جراءة نيوز - عمان : واصلت تركيا تطوير موقفها تصاعديا حيال نظام الرئيس السوري بشار الأسد، في ظل الأزمة الناشئة مع سوريا التي أسقطت يوم الجمعة الماضي طائرة استطلاع تركية، رافعة مستوى التوتر بين البلدين إلى أقصى حدوده منذ نهاية التسعينيات. وكشفت أنقرة أمس عن تعرض طائرة ثانية إلى إطلاق نار خلال عمليات البحث عن الطائرة الأولى، وهددت بأن الحادث «لن يمر دون عقاب». وكشفت تركيا عن أن القوات السورية أطلقت النار على طائرة تركية ثانية كانت في مهمة للبحث عن طائرة الاستطلاع إف - 4 التي أسقطتها سوريا الأسبوع الماضي لكن الطائرة الثانية لم تسقط. وقال نائب رئيس الوزراء التركي بولنت ارينج في مؤتمر صحافي إن تركيا ستحمي نفسها في إطار القانون الدولي ضد ما وصفه «بالعمل العدائي» من سوريا. وقال في ختام اجتماع للحكومة استمر سبع ساعات بشأن الحادث إن إسقاط سوريا لطائرة الاستطلاع «لن يمر دون عقاب».
وكان مصدر دبلوماسي أوروبي أفاد في وقت سابق أمس أن حادثا جويا جديدا وقع فوق المتوسط بين تركيا وسوريا دون أن يؤدي إلى ضحايا أو أضرار. وأوضح المصدر أن نظام الدفاعات الجوية السورية رصد طائرة «كازا سي إن - 235» للبحث والإنقاذ تابعة للجيش التركي وحددها هدفا محتملا، وهي المرحلة الأخيرة قبل فتح النار. وأوضح المصدر «عندما يحدد نظام الدفاع مقاتلة هدفا فإن أجهزة المقاتلة تنذر الطيار وهذا ما حصل».
واجتمعت الحكومة التركية أمس لمناقشة تداعيات الأزمة، ويأتي ذلك في وقت تتجه فيه الأنظار اليوم إلى حدثين بارزين، أولهما الكلمة المنتظرة لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أمام البرلمان، وثانيهما اجتماع حلف شمال الأطلسي (الناتو) المقرر اليوم في بروكسل تضامنا مع أنقرة بصفتها عضوا في ها الحلف.
وتوقعت مصادر دبلوماسية تركية أن يدين ممثلو دول «الأطلسي» «الاعتداء السوري» في «بيان شديد اللهجة» وأن يعربوا عن تضامنهم مع تركيا. وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن الجانب التركي لم يطلب إجراءات محددة من «الأطلسي» حتى الآن، لكنها أشارت إلى أن «الاجتماع قد يخرج بتحذير شديد اللهجة من تكرار مثل هذه الاعتداءات» وأن أي اعتداء مستقبلي «لن يمر من دون عقاب». وفي الإطار نفسه قال مسؤولون أتراك إن اجتماع الأطلسي اليوم على مستوى السفراء «سوف يفتح الباب أمام دخول الحلف على خط الأزمة السورية». وأشارت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الاجتماع، وإن لم يخرج بقرارات محددة، إلا أنه سوف يرسم خارطة طريق في التعاطي مع ملف الأزمة السورية.
وقالت مصادر تركية إن الأزمة لن تصل إلى حد الحرب مع سوريا، لكن هذا لا يعني أن الحادث سيمر من دون عقاب، مشيرة إلى أن نوعية العقاب تحدده أنقرة وفقا للقوانين الدولية. وأشارت المصادر إلى أن تركيا «تفكر جديا» في تقديم نصيحة إلى السوريين بعدم اقتراب طلعاتهم الجوية من الحدود التركية لأن من شأن ذلك أن يخلق التباسا يؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها. وقالت إنه قد لا يكون بإمكان الطيران السوري تنفيذ المزيد من الطلعات الجوية على مقربة من الحدود التركية لقصف تجمعات المعارضين.
وقال كبير مستشاري الرئيس التركي إرشاد هورموزلو إن سوريا «ترتكب خطأ فوق خطأ» مشيرا إلى أن بلاده لن تقوم برد «انفعالي وغير مدروس»، موضحا أن «اجتماع الناتو اليوم هو بناء على المادة الرابعة من ميثاق الحلف ويهدف إلى اطلاع الدول الأعضاء على حقيقة الوضع». وقال هورموزلو إن بلاده «تمارس الدبلوماسية الضاغطة» معتبرا أن «النظام السوري يرتكب أخطاء متكررة ومتسلسلة»، وعما إذا كان إسقاط الطائرة هو رسالة إلى الأتراك والناتو، قال هورموزلو إن الرسالة الوحيدة التي يجب أن يوجهها النظام هي إلى شعبه، ومفادها أنه سيحقق مطالبهم بالحرية والعدالة وتداول السلطة، وسيعترف بحقهم في اختيار من يحكمهم عبر صندوق الاقتراع لا بفوهات البنادق.
