فقرار التخفيض يثبت نظرية، أن مضاعف القيمة المضافة للإنفاق الحكومي ضعيف، وخير مثال على ذلك أن نمو الانفاق الحكومي على مدار السنوات بل العقود الماضية، سواء كان حجم الموازنة المركزية أم المستقلة توسعيا لم يحدث تغييرا إيجابيا في توسيع حجم الناتج المحلي الاجمالي، حتى أن النمو الاقتصادي وصل لمستويات لم تصل الـ3 %، رغم كون المملكة مضت العام الماضي بموازنة مجمعة توسعية، غير أن ذلك لم يثمر بتحفيز الاقتصاد الوطني بالشكل المأمول.
وبحسب مصادر مطلعة قالت ، فإن محور الانفاق الحكومي ومدى كفاءة تلك النفقات لاستخدام الموارد بالشكل الأمثل هو أمر بات يضع صانع القرار في ضوء المعطيات الحالية، خصوصا في بند النفقات الجارية.
وقرر مجلس الوزراء أول من أمس ضبط وترشيد وتخفيض الانفاق الحكومي، بتخفيض النفقات للوزارات والدوائر والوحدات الحكومية بمبلغ 204 ملايين دينار.
وبموجب ذلك التخفيض، فإن مجموع الانفاق العام بالموازنة المركزية والوحدات المستقبلية سيهبط من 10.506 مليار دينار إلى 10.302 مليار دينار، ليكون مجموع التخفيض ما نسبته قرابة 2 % من إجمالي الإنفاق.
وفي تفاصيل قرار مجلس الوزراء، فقد قرر المجلس تخفيض النفقات الواردة في قانون الموازنة العامة لعام 2017 بنحو 1ر174 مليون دينار موزعا بواقع 100 مليون دينار للنفقات الجارية و1ر74 مليون دينار للنفقات الرأسمالية.
وبموجب ذلك التخفيض الحكومي سيصبح مجموع النفقات الجارية 7421 مليون دينار إلا أنه يبقى كذلك أعلى من مستويات العام الماضي والبالغة 6.9 مليار دينار.
وتضمن القرار تخفيض النفقات في قانون موازنات الوحدات الحكومية لعام 2017 بمبلغ 9ر29 مليون دينار موزعا بواقع 5ر13 مليون دينار للنفقات الجارية و 16.4 مليون دينار للنفقات الرأسمالية.
وتقول مصادر مطلعة ، إن هذا الجزء من التخفيض جاء ليتواءم مع المعطيات الحالية ومعالجة الاختلالات التي تظهر بسبب النمو الاقتصادي والفرضيات التي بنيت على أساسها الموازنة العامة والمقدرة بنسبة نمو 3 %.
وبلغ نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي 2 % في 2016، وارتفع معدل التضخم لأثنى عشر شهراً مسجلاً 4.3 % في آذار (مارس) 2017 قبل أن يتراجع إلى 3.5 % في نيسان (ابريل)، وارتفع عجز الحساب الجاري إلى 9.3 % من إجمالي الناتج المحلي في 2016 وعلى هذه الخلفية استمر ارتفاع معدل البطالة، وخاصة بين الشباب والنساء حتى بلغ 15.8 % في النصف الثاني من 2016 وهو أعلى مستوى وصل إليه منذ أكثر من 10 سنوات.
وترى المصادر، التي فضلت عدم ذكر اسمها، أن هنالك ضغوطات تواجهها الموازنة جراء الظروف الإقليمية واللجوء السوري ونفقاتهم، والتي يتم تمويل جزء كبير من الموازنة لم يقابله قدرة على تدفق مناسب لحجم المنح الخارجية التي باتت تتقلص رويدا رويدا رغم الدور المحوري وصمام الأمان الذي يلعبه الاردن".
وتبين نشرة وزارة المالية للربع الأول أن المنح الخارجية بلغت 50 مليون دينار مقارنة بـ130 مليون دينار لنفس الفترة من العام الماضي.
