يوقن المؤمن تماماً بكلام الله تعالى وبكلام رسوله صلّى الله عليه وسلّم، حيث نؤمن بوجود السّحر، وذلك لأنّ الله تعالى أخبر عنه، وبيّن أنّ له حقيقةً، وأنّ منه ما يمكن أن يؤدّي إلى التفريق بين الرّجل وزوجته، كما في قوله تعالى:" فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ "، البقرة/102.
ومن المعلوم أيضاً أنّ من السّحر ما قد يؤدّي إلى مرض البدن أو تلف النّفس، وللسّحر أعراض وعلامات تميّزه.
كيف تعرف أنّك مسحور
- للسّحر مجموعة من الأعراض التي تظهر على الشّخص المصاب به، ومنها: أن يُحبس المسحور عن امرأته، فلا يستطيع جماعها، ولا يتمكن من الاقتراب منها، ويشعر بالنّفور الشّديد حال تواجدها.
- أن يتخيّل المسحور حصول أشياء لم تقع، أو أن ينسى كثيراً، ويؤيد هذا الكلام أنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - لما سُحر ظهرت عليه أعراض السّحر، وفي ذلك يروي البخاري ومسلم، عن عائشة رضي الله عنها، قالت:" سحَر رسولَ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - رجلٌ من بني زُرَيقٍ، يُقالُ له لَبيدُ بنُ الأعصَمِ، حتى كان رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - يُخَيَّلُ إليه أنّه يَفعَلُ الشيءَ وما فعَله، حتى إذا كان ذاتَ يومٍ أو ذاتَ ليلةٍ وهو عِندي، لكنّه دَعا ودَعا، ثمّ قال: يا عائشةُ، أشَعَرتِ أن اللهَ أفتاني فيما استفتَيتُه فيه، أتاني رجلانِ، فقعَد أحدُهما عِندَ رأسي، والآخَرُ عِندَ رِجلي، فقال أحدُهما لصاحِبِه: ما وجَعُ الرجلِ؟ فقال: مَطبوبٌ، قال: مَن طبَّه؟ قال: لَبيدُ بنُ الأعصَمِ، قال: في أيِّ شيءٍ؟ قال: في مُشطٍ ومُشاطَةٍ، وجُفِّ طَلعِ نخلةٍ ذكَرٍ. قال: وأينَ هو؟ قال: في بئرِ ذَروانَ. فأتاها رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّم - في ناسٍ من أصحابِه، فجاء فقال: يا عائشةُ، كأنّ ماءَها نُقاعَةُ الحِنَّاءِ، أو كأنّ رُؤوسَ نخلِها رُؤوسُ الشياطينِ. قلتُ: يا رسولَ اللهِ: أفلا استخرَجْتَه؟ قال: قد عافاني اللهُ، فكرِهْتُ أن أُثَوِّرَ على النّاسِ فيه شرًّا. فأمَر بها فدُفِنَتْ "، رواه البخاري.
- الرّؤى المناميّة.
السحر
عرّف العلماء السّحر بأنّه عزائم، وطلاسم، ورقى، وعقد، يتوصّل بها السّاحر إلى استخدام الشّياطين في التّأثير على القلوب والأبدان، بما يكون سبباً لمرض، أو موت، أو تفريق بين الرّجل وأهله، أو نحو ذلك، قال تعالى:" وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ "، البقرة/102.
علاج السحر
إنّ السّحر يبطل بالدّعاء مع الأخذ بأسباب علاجه المباحة، كالرقية الشّرعية عند من يوثق في دينه وفي علمه بذلك، ومن أهمّ خطوات العلاج:
- قراءة القرآن على المريض: ومنها الفاتحة وما تيسّر من سورة البقرة، والإخلاص، والمعوّذتين، والآيات التي يُذكر فيها إبطال السّحر، كقوله تعالى:" فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ "، يونس/81.
- التّحصن بالأذكار المشروعة، كأذكار الصّباح والمساء.
- المحافظة على الوضوء. أن يقرأ المريض في ماء وزيت زيتون أوّل سورة الصّافات وسورة الدّخان، إضافةً إلى التّعوذ بالله، مثل أن يقول:" أعوذ بالله بكلمات الله التّامة، من كلّ شيطان وهامّة، ومن كلّ عين لامّة. أعوذ بكلمات الله التّامات من شرّ ما خلق، بسم الله الذي لا يضرّ مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السّميع العليم "، 3 مرّات لكلّ ذكر، ثمّ ينفث في الماء وزيت الزيتون، ويشرب الماء ويدلّك جسم المريض بزيت الزيتون، وهذا العلاج لا ينتفع به الشّخص إلا إذا اعتقد أنّ الشّفاء بيد الله، وأنّ هذا العلاج نافع بإذن الله، أمّا إذا أخذه وعمل على طريقة التّجربة فأغلب الظنّ أنّه لا ينتفع به.
- الاستعانة بالجنّ المسلمين في العلاج أمر لا يجوز.
