وكاله جراءة نيوز- عمان - رسم اقتصاديون وأكاديميون خريطة طريق قد تساعد في تقليل الصعوبات الاقتصادية التي تواجه المملكة العام الحالي ولسنوات مقبلة،مؤكدين الحاجة لـ "ربيع اقتصادي للخروج بأقل الخسائر والكسب الوفير".
وبالرغم من جسامة الصعوبات وثقلها التي حددها اقتصاديون وأكاديميون تحدثوا لـ(بترا)،الا أن الاقتصاد الوطني حسبما أكدوا،يزخز بعظيم الفرص التي لو أحسن استغلالها واستثمارها ستعطي دفعة قوية لعجلة النمو لتدور بوتيرة اعلى عما كانت عليه خلال العام الماضي.
وحسب تصريحات رسمية افصح عنها وزير المالية تأثر الاقتصاد الأردني في 2011 بتبعات احداث الربيع العربي وتراجع الصادرات ، وحالة عدم اليقين التي سادت الاقتصاد العالمي جراء الديون السيادية ومشاكل دول (منطقة اليورو) وارتفاع أسعار النفط والسلع الغذائية وموازنة مثقلة بالعجز.
ويزخر الاقتصاد الوطني بالكثير من الفرص في قطاعات ما زالت واعدة كالصناعة والزراعة والسياحة العلاجية وتكنولوجيا المعلومات والطاقة المتجددة والنقل وسوق رأس المال يحميها استقرار سياسي وامني. وبدأ الخبير المصرفي والاقتصادي الدكتور صبري الديسي حديثه بالقول إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة، وان التندر بالشكوى لا يقدم حلاً لمعضلة وإن السنوات السابقة كانت أيضا سنوات اقتصادية صعبة على الأردن ولكن المملكة استطاعت مواجهة ذلك.
وأضاف الديسي "ليس بالتمني تتحقق الآمال ولكن بالفكر والجهد والعمل والانتماء والصدق مع النفس، وكون الأردن ضمن منظومة عربية تفاوتت أرزاقها فكانت من الأقل حظاً بينها بخيرات أرضها إلا أن العقول والسواعد الفنية قادرة على التعويض".
وقال الديسي الذي يشغل أيضا منصب أمين سر جمعية الأعمال الأردنية الأوروبية (جيبا) ان العام الماضي شهد تباطؤا للنمو الاقتصادي العالمي على المستوى العالمي وتراجعاً اقتصادياً حاداً في معظم دول العالم بخاصة الاقتصاديات الضخمة الذي يتأثر بنفسه ويؤثر بغيره.
وأضاف باستثناء الصين وتركيا لم تشهد أي دولة أخرى نمواً اقتصادياً حقيقياً حتى بالأسعار السائدة وشهدت معظم أسواق رأس المال في دول الاتحاد الأروبي انخفاضاً تراوح بين 18و21 بالمئة.
وأشار الديسي إلى أن انخفاض سوق عمان المالي بنسبة حوالي 16 بالمئة مقارنة مع الأسواق العالمية مؤشر جيد بالرغم أنه من الأسواق الناشئة لا الناضجة.
وقال إن مقتل اقتصادنا الوطني هو العجز التجاري المتمثل بالفاتورة النفطية والتي تحرق يابس واخضر نموناً الاقتصادي ومعظم انجازاته، مؤكدا ضرورة أن يكون لدينا لحظة صدق مع النفس بهذا الخصوص.
وتساءل الديسي ،إلى متى يمكن للأردن تحمل هذا العبء المتنامي، الا نريد أن نخرج بحلول وإيجاد مصادر بديلة للطاقة الحالية، داعيا القطاعين العام والخاص إلى التعاضد والتلاحم لمحاربة الفساد وقطع دابره، وتشجيع الصناعات المتوسطة والصغيرة،وفتح معاهد متخصصة لكافة المهن والحرف واعطاء شهادة تأهيل لخريجيها وعدم السماح لأي فني أو مهني بممارسة مهنة ما دون شهادة تأهيل.
وأكد الديسي ضرورة الاستفادة من برامج المنح الأوروبية والأميركية واليابانية وغيرها بمنظورها المهني لا المادي وضرورة انسجام السياستين النقدية والمالية،وتوسيع وتشجيع المناطق الحرة وتيسير سرعة انجاز معاملاتها وذلك بتحديثها وفق أساليب تقنية متقدمة.
ودعا إلى تقديم التسهيلات من كافة الأطراف للمواطنين العرب في مملكة الأمن والأمان والحضن الدافئ للاقامة والاستثمار، وايجاد مناطق صناعية في كافة المحافظات ودعم الزراعة وخاصة النوعية ذات المردود العالي،وتسويق البرامج السياحية العلاجية والدينية والترفيهية بمنظور شامل.