يشار الى أن كل النظريات الاقتصادية ترتبط بعلاقة طردية بين الانفاق الحكومي والنمو الاقتصادي على فرض بقاء العوامل الأخرى ثابتة، لكن في حالة الأردن فإن المسألة مختلفة بعض الشيء، مما دفعها لهذا التخفيض ووجود إمكانيات في بند النفقات الجارية.
وتذكر المصادر ذاتها أن الحكومة ترتبط مع صندوق النقد الدولي ببرنامج إصلاحي واجتازت الجولة الأولى من المناقشات الشاقة ورغم الاصلاحات التي تفذتها بزيادة بعض السلع والخدمات بنحو نصف مليار دينار، إلا أنها قاومت بعض نصائح ووجهات النظر من ممثلي المؤسسة الدولية واختارت الضغط عبر تخفيض النفقات وبما تتناسب مع الواقع الاقتصادي، لتتناسب مع تحدي تعويض انحراف مسار النمو المستهدف والذي بنيت على أساسه فرضيات نمو الموازنة البالغة 3 % بإجراءات تخفيض النفقات، بالإضافة لتركيزها على مسألة التهرب الضريبي وتنفيذ بعض التسويات المالية والتي سبق وأن ذكرها وزير المالية عمر ملحس بتحقيق الخزينة 100 مليون دينار من قضايا للخزينة خلال 12 شهرا.
وبحسب البيان الختامي لبعثة صندوق النقد الدولي، الذي قال "بالنظر إلى المستقبل، من المتوقع أن تظل التطورات المحلية والإقليمية والجغرافية - السياسية والأمنية العالمية تؤثر على ثقة المستثمرين والصادرات والاستثمار والمالية العامة. وقد كانت المؤشرات الاقتصادية مشجعة في الآونة الأخيرة؛ حيث تشير إلى تعافي الصادرات وتحويلات العاملين في الخارج والنشاط السياحي في الشهور القليلة الاولى من 2017".
ولكن دون تحسن ملموس في الظروف الإقليمية يتوقع أن نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي 2.3 % في 2017، ومن المتوقع أن يتسارع النمو بالتدريج على المدى المتوسط تدعمه الإصلاحات الهيكلية واجراءات الضبط المالي".
مصادر أخرى قالت ، وفضلت كذلك عدم ذكر اسمها، أن مخرج تخفيض النفقات بمقدار 204 ملايين دينار قد تم كجزء من الاتفاق مع بعثة الصندوق، مدللا على ذلك بزيارة بعثة النقد في آذار (مارس) الماضي بالاضافة لمشاركة وقد حكومي رفيع المستوى في اجتماعات الربيع في واشنطن حتى عادت مرة أخرى بعثة النقد في أيار (مايو) وتم الاتفاق على تلك الصيغة، سيما وأن البعثة قالت في ذات البيان "في ضوء التقدم الذي تحقق في تنفيذ البرنامج الأردني، وتأكيد الحكومة على التزامها بتنفيذ برنامجها الطموح للسياسات الاقتصادية والهيكلية، توصلت الحكومة الأردنية وبعثة الصندوق إلى اتفاق على مستوى الخبراء بشأن استكمال المراجعة الأولى في ظل "تسهيل الصندوق الممدد". ومن المتوقع أن يستكمل المجلس التنفيذي هذه المراجعة مع نهاية حزيران (يونيو) 2017".
وتربط المصادر بين الدفعة التي يفترض أن يقرها الصندوق نهاية هذا الشهر، لكنها تقلل من شأنها من ناحية الرقم والتي تقل عن 100 مليون دينار، مركزة على أهمية الإصلاح والحصول على الشهادة التي تحتاجها المملكة لدى المانحين الدوليين.
وتختتم المصادر حديثها بالقول "إن المملكة تخطو بخطوات ثابتة وتستمع لمشاورات الصندوق أملا بمرور السنة المالية 2017 ضمن مؤشرات مستهدفة متناسقة مع الواقع والتحديات في ظل صعوبة اتخاذ مزيد من الاجراءات هذا العام تفضي لإضعاف الطلب المنهك وحالة عدم اليقين التي تسيطر على الوضع الإقليمي وتتأثر بها المملكة".