وأشارت الدراسة التي حملت عنوان "النقل العام في الأردن"، إلى أنّه رغم وجود استثناءات في الخطوط التي تخدم بعض الجامعات، إلا أن النقل العام في الأردن ليس مدعوماً من قبل الحكومة؛ إذ لا توجد سياسة واضحة لدعم القطاع، وهو الأمر الذي أدى إلى إفراز مشاكل وتحديات عدة تطرقت إليها الدراسة.
وقالت الدراسة "النقل العام يُنظر إليه إلى حدّ كبير بمنظور تجاري؛ إذ تحدد الدولة خطوطاً أشبه ما تكون بـ"الفرص الاستثمارية" والمسارات والأجور، وتُناط بالقطاع الخاص مسؤولية التشغيل ضمن هذه المعطيات، وبالتالي، فإنّ المخصصات المرصودة لقطاع النقل العام ضمن الموازنة العامة للحكومة صغيرة (مع أنه تم زيادتها قليلاً في الآونة الأخيرة) ولا تغطي المبالغ المطلوبة لتطوير قطاع نقل عام فعال ولم يتم إعادة النظر بنموذج الأعمال المطبّق حالياً وإيجاد وسائل جديدة للتمويل التشغيلي".
وأكدت أن الأجور التي تحددها الحكومة هي نتيجة لقرار تجاري لا سياسي، هدفه تحقيق الملاءة المالية للمشغّل؛ فمع غياب سياسة الدعم، ثمة أيضاً غياب لسياسة أجور تحقّق كفاءة الخدمة وتأخذ بعين الاعتبار معيار العدالة الاجتماعية.
ويتجلّى ذلك عند مقارنة نسبة التكاليف التشغيلية للنقل العام التي تغطّيها الأجرة التي يدفعها المستخدمون في مدن عالمية مختلفة.
وأكدت الدراسة أنّ سياسة الأجور الحالية لا تسمح بتقديم خدمة منتظمة بجداول محدّدة، كما أنها لا تسمح بتكامل الأجور بين الوسائط لمشغلين مختلفين (أي السماح للمستخدم بدفع أجرة واحدة للركوب في أكثر من واسطة نقل).
واعتبرت الدراسة قانون تنظيم نقل الركاب رقم 19/2017 والذي دخل حيز التنفيذ في شهر أيار(مايو) من العام 2017 نصّ على إنشاء صندوق مستقل مالياً وإدارياً لدعم نقل الركاب، خطوة إيجابية في اتجاه وضع سياسة لدعم النقل العام.
وأوصت الدراسة بتفعيل ما جاء في قانون تنظيم نقل الركاب رقم 19/2017 وتحديداً فيما يتعلق بصندوق دعم نقل الركاب ومنح الصلاحيات للبلديات ودمج المشغلين، وإصدار الأنظمة والتعليمات كافة التي يتطلبها ذلك.
كما أوصت بإنشاء فريق من ذوي الخبرة في مجال النقل (قد يكون ضمن المجلس الاقتصادي والاجتماعي) لتقديم المقترحات وتقييمها فيما يتعلق بخطط النقل واستراتيجياته وتشريعاته، بما فيها وضع آلية تنسيق بين المؤسسات والهيئات المختلفة لمتابعة تطوير منظومة النقل العام على مستوى المملكة.
ودعت لإعداد الخطط والتشريعات والموازنات والبرامج بما يسهم في تطوير منظومة النقل العام، وربط تخطيط النقل العام وتكامله مع التخطيط الحضري، وتخصيص المساحات اللازمة لمشاريع النقل المستقبلية، ومأسسة التنسيق بين الدوائر والمؤسسات المعنية بالتخطيط الحضري وتلك المعنية بتطوير منظومة النقل.
وأوصت أيضا بوضع معايير لجودة الخدمة حسب نوعها مع مراعاة السلامة والبيئة والنواحي الاجتماعية، والبدء تدريجياً بإلزام المشغلين بها ومحاسبتهم عليها، إضافة لإعادة هيكلة الشبكة بحيث تتوزع الوسائط المختلفة بشكل هرمي وتكاملي، واختيار الوسائط ذات السعة العالية للمحاور ذات حجم الطلب المرتفع.
