المتسوقون ‘‘الأقل حظاً‘‘.. الاعتماد على فائض الوقت
"أسواق المخيمات أرخص".. هذه العبارة يتداولها كثيراً المتسوقون في الأوساط الشعبية والفقيرة في العاصمة عمان، ويختار كل منهم واحداً من هذه المخيمات للقيام بتسوقه، وفق حسابات للتكلفة والمنفعة يجريها بدقة.
فبعضهم اعتاد على سوق "مخيم الحسين"، وآخرون على "الوحدات"، وقسم على مخيم حطين "شنلر"، وفريق على سوق "مخيم البقعة"، وذلك غالباً بحسب موقع السكن وسهولة المواصلات وأحيانا بحسب أخبار أو إشاعات الأسعار، وإنْ كان يوجد مَن يرتاد مخيمات بعيدة عن موقع سكنه، ربما بحثاً عن متعة إضافية للتسوق أو على سبيل تنويع معرفته بالأسواق والتمكن من إجراء مقارنات.
بعض هذه الأسواق اختص أو اشتهر ببيع سلع معينة، فالناس مثلا يتحدثون عن "دجاج شنلر"، باعتبار أن الذبح يكون أمام المشتري، ما يعطي انطباعا بأن هناك مستوى من الجودة لا يتحقق في باقي المواقع، فضلاً عن فارق السعر أيضاً. فهنا يتمكن المشتري من معرفة أين ومتى تم الذبح، بعكس الدجاج المغلف الذي تبيعه الشركات، وآخرون يقتنعون بخضار مخيم الوحدات "قريبة على السوق المركزي"، وفريق ثالث يفضل الملابس من مخيم الحسين "مثلها مثل الجبل". أما سوق مخيم البقعة، فرواده كثيرون ومتنوعون، سواء من أبناء المخيم الذين رحلوا منه للسكن في المناطق القريبة في عين الباشا ومحيطها، أو من سكان القرى الواقعة إلى الشمال والشرق من المخيم، مثل قرى: سلحوب ومرصع ومصطبة وموبص وغيرها. ففي هذه القرى بات المرور على سوق البقعة تقليدا اعتياديا، وخاصة مع موعد صرف الرواتب.
دقيقتان.. "وِنّكْ" في شنلر
ستقتصر متابعتنا هنا على حالة سوق مخيم "شنلر" أو مخيم حطين، حسب التسمية الرسمية، الواقع شرق عمان في الطريق إلى الرصيفة والزرقاء، وهو سوق يقول العاملون فيه إن أغلبية روّاده من خارجه، وإن هناك من يأتيه من شرق العاصمة ومن بعض المواقع القريبة الأخرى ومن منطقة الرصيفة، كما يشتمل سوقه على سلع وخدمات مثل السمكرة والحدادة، مما يوسع دائرة رواده.
إذا كنت قادماً إلى المخيم من عمان، فبمجرد اقترابك من المخيم، تعترضك في الطريق، المحلاتُ التي تُعلِن عن بضائعها بأسعار رخيصة، ولكن حتى تحصل على الصورة كاملة عليك الاقتراب من السوق الرئيسي، وقد اعتاد سائقو الباصات ومرافقيهم "كونترولية الباصات" على توجيه نداء من كلمة واحدة هي "سوق؟" موجهة لركابهم يذكرهم بالمكان الذي يقصدونه.
وهذا "السوق" عبارة عن طريق فرعي يفتح على الشارع الرئيسي العام، وهو مخصص للمشاة فقط، ومغلق على السيارات، وعلى جوانبه تصطف عشرات المحلات وفي وسطه تتكاثر البسطات، بعضها يتبع للمحلات المقابلة، وبعضها خاص بأصحاب البسطات العاملين عليها.
وعلى خلاف غيره من أسواق المخيمات الأخرى، هو غير منظم من حيث نوعية السلع المعروضة، أي أنه غير مقسم بحسب السلع، بل تتوزع البضائع باختلافها على طول السوق، فتجد الملابس إلى جانب الخضار إلى جانب الأدوات المنزلية وربما تجتمع في محل واحد أحياناً.
ولكن إذا كنت زائرا جديدا، عليك ان تنتبه إلى صحة العبارة القائلة إن "المخيم كله سوق"، وهو ما يعني أن عليك أن لا تكتفي بزيارة الموقع الذي يحوز اسم "سوق" فقط.
