ما الذي يدفع الأردنيين للبحث عن الذهب ؟ .. وهل هناك ذهب ودفائن في الأردن؟
(ليس كل ما يلمع ذهباً) هذا ما تعارفت عليه العرب في السابق وصدقه فتحي (اسم مستعار)، لكن بعد أن عاش التجربة بنفسه حين قرر عقب الشائعات المتداولة بين أبناء بلدته في الكرك جنوبي الأردن البحث عن الدفائن قرب إحدى المقابر الأثرية.
أعد العدة من مال وجهد وكثير من الوقت وبدأ يومياً برفقة مقربين منه بالبحث عن الذهب طمعاً في أن يصبح ثرياً كجاره الذي اشترى مؤخراً سيارة فارهة وأشاع من حوله أنها من الذهب الذي عثر عليه.
يشرح فتحي وضحكة ممزوجة بالحسرة على تلك الأيام التي أضاعها في البحث عن فراغ ترتسم على وجهه، ويقول " لم تنجح عمليات التنقيب عن الذهب وكل ما وجدوه كان مجرد فخار لا قيمة له".
حال فتحي كانت الأفضل مقارنة بأولئك الذين تعرضوا للنصب والاحتيال وخديعة المشعوذين بحجة استخراج الذهب من أرضهم مستغلين حاجة الناس وفقرهم وقلة حيلتهم.
** عندما تقل الحيلة يبحثون عن الخرافة
يقول الأخصائي النفسي الدكتور محمد الحباشنة إن الذهب معدن متعلق تاريخياً بالثراء والمرحلة الحالية تتطلب المزيد من الاستهلاك الذي يعني بالضرورة امتلاك المال.
وأوضح الحباشنة أنه بالنظر إلى أن الثراء يحتاج جهداً فإن كثيراً من الناس يلجأون للبحث عن طرق سريعة متخذين من نماذج الغنى السريعة مثالاً كربح البورصة، أو الحصول على مناصب حكومية وغير حكومية بشكل مفاجئ، أو بالتنقيب عن الذهب.
وأضاف "عندما تقل الحيلة ولا ينقذك الواقع تبدأ بالبحث عن خرافة."
ويوافقه الرأي أخصائي علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي الذي أشار إلى أن البعض يبحث عن الكسب السريع ولا يرغب ببذل الجهد للحصول على المال، خاصة وأن للذهب قيمة لا تنقص فيحرصون على اقتنائه.
** موروث شعبي
ويتحدث الأخصائيون عن تمسك البعض بالموروث الشعبي عن الذهب واعتقادهم السائد بوجود الدفائن التي ستجعل منهم أثرياء يوماً ما.
ولم تكن حادثة ذهب عجلون ببعيدة حين شاعت في الأوساط الشعبية بأن الحكومة عثرت على الذهب في خربة هرقلا بالمحافظة الواقعة شمالي الأردن، ليتبين عقب تخبط بالتصريحات الرسمية أن الأمر متعلق بأجهزة تجسس إسرائيلية مدفونة في المكان.
وبحسب ما أفاد به المواطن معاذ (اسم مستعار) فإن الاعتقاد السائد لديه ولدى العديد من أصدقائه بأن الأردن غني بالذهب والدفائن.
ويستدل معاذ في معتقده إلى جاره المتقاعد الذي أصبح ثرياً فجأة على حد قوله.
ويتابع "جاري قال أنه بحث عن الذهب ووجده، ربنا يبارك له.. أصبح لديه ولدى كل واحد من أبنائه سيارة فارهة!."
ويقع العديد ضحية للموروث الشعبي، حيث يتعرضون للنصب والاحتيال من قبل مدعين يزعمون أنهم قادرون على استخراج الذهب والدفائن أو ما يعرف بـ "الجلب".
ودفع آخرون الكثير من أموالهم للدجالين والمشعوذين بغية الحصول على الذهب.
وتتفاوت الشائعات بين الناس حيث يروي البعض قصصاً عن جلب الذهب ورؤيتهم له بأم أعينهم دون التمكن من لمسه، بينما يتحدث آخرون عن الذهب المرصود.
وبلغ البحث عن الذهب لدى البعض درجة الهوس.
ويروي أحمد (اسم مستعار) ما حصل مع أحد أقربائه الذي بلغ حد الجنون في تنقيبه عن الذهب وتصديقه للمحتالين.
ويقول إن كل من في الحي باتوا يستغلون هوسه ويحصلون على المال منه مقابل وعودهم له بمساعدته في العثور على الذهب.
بينما يؤكد أخصائي علم الآثار البروفيسور حمزة المحاسنة أنه لا وجود للرصد وكل ما يتم تداوله ناجم عن الموروث الشعبي ليس إلا، لافتاً إلى عدم وجود اتصال حسي بين الإنس والجن.
كما أشار الخزاعي إلى أن الكثيرين وقعوا ضحايا لعمليات النصب والاحتيال في بحثهم عن الذهب العثماني.