أنواع السحر
تتعدّد أنواع السّحر بتعدّد الاستعانات التي يستعين بها السّاحر في تحقيق غرضه، فمن السّحرة من يزعم الاستعانة بالجنّ، ومنهم من يستعين بالكواكب، ومنهم من ينفخ في العُقد، ومنهم من يقتصر أمره على خفّة اليد وسرعة الحركة، ويمكن تفصيل هذه الأنواع بما يلي:
النّوع الأوّل: وهو السّحر الذي يستعين فيه السّاحر بالكواكب، كسحر الكلدانيين وأهل بابل وغيرهم، وهؤلاء كانوا قوماً صابئين يعبدون الكواكب السّبعة، وفي اعتقادهم أنّها المدبّرة للعالم، وأنّ حوادث العالم كلّها من أفعالها، وقد بعث الله إليهم إبراهيم عليه السّلام مبطلاً لمقالتهم.
وتأتي الاستعانة بالكواكب على أنواع منها:
- الطلاسم: وهي عبارة عن نقش أسماء خاصّة لها تعلّق بالأفلاك والكواكب، في جسم من المعادن أو غيرها، تحدث به خاصيّةً معيّنةً.
- الأفلاك: وهو نوع يعتمد على النّظر في حركات الأفلاك، ودورانها، واقترانها، وافتراقها، وطلوعها، وغروبها، وفي اعتقادهم فإنّ لكلّ نجم منها تأثيراً على انفراده، كما أنّ لها تأثيراً في حال اجتماعها بغيرها، مثل غلاء الأسعار ورخصها، ووقوع الحوادث، وهبوب الرّياح ونحو ذلك.
- منازل القمر: وهو نوع يعتمد على النّظر في منازل القمر الثّمانية والعشرين، وفي اعتقادهم فإنّ لاقتران القمر بكل منزل منها ومفارقته تأثيراً ما، وأنّ في تلك المقارنة أو المفارقة تأليفاً، أو تفريقاً، أو سعداً، أو نحساً، وغير ذلك.
النّوع الثّاني: الاستعانة بالأرواح الأرضيّة، وهم شياطين الجنّ. وهذا الاتصال يحصل بشيء من الرّقى، والدّخان، والتّجريد. وعندما يتحقق الاتصال تحصل الاستعانة ثم الإعانة، لكن ذلك لا يكون دون الشّرك بالله تعالى.
النّوع الثّالث: الشعبذة، وهي مبنيّة على أنّ البصر قد يخطئ ويشتغل بشيء معيّن دون سواه. فصاحب الشعبذة يظهر شيئاً يذهل أذهان النّاظرين به، ويأخذ أبصارهم إليه، حتّى إذا انشغلوا بذلك الشّيء، وحدّقوا نحوه عمل شيئاً آخر بسرعة شديدة، وحينئذ يظهر لهم شيء مخالف لما انتظروه، فيأخذهم العجب ممّا صنع، ولو أنّه لم يفعل ما يصرف به أنظار النّاس، لتفطنوا لكلّ ما يفعله.
النّوع الرّابع: العُقد والنّفث فيه، حيث يكزن النّفخ فيه مع ريق خفيف، قال تعالى:" ومن شر النّفاثات في العقد "، الفلق/4.
والنّفاثات في العقد: هنّ السّواحر اللاتي يعقدن الخيوط، وينفثن في كلّ عقدة حتّى ينعقد ما يردن من السّحر، وذلك إذا كان المسحور غير حاضر، أمّا إذا كان حاضراً فينفثن عليه مباشرةً. ومن هذا النّوع سحر لبيد بن الأعصم اليهوديّ للرسول صلّى الله عليه وسلّم.
آثار السحر ومفاسده
- سحر التّفريق: وذلك بالعمل على تفريق المرأة عن زوجها، وتفريق الزّوج عن زوجته، من خلال الاستعانة بالشّياطين والجنّ، بحيث يجعلون الرّجل القوي غير قادر على مباشرة زوجته، ويجعل المرأة تتمنّع على زوجها وتأبى قربه، وهذا السّحر من أخطر الأنواع، لما ينتج عنه من فساد في الأسر، وفشل في الحياة الزّوجية.
- سحر الجنون: ومن أهمّ أعراضه الشّرود، والنّسيان، والذّهول، والخبل، وعدم القدرة على التّحكم في النّفس أو التّصرفات، وسبب هذا اقتران الشّيطان بالمصاب، وتأثيره على مخّه.
ولكن لا يعدّ كلّ جنون بسبب اقتران الشيطان بالإنسان وسيطرته على مخّه، وإنما هناك أنواع أخرى ولها أسبابها العضويّة، ويرجع في تشخيص كلّ حالة إلى ذوي الاختصاص.
- سحر المرض: وهذا النّوع من السحر يأخذ شكل مرض من الأمراض، إلا أنّه يختلف عن الأمراض العضوية في أنّه ينتقل من موضع إلى آخر في جسم الإنسان، دونما سبب محسوس.
- سحر المحبّة: حيث يقوم السّاحر بطلب من المتقدم إليه، ليعمل له سحراً يحبّب فيه زوجته أو غيرها، أو ليعمل للزوجة سحراً يحبّب زوجها أو غيره فيها، وذلك بأخذ أثر من آثار المسحور، فتظهر عليه أعراض هذا السّحر المرضية، وقد ينقلب السّحر على الساحر فيكره الزّوج زوجته، أو يكره كلّ النّساء معها، لأنّ السحر قد يكون مزدوجاً، بحيث يُعمل ليحبّ زوجته ويكره من سواها.
- سحر الخمول: ومن أعراضه الانطواء، والصّداع، والعزلة، فيحبّ المسحور الوحدة، والصّمت الدّائم، والسّكون المفرط.