سياسة تسعيرية خاصة
يقوم العاملون هنا على تحديد سعر للسلع يقترب كما يقولون من أسعار الجملة، فأنت تجد أسعارا معلنة بالقروش وليست مقربة إلى أقرب دينار أو نصف دينار كما يحصل عادة، فهذا الطقم من كاسات الشاي بـ85 قرشاً، أما تلك القطعة من الملابس فهي بسعر 165 قرشاً، وبالطبع هناك محلات: "كل غرض ببريزة"، وأشهرها محل كان اسمه "مَلِك البريزة".
لكن الطرق المتبعة في المحلات الكبيرة أو "الماركات" الشهيرة، والتي تضع السعر ناقصاً قرشاً واحداً عن أقرب دينار بغية الإيحاء بمحدودية السعر، هي أيضاً طرق متبعة هنا، فعلى أبواب أحد المحلات تم الإعلان عن أسعار سلع عديدة، وبدل أن يعلن أن سعر السلعة بدينار، كتب أن سعر كل منها 99 قرشا.
الولع بتسمية "مول"
أسوة بما هو حاصل في عمان والمدن الكبرى، فإن في المخيم "مولان" رئيسيان معروفان، أحدهما على مدخل هذا السوق والآخر خارج السوق، وهو أقدم من حيث النشأة، وكلاهما مخصصان للأدوات المنزلية.
ورغم صغر حجم هذين "المولين" النسبي، فإنهما يؤثران على طبيعة البيع في المحلات التي تبيع سلعاً مشابهة، وهو نفس الأثر الذي تحدثه المولات الكبرى التي تتمكن من عرض طائفة أكبر من السلع مع مقدرة على البيع بسعر أرخص من الباعة المتفرقين.
من الطريف أن خصائص السوق التي تحدث عنها علماء الاقتصاد متحققة في "سوق شنلر"، حيث يتوفر لدى الباعة والمشترين المعلومات الكاملة عن الأسعار، فالزبائن هنا يعرفون ما يريدون تماماً، ولديهم كامل المعلومات عن أسعار السلع التي يطلبونها، وخاصة الزبائن السيدات اللواتي يزُرْن مختلف المحلات التي تبيع بضاعة متشابهة، ويتفقدن الأسعار، ثم يجادلن للحصول على أدنى سعر ممكن، فالمتسوق هنا عليه أن لا يكون في عجلة من أمره، فالنتيجة المبتغاة ترتبط بتوفر فائض الوقت لديه، والبائع الواثق هو مَنْ يتمكن من تحدي زبونته: لفّي السوق وتنوّري، وستعودين إليّ بالتأكيد...!
سوق الحديد
لا يقتصر البيع بهذه الطرق على السلع المنزلية والطعام والملابس، فهناك على الشارع العام وفي آخر أجزاء المخيم، تنتشر محلات مختصة بالسلع المعمّرة، فهناك محلات تبيع تجهيزات المباني أو بعض المراحل من البناء، وفي الأمر بعض التوفير، فهناك وُرَش تجهز حديد القواعد الخرسانية، و"الكانات" الحديدية الجاهزة، أي تلك الأساور المعدنية التي تستخدم في تسليح الأعمدة والجسور الخرسانية، ويقولون إنهم يأخذون ثمن الحديد فقط، وبذلك يوفرون على صاحب البناء أجور العمل في تقطيع وثني الحديد، وحسب أحدهم فإن صاحب البناء يوفر في كل ألف "كانة" حديد مبلغ 12 ديناراً، التي كان سيدفعها على شكل أجور للعامل على تشكيل الحديد.
وإذا ابتعدت قليلاً، فإن المخيم ومنطقة المشيرفة الملاصقة له تقدم أيضا بعض السلع والخدمات الأخرى، فتستطيع أن تُحضر مواسرجياً أو كهربائياً بأجور أقل، أو أن تستأجر العدد والأدوات. ومن أشهر السلع الشهيرة بانخفاض ثمنها النسبي، خزّانات المياه، لكنك أيضاً تستطيع العثور على أنواع شتى من قطع الأثاث المنزلي، المستعمل والجديد، و"المستعمل- جديد". وهذا يعني انه بمقدورك هنا أن تكون بائعاً وليس فقط مشترياً.