"الغضب" يرسم لوحة الفراق الحزين في وداع "الجماهير"
"بنظل نشجع حتى الممات"، هي كلمات لإهزوجة وحداتية معروفة، تسربت إلى قلوب أنصار الوحدات صغارا وكبارا، وغدت عنوانا للحب الجارف والوفاء للون الأخضر، أنشدت بعفوية وصدق من الجماهير، التي لم تعرف أن القدر سيسوقها لتكون "ترنيمة" وداع ملهما ومعلمها وضابط إيقاع أهازيجها على المدرجات، لترتبط بعلاقة روحانية وقصة عشق "تراجيدية" بين الحياة والموت بالتحديد على مدرجات استاد الملك عبدالله الثاني بالقويسمة أول من أمس.
رحل "المغني" محمود فخري، وبقيت أغانيه التي اتخذت من نادي الوحدات ملاذا "حية لا تموت"، وخرجت بلوعة قلبية في تشجيع المنتخبات الوطنية، بوصفه أحد مؤسسي رابطة مشجعي الوحدات إلى جانب زميله رئيس الرابطة سعيد الصيرفي "أبو سعدو"، وهما اللذان انضما لرابطة جماهير المنتخبات الوطنية، وكأنه يعيد بواقعية كلمات سميح شقير إلى واقع الفاجعة "لو رحل صوتي ما بترحل حناجركم، عيوني على بكرا وقلبي معكم، لو راح المغني بتظل الأغاني، تجمع لقلوب المكسورة والبتعاني، لو رحل لو رحل ما يروح الأمل".
"الغضب" محمود فخري، ودع جماهيره ومحبيه، وترك الغضب الجاثم بالصدور لا يستوعب فاجعة موته، وهي سلمت لقضاء الله وقدره، وزادها غضبا وألما في وداعه، قبل دقائق كان محمود فخري بينهم على المدرجات، وصدى كلمته المشهورة "معاي"، لا تبارح ذاكرة المكان، وهو الذي كان قائد "أوركسترا" التشجيع ويطلق من حنجرته أعذب الأهازيج الحماسية لفريق الوحدات الذي أحبه بجنون، وتربى تحت كنفه عاشقا متيما عبر رحلة تزيد عن ربع قرن على مدرجات الملاعب المحلية والخارجية، حتى خرجت عباراته الأخيرة "الله.. وحدات... والقدس عربية"، حتى تملكه التعب، فالتفت حوله الجماهير على المدرجات، هذا يسقيه شربة ماء، وهناك من يحاول مساعدته، حتى ليستدعي الأمر نقله بسيارة الدفاع المدني المتواجدة في الملعب، الى أقرب مستشفى البشير، قبل انطلاق صافرة بداية المباراة بدقيقتين، والجموع تنتظر بل منهم من رافقه الى المستشفى، وفي مقدمتهم رئيس نادي الوحدات يوسف الصقور، حتى جاء الخبر كالصاعقة إلى الملعب، بوفاة كبيرهم إثر نوبة قلبية حادة، فخيم الحزن على أرجاء الملعب، وانتهت طقوس التشجيع ورميت الطبول وسكت الكلام.
"الغضب" كان الفارس في موته، وحد قلوب جماهير الأندية على اختلاف ميولهم في حياته، قبل أن يقدم موته موقفا جديدا، يؤكد تلاحم وتعاضد المجتمع الأردني الواحد، والذي تحول إلى عائلة كبيرة لـ"الغضب" الراحل، كلها يعتصرها الألم على فراقه، وأخذت تعزي عائلة الفقيد ونادي الوحدات ونفسها، والتفت حول الراحل في يوم وداعه، حتى رافقته في جنازة حاشدة من مسجد "أبو إسلام" إلى مقبرة سحاب أمس، والحزن يسبق خطواتهم في نقل "محبوب الجماهير" والذي يكنى "أبو رعد" إلى الرفيق الأعلى وآخر دعواهم أن يتغمد الراحل بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جناته، ويلهم ذويه الصبر والسلوان.