ولم يتسن الحصول على إحصائية أمنية حول عدد الحالات التي تعرضت للاحتيال أو أولئك الذين ألقي القبض عليهم في رحلة البحث عن الذهب.
** ما حقيقة وجود الذهب في الأردن؟
يقول الخزاعي إن الباحثين عن الذهب يستندون إلى روايات من ادعوا عثورهم على هذا المعدن الثمين، مفيداً بأن الدولة العثمانية كانت تحصل على الضرائب من المواطنين على شكل قطع ذهبية مما يعزز فكرة وجود الذهب كدفائن في الأردن.
لكن المحاسنة يوضح أن إمكانية العثور على الذهب في المواقع الأثرية والمدافن بالأردن نادرة جداً، إضافة إلى أن العثمانيين في فترة حكمهم لم يدفنوا الذهب ولم يخلفوه وراءهم كما هو سائد في الأوساط الشعبية.
وأضاف "عندما يكون هناك حرب فإن أول ما يفكر به الراحلون هو أخذ ذهبهم وأموالهم معهم خاصة وأن أكبر حامية للعثمانيين خرجت من الأردن بسلام ما يدفعهم إلى عدم ترك مقتنيات ثمينة وراءهم."
وأشار المحاسنة إلى أن العثمانيين استخدموا في نهاية عهدهم العملة الورقية.
ويفرق المحاسنة بين الذهب كمعدن وذلك الذي يبحث عنه كدفائن، لكنه يعود ويؤكد أن معدن الذهب كذلك غير موجود في الأردن.
وأوضح أن معدن الذهب يتواجد إما عند جذور النباتات الناعمة أو قرب مجاري الأنهار، إلا أنه في كلتا الحالتين لا يوجد ذهب في المملكة.
وفي الوقت الذي لا يعتقد فيه نقيب الجيولوجيين صخر النسور بوجود الذهب كدفائن في المملكة، إلا أنه يرى بأن معدن الذهب المترسب في الطبيعة موجود في الأردن وخاصة في الجنوب.
وقال إن الذهب موجود في كميات ترابية بالأردن وقد يكون هناك دراسة جدوى اقتصادية من قبل إحدى الشركات حيال استخراجه وإجراء عمليات فصله.
ويتفق المحاسنة والنسور على وجود معادن أخرى في الأردن بحاجة لاستخراجها والاستفادة منها كالنحاس.
** (تدمير للآثار والسجن بانتظارهم)
ليست حادثة إنقاذ 3 شبان في إربد شمالي الأردن ببعيدة كذلك، بعد أن حفروا نفقاً بطول 12 متراً يمتد من منزل إلى بلدة زبدة في المحافظة.
وأشارت المعلومات في حينها إلى نية الشبان بالبحث عن الدفائن، حيث فتحت الأجهزة المختصة تحقيقاً بالقضية.
وبسبب أعمال التعبيد حدثت انهيارات في النفق الذي حفره الشبان الثلاثة، مما أدى لاحتجاز أحدهم داخله.
وأما الآخران فتمكنا آنذاك من النجاة وإبلاغ كوادر الدفاع المدني التي عملت على إنقاذ الشاب العالق عقب 3 ساعات ونقلته إلى المستشفى.
ويعلق مدير عام دائرة الآثار العامة منذر الجمحاوي بالتأكيد على أن عمليات البحث عن الدفائن بهذه الصورة العشوائية أدت إلى تشويه وتخريب في الكثير من الأماكن الأثرية.
ولفت الجمحاوي إلى أن الحديث عن وجود دفائن من الذهب في الأردن هو مجرد لغط والبحث عنها مضيعة للوقت، لافتاً إلى أن السجن والغرامة ستكون مصير المخالفين.
وبحسب المادة (26) من قانون الآثار الأردني فإنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن 3 سنوات وبغرامة لا تقل عن 3 آلاف دينار وبما يتناسب مع قيمة الأثر، "كل من نقب عن الآثار دون رخصة، وكل من تاجر بها أو ساعد في ذلك أو حرض عليه، وكل من تعمد تجريف أو إتلاف أو تخريب أو تشويه أي آثار منقولة أو غير منقولة بما في ذلك تغيير معالمها أو فصل أي جزء منها أو تحويرها."
كما تنطبق ذات العقوبات على كل من "زور أي أثر أو عمد إلى تزييفه أو امتنع عن تسليم الآثار التي اكتشفها أو عثر عليها إلى دائرة الآثار العامة سواء كان يحمل رخصة للتنقيب أم لا، وكل من نقل أي أثر أو تصرف بما في ذلك تهريبها وإخفاؤها أو تاجر بالقطع المقلدة على أنها أصلية أو سرق قطعاً أثرية."
وبحسب القانون فإنه تتم مصادرة المضبوطات من المواد الأثرية والقطع المزورة والمقلدة وقوالب الصب وتسلم لدائرة الآثار العامة.