إسلام صوالحة -
مازال الغموض يلف الحادثة التي هزت الرأي العام الأردني، حتى عقب الاعلان رسمياً عن إنتفاء الشبهة الجنائية في وفاة سيدة الاعمال والناشطة الاجتماعية ثريا السلطي وشقيقتها جمانة يوم الجمعة الماضي.
لا نشكك بالرواية الأمنية حول توصيف الوفاة، فلا يمكن أن تخطئ جميع جهات التحقيق بدءً بالمحققين، مروراً بالطب الشرعي والمختبرات والخبراء وإنتهاء بالإدعاء العام الذي إستلم ملف القضية كاملاً، ولكننا نطرح تساؤلات حول ما غفل عنه بيان الأمن العام، نقصد الدوافع، فهل ثمة دافع نفسي، أم ظروف إجتماعية، أم ضغوطات وتهديدات أم ....!!
بيان الأمن العام كان مطلوباً منه أن يجيب على جميع التساؤلات التي فاضت بها مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، لكنه لم 'يشفِ الغليل'، فالأمن العام في بيانه أصرَّ على إظهار الحقائق المرتبطة بالحادثة والأدلة المقترنة بها ورواية الشهود، مبتعداً كل البعد عن بعض التفاصيل البسيطة المتعلقة بخصوصيات المرحومتين، كعدم نشر مضمون الرسالة (التي تركتها ثريا) بعد أن إعتبرها الأمن خصوصية للمرحومة، لا يحق لأي أحد الإطلاع عليها سوى الأهل.
غير أن عائلة الشقيقتين، ونخب سياسية وإجتماعية والرأي العام عموماً، وكل من عرف الشقيقتين لم يسلِّموا بما خلصت إليه التحقيقات، فأي عاقل يصدق أن الشقيقتين المفعمتين بالحياة والنشاط، واللتان تتبوءآن مكانة إجتماعية رفيعة، وتنتميان للطبقة المخملية، يمكن أن تقدما على إنهاء حياتهما بهذه الطريقة المأساوية دون دافع خارق للعادة.
أن تُقدم فتاتان من الطبقة الكادحة على إنهاء حياتهما فثمة ألف دافع ودافع، على أقل تقدير يبقى الأمر مستساغاً، ولكن أين الدوافع في حالة ثريا وجمانة؟ 'فلا التوصيف ولا الجنس ولا الطريقة ولا السياق ولا المكان ولا الزمان ولا الإنسان توحي أو تشي بالإنتحار التقليدي الذي خبرناه، كما عبّر خبير نفسي.
قد تكون الشهبة الجنائية غائبة عن الحادثة لحظة التنفيذ، كما أكدته فرق مسرح الجريمة التي لم تعثر على أي أثر في المكان لأي شخص يرتبط بالحادثة، خاصة أن جسم الفتاتين خالٍ من أي تأثير لمواد مخدرة، وهما بحاجة في حال إرتكاب جريمة بتلك الصورة لعدد ليس بقليل من الأشخاص للسيطرة عليهما وتنفيذ الجريمة والمغادرة، دون ترك أي أثر مادي، أو ترك آثار وعينات في المكان، وهو ما تدعمه رواية الشاهدة التي كانت تقف على شرفة منزلها وحارس البناية و4 أشخاص إستدعاهم حارس العمارة عند مشاهدته الفتاتين لمساعدته.
غير أن إفادة الشاهدة التي أكدت بأن الشقيقتين دخلتا الى البناية (مسرح الحادثة) وحدهما لا ثالث معهما، تلك الإفادة صبّت المزيد من الوقود على نار التساؤلات التي تشعل صدور الأردنيين، إذ تقول الشاهدة (وفق الوصف الذي قدمته للشقيقتين) أن جمانة هي من ترجلت من المركبة مسرعة بإتجاه مدخل البناية وشقيقتها الكبرى ثريا لحقت بها، ما يشير الى أن جمانة كانت ترغب بالإنتحار ولحقت بها شقيقتها لمنعها، ولكن كيف يستقيم هذا مع رسالة ثريا لوالدتها (أكد خبير الخطوط وأيضا طليقها بأنها مطابقة لخط يدها) والتي عُثر عليها داخل قرآن 'مترجم للغة الانجليزية' في المركبة، والتي أبلغت فيها المرحومة عن رغبتها بـ'الإنتحار'!.