من جهته، قال عميد كلية الاقتصاد والعلوم الادارية في الجامعة الهاشمية الدكتور سامر الرجوب ان السنوات المقبلة هي سنوات عجاف على معظم دول العالم وتسييس الاقتصاد في دول العالم الغربي ودول الربيع العربي.
وبين ان الأردن سيتأثر بالمتغيرات الخارجية والداخلية ما يضفي صفة خاصة على بعض الإجراءات الإقتصادية بما يتناسب مع بعض دعوات المواطنين وخلافاً للحالة الإقتصادية التي نعيشها.
واوضح الرجوب ان هذه الإجراءات بدأت بمشروع هيكلة الرواتب بهدف رفع معدل الدخول الفردية للموظفين في القطاع العام دون النظر للعواقب الإقتصادية التي تضع الإقتصاد الأردني أمام مشكلة التضخم المصطنع الذي سيسببه القطاع المستورد والمحلي للأغذية بفعل ممارسات التجار التي ستأكل الزيادة من خلال رفع الأسعار، بالإضافة لزيادة الإنفاق الحكومي الذي سيتوجه لزيادة الإستهلاك من قبل المواطنين على حساب الإنفاق الحكومي الموجه للتنمية.
ووصف هيكلة الرواتب بـ "المنقوصة" لأنها حاولت معالجة الإختلالات في رواتب العاملين في القطاع العام ونسيت موضوعا في غاية الأهمية وهو الهيكلة الإدارية للمؤسسات الإقتصادية والتي ستوفر على الخزينة مبالغ طائلة تسهم في تقليل العجز الحكومي بخلاف هيكلة الرواتب فقط.
وقال الرجوب ان المملكة تعاني من مشكلتين رئيسيتين تساهمان في تراكم عجز الموازنة وتعتبر من أهم التحديات التي ستستمر في الأعوام المقبلة وهي، تكاليف الطاقة وما ينشأ عنها من تضخم مستورد وتحد للإستقرار النقدي وإرتفاع تكاليف خدمة الدين.
ولخص الرجوب المشاكل الهيكلية الاقتصادية التي عانى منها الأردن على مر السنوات وما زالت ماثلة وهي، ضعف حقيقي في كافة أشكال الإنتاج وخاصة الصناعي والعجز التجاري المزمن، وضعف الإنتاجية وتفاقم السلوك الإستهلاكي (الشره) لغالبية الفئات ، وضعف المتابعة وغياب التخطيط طويل الأجل وعدم المقدرة على ترتيب الاولويات بأسلوب ممنهج وقابل للتطبيق.
وزاد على ذلك مشكلة الطاقة وغياب الربط بين الجامعات والقطاع الصناعي والتجاري والزراعي والتكنولوجي وسلوك القطاع المصرفي نحو القروض الشخصية وخاصة قروض السيارات التي تساهم في زيادة تكاليف الطاقة المستوردة والتلوث البيئي.
وأشار الى مشكلة المركزية العالية في العاصمة وغياب سياسة توزيع مكتسبات التنمية وسلبية القطاع الخاص بالمساهمة الحقيقية في نمو الاقتصاد الأردني بالرغم من جهود الحكومات المتعاقبة في تحسين بيئة الإستثمار المحلية وإقتصاره نحو القطاع الإنشائي والإستهلاكي الذي يستخدم العمالة الوافدة بشكل كثيف.
وأشار إلى عدم توجه رأس المال في القطاع الخاص نحو الإنتاح الحقيقي الذي يساهم بنمو الإقتصاد وإبتعاده عن أي إستثمار لا يحقق له الربح العالي الخالي تماما من المخاطر ووجود إختلالات إدارية هيكلية سواء في شكل الهيكل الإداري للمؤسسات الحكومية أو في تكاملها.
وبالرغم من هذه المشاكل المزمنة الا ان الرجوب ابرز عناصر القوة في الإقتصاد الوطني التي يمكن أن نبني عليها لمعالجة المشاكل وتقوية الإقتصاد ومنها، توافر العنصر البشري المؤهل ووجود البنية التحتية الجيدة والقرب من اسواق الخليج وبيئة تشريعية مناسبة والتركيب العمري للسكان حيث يغلب عليه فئة الشباب وقطاع مصرفي منافس وحجم ودائع ضخم يمكن أن يترجم لحجم تسهيلات هائل يمكن أن يوجه باتجاه الإستثمار.
ومن عناصر القوة في الاقتصاد الوطني ايضا حسب الرجوب توافر رؤوس الأموال في القطاع الخاص ووجود معالم سياحية مميزة ومعروفة عالمياً وثروات البحر الميت والإستقرار السياسي والأمني وعلاقات متميزة مع دول العالم بالاضافة الى قطاع صحي متميز وشركات أدوية ناجحة.