وسلمت سوريا تركيا جزءا من حطام الطائرة عثرت عليه بحريتها. وقالت مصادر تركية إن جزءا من ذيل الطائرة سلم للسلطات التركية وقد ظهر عليه آثار واضحة لطلقات رصاص. وأكدت مصادر تركية لـ«الشرق الأوسط» أن أنقرة رفضت اقتراحا سوريا بتأليف لجنة تحقيق مشتركة للبحث في حقيقة ما جرى.
وأوضح مصدر تركي رسمي لـ«الشرق الأوسط» أن أنقرة أعدت ملفا متكاملا عن «الاعتداء السوري» سلمته إلى كافة السفراء في الخارج والملحقين العسكريين في سفاراتها حول العالم لشرح حقيقة ما جرى للرأي العام العالمي. وقال المصدر إن «تسجيلات الاتصالات اللاسلكية تؤشر بوضوح إلى أن الطائرة أسقطت فوق المياه الدولية لا في الأجواء السورية» مشيرا إلى أن من حذر طاقم الطائرة من أنه دخل الأجواء السورية كانت السلطات التركية التي أمرتها بالابتعاد، فانصاع طاقم الطائرة، لكن جرى استهدافها في وقت لاحق. وأوضح المصدر أن الطائرة التركية كانت تشغل الإشارة التي تعرف عن هويتها، مما يجعل الكلام السوري عن «هدف مجهول» غير صحيح تماما.
إلى ذلك، أعلن الناطق باسم الخارجية السورية جهاد المقدسي أنّ ما جرى في موضوع الطائرة التركية يعتبر انتهاكا صريحا للسيادة السورية، مؤكدا أنّ سوريا تصرفت مع الموضوع بشكل دفاعي سيادي، مشدّدا على أنّ سوريا متمسكة بعلاقات حسن الجوار مع تركيا ولا تحمل نوايا عدوانية تجاهها، واصفا ما حصل بأنه حادث وليس اعتداء. ونفى مقدسي أن تكون الطائرة التركية قد أسقطت من خلال صاروخ، موضحا أنها أسقطت برشاش أرضي، موضحا أنّ الثقوب الظاهرة على الطائرة تبيّن أنها استهدفت من رشاش أرضي. وأشار المقدسي إلى أنّ القوات السورية رصدت يوم الجمعة جسما فوق الأراضي السورية وظهر على ارتفاع 100 متر عن الأراضي السورية «وتبين أنه طائرة متجهة نحو الأراضي السورية مما أدى إلى التصدي لها عبر مدفعية مضادة للطائرات وتمت إصابتها بشكل مباشر وسقوطها في المياه الإقليمية السورية». وفيما تحدّث المقدسي عن وجود حملة لـ«شيطنة» سوريا، أكد تعاون السلطات السورية التام مع الجانب التركي، كاشفا عن عرض قدّمته سوريا للأتراك لتشكيل لجنة عسكرية تأتي إلى مكان الحادث دون أن تتلقى إجابة حتى الآن. وشدّد على أنّ من أساء للعلاقات السورية التركية ليس سوريا، لافتا إلى أنّها طبقت مبدأ المعاملة بالمثل، معربا عن اعتقاده بأنّ الهدف من تصريحات الحكومة التركية حشد الشعب التركي وراء تصرفاتها تجاه سوريا والتي لا تخدم تركيا نفسها.
وردا على سؤال آخر، شدّد المقدسي على وجوب أن يكون اجتماع حلف الناتو لتثبيت الأمن والاستقرار «ولكن إذا كان عدواني الطابع فنحن نقول إن الأراضي والمياه والأجواء السورية مقدسة بالنسبة للجيش السوري».
وفي واشنطن، قال ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: «بالطبع هذه قضية تثير القلق لدينا.. الناتو ينظر بما حدث ونحن مستعدون لمساعدة الأتراك في جهود البحث عن الطيارين». ولكنه أكد أن الولايات المتحدة لم ترسل حتى الآن أي مساعدات للأتراك في جهودها للبحث عن حطام الطيارة والطيارين المفقودين. ومن الجانب السياسي، قال المسؤول الأميركي: «هذه الحادثة تشكل دليلا آخر على ضعف النظام السوري وانفجاره داخليا»، إذ إنه تورط في «إجراء ضد قوات مسلحة لدولة مجاورة في وقت يشهد جيشه انشقاقات متتالية»