وشددت على ضرورة استكمال مشاريع النقل الجماعي بما فيها الباص السريع والمشاريع الأخرى المشابهة واعتماد سياسة تكامل الأجور ووضع آلية يتم من خلالها تحديد الأجور لضمان العدالة وتوفير الخدمة للجميع في المقام الأول ومن ثم لتغطية النفقات التشغيلية، والبدء تدريجياً بتخفيض أجور بعض الخطوط وخاصة التي تخدم ذوي الدخل المحدود.
ولفتت إلى أهمية دراسة بدائل التمويل كافة لمشاريع النقل العام الحالية والمستقبلية كافة، وتوفير الحوافز للمشغّلين لتمكينهم من تحديث أسطولهم وتحسين نوعية الخدمة المقدّمة.
ودعت الدراسة لتطبيق القوانين المتعلقة بمؤهلات العاملين في النقل العام من سائقين وغيرهم وبناء قدرات البلديات ونقل خبرات هيئة تنظيم قطاع النّقل البرّي التشغيلية إليها تمهيداً لنقل صلاحيات تنظيم النقل وإدارته داخل حدودها حسب ما ورد في قانون تنظيم الركاب رقم 19/2017 وتأهيل الفرق الفنية فيها وتمكينها لاستكمال البنية التحتية اللازمة، إضافة إلى تشديد الرقابة وأتمتتها على معايير الخدمة وربطها بالدعم المقدّم للمشغّل مع وضع أسس واضحة للمكافآت والمخالفات.
وقالت الدراسة "إن الحكومة اتّبعت منذ مطلع القرن الحالي نموذج فصل السياسات والتنظيم والتشغيل في النقل العام؛ إذ أعطت وزارة النقل صلاحية وضع السياسات، فيما أسست هيئة تنظيم النقل البري (والتي كانت تُعرف بهيئة تنظيم قطاع النقل العام) للتنظيم (تحديد الخطوط، منح التراخيص والتصاريح، تحديد الأجور،...). أما التشغيل، فأنيط بالقطاع الخاص من شركات وأفراد".
يستمر هذا النموذج حتى اليوم مع إجراء بعض التعديلات عليه؛ إذ أعطيت السلطات المحلية في عمّان والعقبة (أمانة عمّان الكبرى وسلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة، على التوالي) بعض صلاحيات الهيئة ضمن حدودها، وفي العام 2017 فتح القانون الجديد سابق الذكر المجال أمام الهيئة لتفويض بعض صلاحياتها لبلديات أخرى.
بالإضافة إلى هذه المؤسسات يتم تطبيق القانون وإصدار المخالفات من قبل إدارة السير المركزية التابعة لمديرية الأمن العام (والتي تتبع بدورها إلى وزارة الداخلية).
إنّ تعدّد المرجعيات ليس بالضرورة أمراً سلبياً بحدّ ذاته، إلا أنّ غياب التنسيق بين المرجعيات المختلفة هو أحد أسباب عدم تطوّر منظومة النقل العام.
بالإضافة إلى ذلك، فثمة عدم وضوح الصلاحيات وتداخلها بين المرجعيات المختلفة، ومن الأمثلة على ذلك صلاحيات الهيئة وأمانة عمّان فيما يتعلق بالخطوط الخارجية التي تربط عمّان بالمدن والقرى الأخرى وأيضاً صلاحيات إدارة السير وتداخلها مع صلاحيات الجهات التنظيمية الأخرى، ممّا يؤدي إلى عدم تطبيق القانون بشكل كامل وصحيح.
ومن جانب آخر، فإنّ القوانين والتشريعات القائمة تعرّف عدداً كبيراً من أنواع نقل الركاب (التأجير، النقل الإداري، النقل الخاص)، مما يجعل من إدارة القطاع أكثر تعقيداً ويُضعف من الطلب على النقل العام.
وأشارت الدراسة إلى أنّ أحد أسباب تردّي منظومة النقل العام في الأردن هو إدارتها بشكل منفصل ومنعزل عن أمور أخرى من المفترض أن تكون على ارتباط وثيق بها؛ إذ كان هنالك ولمدة طويلة غيابٌ في التكامل بين تخطيط النقل وتخطيط المدن واستعمالات الأراضي.
ومن جانب آخر، ونظراً لشحّ الدراسات، ثمة افتقار إلى المعرفة بالطلب الحالي على خدمات النقل العام، وحتى معرفة أقل بشأن الطلب المحتمل في المستقبل، لمقارنتها مع خدمة النقل العام الحالية أو مع تحسين الخدمات.