ونصح الرجوب الحكومة المساهمة بالإستثمار في القطاع الصناعي إما بشكل فردي أو بالتشارك مع القطاع الصناعي واحداث تغيير جذري في سياسات التعليم الجامعي من خلال إجبار الجامعات على بناء مصانع للإنتاج والبحث والتطوير منفردة أو بالتعاون مع القطاع الخاص وإقتطاع نسبة من أرباح الشركات والمؤسسات المالية للمساهمة في بناء هذه المصانع.
ونصح الحكومة ايضا بتطوير البيئة التشريعية لعمل الشركات والمؤسسات وتعديل جذري في تشريعات السوق المالي وتعزيز الشفافية وتخفيض أي نفقات غير ضرورية والغاء بعض الهيئات التي تتشابه في أهدافها أو دمجها وتعديل قانون الضريبة الحالي بحيث يمنع من التهرب الضريبي على الأرباح والدخول بالإضافة لفرض ضرائب تصاعدية ومتفاوتة حسب نوع وسعر السلعة أو الخدمة وتوسيع فئات السلع والخدمات الداخلة في هذه المعادلة عن تلك الموجود حالياً.
ودعا الرجوب الحكومة الى تسويق السياحة في الأردن وتوجيه القطاع الخاص للإستثمار في توفير الخدمات السياحية ومتابعة ملف الطاقة البديلة وتشجيع الصادرات والعودة لسياسة إحلال المستوردات التي أهملت منذ ثمانينيات القرن الماضي ودعم بعض القطاعات التي تملك ميزة تنافسية مثل قطاع الأدوية والقطاع الصحي والسياحة وتسويق الأردن دوليا لتشجيع الإستثمار وزيادة عدد القادمين ومراجعة سياسة إستقدام العمالة الوافدة التي يمكن إستبدالها باخرى محلية. وعن القطاع الخاص دعا الرجوب الى توسيع إهتماماته الإستثمارية لتشمل القطاع الإنتاجي والتعاون مع الحكومة في حل مشكلة البطالة بتوسيع قاعدة إستثماراته والتركيز على الصناعة والاستثمار في قطاع السياحة والمساهمة مع المواطنين في تحمل جزء من ضريبة المبيعات على السلع والخدمات وعدم تحميلها كاملة للمواطن.
ودعا القطاع الخاص لاحلال العمالة الأردنية محل الوافدة بجميع القطاعات والتوقف عن استيراد البضائع الرديئة التي تكبد المواطن تكاليف عالية مقابل خدمة سيئة تهدر الأموال وتؤثر على احتياطي العملات الأجنبية.
ورأى الرجوب ان تتصدر الاولويات التي يجب التركيز عليها في المرحلة الحالية والمقبلة مشروعات الطاقة البديلة والاهتمام بالقطاع الصناعي والإنتاجي ومعالجة الإختلالات في الهيكل الإداري للمؤسسات الاقتصادية التنفيذية والحرص على تكاملها الوظيفي الأفقي والعمودي.
وأشار الى ضرورة وضع سياسة معينة للتقليل من إستهلاك الطاقة المنزلية وأخرى للمواصفات والمقاييس أو تطبيق أسسها الموجودة حاليا بالشكل الصحيح للسلع المستوردة ووضع شروط معينة على درجة جودة السلعة المستوردة.
وشدد على ضرورة ضبط النفقات وتخفيض أي إنفاق حكومي غير ضروري يمكن الإستغناء عنه من دون أن يؤثر سلبيا على النمو الاقتصادي والمساهمة بالاستثمار وتعديل النظام الضريبي الحالي والاستمرار في دعم القطاعات الواعدة وتعديل الأسس الخاصة بمخرجات التعليم وتسويق الأردن في أميركا الجنوبية ودول الشرق الأقصى.
وقال عميد كلية الأعمال بجامعة الشرق الاوسط الدكتور عبد الناصر نور "اننا نحتاج لربيع اقتصادي محلي العام الحالي على مستوى المؤسسات والقيادات الاقتصادية نراجع من خلاله جميع التشريعات الاقتصادية وبخاصة قوانين الضريبة وتشجيع الاستثمار".
واضاف "نحتاج للربيع الاقتصادي من اجل ضبط الاستثمار الاجنبي وتوجيهه الى القطاعات الانتاجية التي تعطي للاقتصاد الوطني قيمة مضافة عالية والزام المستثمر الاجنبي باعطاء اولوية للعمالة المحلية في حال توفرها"، داعيا في هذا الصدد الى العودة لنصوص قانون تشجيع الاستثمار السابق لعام 1995 وما بعدها والتي كانت تنص على أن يحقق 40 بالمئة قيمة مضافة كحد ادنى على الاقتصاد.
