جراءة نيوز - عمان : قال خبراء قانونيون أمس إن الرئيس الجديد الذي يبدأ المصريون انتخابه اليوم (السبت)، يحول بينه وبين تسلمه مهام منصبه 26 كلمة، هي قوام اليمين الدستورية اللازمة لتنصيبه بحسب نص الإعلان الدستوري المعمول به حاليا، بعد أن بات الوضع السياسي والقانوني في مصر أشبه بحقل ألغام. ويعتقد شباب الثورة أن الأزمة الراهنة كان يمكن تجاوزها إذا ما كان المرشحان اللذان يتنافسان على مقعد الرئيس مقبولين لدى شباب ميدان التحرير، حيث كان بإمكانهم الدفع باتجاه أن يقسم الرئيس في الميدان الذي يعتبرونه قبلة الثورة وقلبها النابض، على غرار ما سبق وطلبوه من رئيس الوزراء السابق عصام شرف الذي لقب حينها برئيس وزراء ميدان التحرير.
إلا أن الفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، والدكتور محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين، لا يحظيان بدعم الميدان، كما أنه لا يجوز قانونا الاعتداد بهذا الحل «الطقسي» بما له من دلالة رمزية.
وكان هذا التوجه محل خلاف في عهد الملك فاروق، الذي كان يرغب أن تجرى عملية تنصيبه في الأزهر حاملا سيف جده محمد علي باشا، وهو ما عارضه مصطفى النحاس باشا رئيس وزراء مصر حينها، وأصر على أن يقسم الملك الشاب أمام البرلمان، بلا صخب أو طقوس تدشينية رمزية.
وبينما يتحسس الساسة موضع أقدامهم بحذر مع بدء جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، مناشدين المجلس العسكري إصدار إعلان دستوري مكمل في أسرع وقت ممكن، يجزم خبراء قانونيون أن الرئيس المقبل لن يتسلم مهام منصبه في غيبة البرلمان، حيث يفترض أن يقسم أمامه اليمين الدستورية، دون وجود بديل دستوري لتجاوز هذا المأزق.
وينص الإعلان الدستوري في مادته الـ30، وهي المادة المنقولة من دستور 1971 الذي حكم به الرئيس السابق حسني مبارك البلاد لثلاثة عقود، على أنه: «يؤدي الرئيس أمام مجلس الشعب (الغرفة الأولى في البرلمان) قبل أن يباشر مهام منصبه اليمين الآتية: أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصا على النظام الجمهوري، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه».
ويقطع الخبير الدستوري حسام عيسى بعدم إمكانية أن يتولى الرئيس المقبل مهام منصبه قبل حلف اليمين أمام البرلمان، وهو أمر لم يعد ممكنا بعد أن قضت المحكمة الدستورية العليا أول من أمس بحل البرلمان، ومنعت قوات الأمن المسؤولة عن تأمين مقره بوسط العاصمة نوابه من دخوله، تنفيذا للحكم.
غير أن الفقيه الدستوري المستشار أحمد مكي لا يزال يتساءل ساخرا: «وهل يوجد لدينا الآن أي حكم جدي يمكن القياس عليه.. نحن نحكم حاليا بإرادة المجلس العسكري، وهو على ما يبدو ينوي إنفاذ إرادته بعد أن استرد كما يقول سلطة التشريع».
يقول مكي، وهو نائب رئيس محكمة النقض السابق، لـ«الشرق الأوسط»: «تقديري أن مجلس الشعب قائم.. هذه سابقة في تاريخ أحكام الدستورية العليا أن تقضي بحل البرلمان.. المحكمة معنية فقط بالنظر في دستورية النصوص، أما ما يترتب على عدم الدستورية فهو أمر تفصل فيه محكمة الموضوع وهي - والحالة هذه - محكمة النقض.. الدستورية تجاوزت حدود اختصاصها قولا واحدا».
ويهدد اللغم القانوني، الذي فجر البرلمان، المشهد السياسي برمته، إذ إن الإعلان الدستوري لا يمنح تفويضا لأي سلطة من سلطات الدولة في الدعوة لانتخاب برلمان جديد للبلاد، وهو ما يوجب بحسب قيادات سياسية ضرورة إصدار إعلان مكمل يتجاوز قصور الإعلان الحالي.
وكان المجلس العسكري الذي تولى مهمة إدارة شؤون البلاد قد وعد بتسليم السلطة مطلع الشهر المقبل لرئيس مدني منتخب، وحتى يجد فقهاء القانون حلا لأزمة اليمين الدستورية، يعكف الساسة في البلاد، والمجلس العسكري، لبحث أزمة أخرى تتعلق بصلاحيات الرئيس الجديد.
وبينما يرى البعض أن صلاحيات المجلس العسكري المنصوص عليها في الإعلان الدستوري سوف تنتقل للرئيس فور تسلمه السلطة، وأن تلك الصلاحيات تكفي لإدارة شؤون البلاد، يعترض آخرون قائلين إن سلطة حل البرلمان والدعوة للانتخابات البرلمانية لا يوجد لهما أثر في الإعلان الدستوري، كما لا يوجد نص جديد يتيح للرئيس تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، إذا ما صدر قرار من المحكمة الإدارية بحل التشكيل الثاني للجمعية.
وكان الإعلان الدستوري قد أناط بالأعضاء المنتخبين في مجلسي الشعب والشورى انتخاب جمعية تأسيسية لصياغة دستور جديد للبلاد، وتصبح الأزمة أكثر تعقيدا بحسب المراقبين بعد أن تم حل الهيئة المنوط بها انتخاب التأسيسية مع بقاء المادة 60 التي تنظم انتخاب الجمعية التأسيسية في الإعلان الدستوري كما هي.
وفيما ينتظر المصريون ساستهم لحل الأحجية القانونية الراهنة.. يتوجهون اليوم إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس البلاد الجديد دون أن يعرفوا بالضبط الموعد الذي يمكنه فيه بدء مهام عمله، ودون أن يدركوا كذلك ماهية هذه المهام.