وإن كانت ثريا كتبت الرسالة بمحض إصرار وإرادة، فلماذا كانت يداها ترتجفان كما كشف رسم خطها، بحسب إفادة طليقها، وإن كانت قد حددت ذلك اليوم المشؤوم لإنهاء حياتها، فلماذا دعت والدتها لتناول وجبة الغداء في مأدبا، في إتصال هاتفي أجرته من نادي الغولف من هاتف إبن شقيق مالكة النادي، ولماذا إعتذرت عن تلبية دعوة عائلة طليقها في إتصال آخر مع والدته (حماتها السابقة)؟ ومن هي الجهة التي هاتفتها ثريا في مكالمتين أخريين من هاتف 'اشرف' العامل المصري في النادي، وقامت بعدها بحذف الارقام من ذاكرة الجهاز؟ ولماذا..؟
لم تكن وفاة طبيعية، ولا حادثاً عارضاً، أو إنتحاراً بالمعنى التقليدي.. هذا ما خلص إليه تحقيق صحفي، عن نتائجه على أجزاء تحت عنوان 'الساعة الأخيرة'، بعد أن حصلنا على شهادات ومعلومات ومعطيات تؤكد أن ثمة مجرم، وإن لم يكن بشراً.
ثريا وشقيقتها عانتا عاماً كاملاً جراء ضغوطات وتهديدات من جهات ' High Level' وفق تعبير والدتهما المكلومة، التي تؤكد بأن ثمة من كان يراقب هواتفهما، وهذا ما يفسر تركهما لأجهزتهما الخلوية في المنزل يوم الحادثة.
بالأمس فقط، رفضت الوالدة الذهاب الى بيت عزاء إبنتيها خوفاً من (شخص أو شئ ما)، فما الذي أرعب الوالدة؟؟ ولماذا غفلت التحقيقات عن إفادتها؟ وبماذا همست الأم في أذن جلالة الملكة رانيا حين زارتها معزية، وما حقيقة أن الشقيقتين إشتكتيا في وقت سابق للديوان الملكي بأن ثمة من يلاحقهما ويهددهما؟
قد يكون الفضول الصحفي في البداية، ومحاولة حل الأحجية التي شغلت الرأي العام، الدافع الأساس الذي دعانا الى تتبع ذات الطريق الذي سلكته الشقيقتان، ولم نكن نعلم أن من لم تجمعنا بهما الحياة ستحيَيان في مخيِّلنابوفاتهما، فكل من وما صادفناه في رحلة التقصي، كان يُثري فضولنا ويثير إندهاشنا، وكلما ظننا أننا نقترب من الأجوبة نتعثر بأسئلة أكثر إثارة وغموض.
المسافة الزمنية التي تفصل نادي الغولف آخر مكان عام تواجدت فيه الشقيقتان، عن البناية قيد الانشاء في ضاحية الامير علي قرب منتزه غمدان والتي شهدت الفاجعة، لا تتجاوز الـ 7 دقائق لمن يعرف المنطقة، وبحسب رواية الشهود الذين تحدثوا لنا، فقد وصلت الشقيقتان الى نادي الغولف بحدود الثالثة وغادرتاه بعدها بنصف ساعة أو أكثر بقليل، أما الحادثة فقط وقعت عند الرابعة والنصف تقريبا أو أقل بقليل، حيث بُلِّغ طليق ثريا بوفاتها عند الخامسة مساء.
إذن، ما الذي تخفيه المسافة بين النادي والبناية، لاسيما أن الشقيقتين سلكتا طريقاً مختصراً ووعراً، مغايراً عن ذلك الطريق الذي إعتادتا على سلوكه عند مغاردتهما النادي الذي كانتا ترتاداه مرتين أو أكثر أسبوعياً؟؟
متى اتُخذ قرار 'إنهاء الحياة' ولماذا؟ وما علاقة المكالمتين اللتين أجرتهما ثريا من النادي وقامت بحذف أرقامهما من الذاكرة؟ وماذا دار بين الشقيتين في المسافة الفاصلة بين النادي والبناية، وكيف إستدلتا على البناية، ولماذا سبقت جمانة، ثريا إليها، إن كانت الأخيرة هي من تركت وراءها رسالة تؤكد نيتها 'إنهاء حياتها وأوصت بإبنتها، وما هي الضغوطات والتهديدات التي تحدثت عنها الأم، وزميلات ثريا في إنجاز؟ ولماذا طلبت الأم إغلاق الملف ورفضت مقابلة فريق تحقيق من السفارة الأمريكية (كونها تحمل وإبنتيها الجنسية الامريكية)؟؟
أسئلة كثيرة سنحاول البحث عن أجوبة شافية لها في تحقيقنا إن كُتب له الإستمرار، وسنواصل رحلة البحث عن الجاني، الذي دفع بالشقيقتين الى إنهاء حياتهما بهذه الطريقة، وندعو كل من يملك معلومة أن يقدمها لنا، فالملف لم يُغلق بعد، ولن نسمح أن يقيَّد ضد مجهول.