وفي الأردن، كانت خطوط النقل العام تحدّد وتُمنح بشكل عشوائي بعض الشيء وحتى كأعطيات من الدولة للمشغّلين دون أسس علمية تعتمد التخطيط السليم لشبكة متكاملة.
وأكدت الدراسة "أن هناك ضعفاً في هيكلة شبكة النقل العام وهرميتها، فثمة اعتماد على الوسائط صغيرة الحجم (مثل الحافلات المتوسطة والسرفيس) أكثر من الكبيرة حتى في المحاور ذات حجم الطلب المرتفع".
إنّ عدد الحافلات الكبيرة في الأردن اليوم هو 0.15 لكل 1000 شخص، مقارنةً بحافلة واحدة لكل 1000 شخص في الدول ذات أنظمة النقل العام المتطورة.
ومن التحديات المرتبطة بهيكلة الوسائط أيضاً، الاعتماد على الوسائط التقليدية وعدم وجود وسائط نقل عام ذات سعة مناسبة وكفاءة عالية، فالحافلة التي فيها 45 راكباً تعاني الازدحام ذاته وزمن التأخير ذاته الذي تعاني منه المركبة الخاصة ذات الراكب الواحد. وهنا يجب تأكيد أهمية مشاريع النقل العام التي هي قيد التطوير والإنشاء حالياً مثل الباص السريع في عمّان وبين عمّان والزرقاء.
وأشارت الدراسة إلى أنّ إحدى نتائج العشوائية في منح رخص الخطوط في السابق هي الفئة في البيئة التشغيلية للنقل العام، أو ما يُعرف بمشكلة الملكية الفردية.
فاليوم، يتمّ تشغيل أكثر من 85 % من أسطول النقل العام في المملكة من قبل أفراد وليس شركات وهذه الفئة تصعّب من أي تطوير في واقع الخدمات؛ إذ يتطلب أي تغيير (مثل إدخال تقنيات حديثة في الحافلة) التنسيق مع عدد كبير من المشغلين.
وما يجعل هذا التحدّي أكثر صعوبة من الناحية الاجتماعية-السياسية هو اعتبار بعض المشغّلين حقّ التشغيل على خطوطهم والذي مُنح لهم في السابق من قبل لجان السير الفرعية في وزارة الداخلية حقّاً مكتسباً لا يمكن سحبه أو إجراء أي تعديل عليه.
وهنا يجب الإشارة إلى القانون الجديد لتنظيم نقل الركاب والذي عالج مسألة التشرذم في إحدى مواده؛ إذ أعطى القانون المشغّلين الفرديين مهلة خمس سنوات لتصويب أوضاعهم من خلال الاندماج في شركات أو الانضمام لشركة إدارة يتملّكون أسهماً فيها.
وقد فتح القانون المجال أمام إعطاء المشغّلين الذين يستوفون هذه الشروط حوافز مثل الإعفاءات الضريبية والجمركية. أما الذين لا يستوفون هذه الشروط بعد مرور السنوات الخمس، فيحقّ للحكومة شراء خطوطهم مع تعويضهم حسب الأصول.
ومن التحدّيات الأخرى التي تعاني منها البيئة التشغيلية المشرذمة غياب معايير واضحة وموحّدة للخدمة، مثل التردّدات وجداول المواعيد ومواصفات الحافلات والسائقين وما إلى ذلك.
كما أكدت الدراسة أنّ القطاع يعاني من قلة الكفاءات في تخطيط النقل العام وإدارته؛ فرغم وجود عدد كبير من المهندسين الأردنيين الأكفاء، إلا أنّ التخصّصات ومجالات العمل الهندسي فيما يتعلق بالنقل تقتصر على الطرق ولا تتوسع لتشمل النقل العام وتخطيط النقل. وبالإضافة إلى التخطيط والإدارة، فثمة حاجة لتأهيل الموارد البشرية العاملة في التشغيل، من سائقين ومراقبين، مما سيسهم في تقديم خدمة ذات نوعية أفضل للمستخدم.
كما أشارت الدراسة الى أنّه ونتيجة لأسباب عدة ومنها الشرذمة التي ذُكرت سابقاً، فإنّ النقل العام في الأردن لا يوظّف التكنولوجيا بما يواكب تطورات العصر؛ إذ لا تتوفر للمستخدم أي معلومات عن الشبكة أو عن مواعيد الوصول ولا يتم استيفاء الأجور إلكترونياً (رغم وجود بعض الاستثناءات).