التحول إلى الطاقة الشمسية من أجل المياه
في حديقة الشيخ محمد من راشد آل مكتوم الشمسية، التي يجري إنشاؤها بالقرب من دبي، تم تخصيص إحدى مرافق المشروع لتحلية المياه هذا الشهر.
وفي ضوء أن المنشأة تُدار بمجموعة من الألواح الشمسية والبطاريات، سوف يتمكن نظامها من إنتاج ما يقارب 13,200 غالون من الماء الصالح للشرب يومياً ليتم استخدامها في الموقع.
وهذه الكمية ضئيلة نوعاً ما في حال قورنت بمحليات المياه في دول أخرى، ولكنها بداية الإجابة عن السؤال اللحوح الذي يقول: متى يمكن للدول التوقف عن حرق الوقود الأحفوري لإمداد شعوبها بالمياه العذبة؟
وفي الواقع، هناك مئات محطات تحلية المياه المخطط لها، أو تحت الإنشاء الآن، في العالم أجمع لأن المياة العذبة أصبحت ثمينة.
ووفقاً لتقرير أصدره المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، سوف يتعرض أكثر من نصف سكان العالم لخطر الافتقار للمياه بحلول العام 2050، وذلك في حال استمرت الاتجاهات الحالية لاستعماله وتنقيته.
وفي كاليفورنيا، التي تعاني الجفاف، سوف تنتج محطة بتكلفة مليار دولار في كارلسباد -شمال سان دييغو- 54 مليون غالون من المياه العذبة يومياً.
ويمكن لمحطة "سوريك" العملاقة في "إسرائيل" أن تنتج أكثر من 160 مليون غالون يومياً.
ولكن هذه المحطات لا تتعدى كونها صفقة شيطانية، في ضوء أنها تستخدم الطاقة معتمدة على محطات ودفيئات أخرى يغلب عليها كونها تبعث بالغازات الدفيئة، ما سيفاقم في الواقع مشكلة الجفاف في نهاية المطاف.
وفي سياق متصل، تستخدم المملكة العربية السعودية -على سبيل المثال- حوالي 300 ألف برميل نفط يومياً لتحلية مياه البحر، موفرة بذلك حوالي 60 % من إمدادات المياه العذبة لشعبها. لكن هذا الامر ليس بالمستدام، الأمر الذي يجعل من إيجاد طريقة لإنتاج المياه العذبة دون اعتماد حرق الوقود الأحفوري أمرا في غاية الأهمية ليس فقط للدول الصحراوية في الشرق الأوسط، وإنما لعدد متزايد من الدول في جميع أنحاء العالم.
وفي حين أن محطة تحلية المياه التي تعتمد الطاقة الشمسية في دبي صغيرة جداً، من المقرر أن تبدأ محطة مدينة الخفجي في العربية السعودية –الأكبر من نظيرتها بكثير- أعمالها قريباً. وسوف تنتج محطة الخفجي ما يقارب 16 مليون غالون من الماء العذب في اليوم الواحد، ما يكفي لإمداد السكان المحليين في المملكة. وتقول شركة الطاقة الشمسية الإسبانية "أبينجوا"، التي تعمل يداً بيد على إنشاء المحطة مع الشركة المملوكة للدولة السعودية "تقنية المياه المتقدمة"، عن المحطة إنها "أول محطة واسعة النطاق لتحلية المياه في العالم سوف يتم تشغيلها بوساطة الطاقة الشمسية".
ولكن، لسوء الحظ، تكلف محطات تحلية المياه باستخدام الطاقة الشمسية الكثير: ما يقدر بثلاثة أضعاف تكلفة المياه التي تنتج في محطات تعمل بالكهرباء، وفقاً لتقرير صدر عن البنك الدولي. وعلى صعيد متصل، تحتاج محطات تحلية المياه لأن تعمل 24 ساعة في اليوم، ما يتطلب حزم بطاريات مُكلفة لتعويض وإكمال المهمة عندما تغيب أشعة الشمس.
وبفضل زيادة الكفاءة وانخفاض أسعار الطاقة الشمسية، من المتوقع لهذه التكاليف المرتفعة أن تنخفض بسرعة: من أكثر من 50 دولارا لكل 1000 غالون في اليوم، في الشرق الأوسط، إلى نصف ذلك بحلول منتصف القرن الجاري. ولكن هذا ما يزال على الأرجح كثيرا جداً ليجعل تحلية المياه بالطاقة الشمسية مجدية اقتصادياً دون الحاجة إلى دعم حكومي، حتى في دول الشرق الأوسط الأفضل من حيث استقبال الطاقة الشمسية معظم أيام السنة.
ويبرز سبب آخر في أن الأمر مكلف جداً، في أن الألواح الشمسية الكبيرة تحتاج إلى مساحة كبيرة أيضاً. وهذا يعني أن تحلية المياه بالطاقة الشمسية يمكن أن تكون مجديةً اقتصادياً أكثر في الأماكن والمساحات الصغيرة. وعلى سبيل المثال، يبني "مركز بحوث تكنولوجيا المياه" التابع لجامعة كاليفورنيا، في كاليفورنيا التي تعاني الجفاف، العديد من المحطات والمرافق التي تعتمد الطاقة الشمسية في تشغيلها لتحلية مياه الصرف الزراعي المالحة من أجل المدن التي تفتقر إلى الإمدادات الكافية من المياه النظيفة. وهذه المرافق "صغيرة بما يكفي لاستخدام الطاقة الشمسية"، وفقاً لبروفيسور جامعة كاليفورنيا يورام كوهين، الذي يرأس هذا المشروع. "لا يمكنك القيام بالأمر نفسه في كارلسباد لأن أسعار العقارات مكلفة للغاية".
ولكن، يمكن للتكنولوجيات المتقدمة أن تغير المعادلة في الوقت نفسه. حيث تعمل محطتا آل مكتوم والخفجي ببساطة على استبدال الطاقة الشمسية بطاقة الكهرباء في المرافق التي تستخدم "التناضح العكسي"، بمعنى دفع المياه المالحة عبر أغشية البوليمر التي تمنع أيونات الملح من المرور عبرها، لتترك المياه الخالية منه تمر وحدها من خلالها. وهذه عملية تكثف استخدام الطاقة بطبيعتها. ويمكن للمحطات التي تستخدم الحرارة المولدة من صفائف الطاقة الشمسية المركزة لاستخلاص المياه العذبة من مياه البحر، أن تكون قابلة للمقارنة في التكاليف والنواتج مع بعض المحطات التي تعتمد الكهرباء، وفقاً لتحليل البنك الدولي.