قراراً منذ شهر أيار الماضي بالتدخل في سوريا، وتلفت، في حديث لـ"النشرة"، إلى أنها "تنتظر الحجة المناسبة لذلك"، وتعرب عن اعتقادها بأن "الفترة المقبلة ستحصل فيها العديد من الاستفزازات في سبيل تحقيق المبتغى الأميركي".
الموقف الروسي داعم أساسي
بالرغم من رغبة العديد من الجهات الدولية بالتدخل في الأحداث السورية عسكرياً وبشكل مباشر، لا يزال الموقف الروسي الحاسم يشكل سدًا منيعًا أمام هذه الرغبات وحصنًا يقف في وجه النوايا والرغبات الصريحة والمبطنة، حيث تشير كوتشنيفا إلى أن القيادة الروسية عبّرت في أكثر من مناسبة عن أنها لن تتراجع عن موقفها الحالي، وتوضح أن كل "التحليلات التي تقول خلاف ذلك غير صحيحة"، وتشير إلى أن "ما يحصل في سوريا اليوم هو شبيه بالذي كان يحصل في الشيشان في الماضي"، وتذكر بأن "سوريا هي الدولة العربية الوحيدة التي وقفت إلى جانب روسيا في ذلك الوقت وقالت أن هؤلاء إرهابيين في حين أن معظم الدول العربية الأخرى كانت تعتبرهم مناضلين".
وتؤكد كوتشنيفا أن "روسيا لن تسمح بتكرار السيناريو الليبي في سوريا"، وتلفت إلى أن "ما حصل في ليبيا هو عكس ما تم الإتفاق عليه"، وتشير إلى أن "الموقع السوري الإستراتجي مهم جداً بالنسبة لروسيا".
من جهته، يؤكد عبد الفتاح أن "الموقف الروسي من الأحداث السورية لم يتغير"، ويشير إلى أن "أردوغان هو أكثر من يعرف ذلك لأنه سبق وإجتمع مع الرئيس الروسي فلادمير بوتين وتأكد من ذلك"، ويعتبر أن "الحكومة التركية وجدت فرصة تريد إستغلالها إعلاميًا حتى النهاية"، لكنه يشدد على أنه "لن يكون هناك أكثر من ذلك".
ويشير أبو عبدالله إلى إمكانية ان يكون الهدف من دخول الطائرة التركية الأجواء السورية إختبار ما لدى سوريا من دفعات جوية، لكنه يستبعد هذا الأمر، ويعتبر أن هذه الحادثة أحرجت أردوغان أمام الرأي العام وأمام أحزاب المعارضة التركية التي لم يتشاور معها في الأصل حيال الموقف من الأزمة السورية، كما أحرجه أمام القوى المتحالفة معه في الموقف من هذه الأزمة، لكنه يعتبر أن "موضوع الحرب بين البلدين له أبعاد دولية وإقليمية، ترتبط بالموقفين الروسي والإيراني من الأزمة"، ويشدد على أن "الرسائل الدمشقية تحظى بدعم روسي"، ويضيف: "التحالف واضح".