وتابع "نحتاج ربيعا اقتصاديا لضبط نشاط بورصة عمان ومحاولة دفع رأس المال الوطني وتشجيعه لامتلاك النسبة الاكبر من مجموع الاسهم المتداولة وذات القيم العالية".
واكد الدكتور نور أن أي اصلاح اقتصادي، هو جزء من عملية تنموية شاملة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، مشددا على ضرورة تضافر الجهود بين القطاعين العام والخاص في التعاون وتحقيق أهداف التنمية الشاملة.
وتناول الدكتور نور التحديات التي يواجهها الاقتصاد الاردني حاليا وتشير الى صعوبات ستواجهها المملكة وفي مقدمتها المديونية حيث بلغ مجموع الدين العام في نهاية تشرين أول الماضي حوالي 635ر12 مليار دينار بما يشكل 9ر61 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي بزيادة 5ر117 مليون دينار عن مستواه بنهاية 2010 .
واشار الى أن سداد المديونية كان من أهم أهداف ومبررات عمليات الخصخصة التي تمت لحساب الشريك الاستراتيجي والتي طالت أهم المؤسسات الاقتصادية الناجحة بينما الرصيد التراكمي لحساب عوائد التخاصية حسب ارقام رسمية بلغ في نهاية تشرين أول الماضي نحو 8ر12 مليون دينار، متسائلا اين ذهبت عوائد الخصخصة.
وبين الدكتور نور ان التحدي الثاني الذي يواجه الاقتصاد الاردني العام الحالي يتمثل بعجز الموازنة العامة الذي وصل حتي نهاية تشرين اول الماضي الى حوالي 5ر452 مليون دينار بعد المساعدات و 506ر1 مليار دينار قبلها.بالاضافة الى ارتفاع معدل البطالة من 5ر12 بالمئة عام 2010 الى 1ر13 بالمئة حتي نهاية ايلول الماضي.
واشار الى انخفاض حجم التداول في بورصة عمان بنسبة 5ر58 بالمئة حتى نهاية شهر ايلول الماضي ما ينذر بمخاطر كبيرة، ويدل على مؤشرات سلبية تجاه مجمل الاقتصاد الوطني، علاوة على انخفاض معدل نمو الناتج المحلي الاجمالي من 2ر8 بالمئة عام 2007 الى 3ر2 بالمئة العام الماضي.
وراى ان مواجهة هذه التحديات يتطلب محاربة الفساد بلا هوادة في القطاعين العام والخاص من خلال تغيير الثقافة السائدة لدى الاشخاص الذين يتقلدون مناصب عليا واعادة النظر وبحزم بالتشريعات الاقتصادية وحزم الامان الاجتماعي وتكاملها مع حزم القوانين السياسية والثقافية.
واكد ضرورة اعادة النظر بعمليات واتفاقيات الخصخصة ودراسة نتائجها الحقيقية على الاقتصاد الوطني وعلى المجتمع الاردني بعامة، وترميم ما تبقى من القطاع العام وتطويره واعادة دوره في حماية الانتاج الوطني وحماية المواطن منتجاً ومستهلكاً.
من جهته ، شدد رئيس جمعية مستثمري شرق عمان الصناعية الدكتور اياد ابو حلتم على ترك التنظير والتفلسف الاقتصادي جانباً، والتوجه نحو وضع حلول عملية بسيطة ومباشرة وجراحية لمشاكلنا الاقتصادية على المدى القصير والمتوسط .
واقترح ابو حلتم حلولا يمكن للمخطط الاقتصادي ان يستنير بها خلال العام الحالي منها وقف تحميل اي أعباء أو كلف إضافية على موازنة الحكومة كالتعيينات وخفض النفقات الجارية بوضع خطة تقشف طويلة الامد،للحد من الهدر المباشر بسبب نقص الكفاءة التشغيلية.
ودعا القطاع الخاص ومجتمع الاعمال للوثوق بالاقتصاد الوطني، والتوسع باستثماراته المحلية لخلق فرص عمل جديدة للداخلين لسوق العمل من خريجي الجامعات والمعاهد والمقدر عددهم بحوالي 100 الف طالب وظيفة جديدة سنويا.
وشدد على ضرورة زيادة الإنتاجية التي وصفها بانها الحل السحري والعلاج السريع لرفع معدلات النمو للاقتصاد الوطني والعمل بشكل وثيق ما بين مربع الإنتاج (المستثمر والعامل والحكومة) والخروج بسياسات محددة لغرس قيم عمل جديدة لدى الأردنيين.
واقترح ابو حلتم حلولا على المدى المتوسط منها، الغاء الدعم الحكومي على السلع وتحرير السوق بالكامل تدريجيا مع الأخذ بعين الاعتبار تعديل الحد الأدنى للأجور بما يتناسب مع خط الفقر المطلق، ووضع خطة خمسية للأمان الاجتماعي تشمل التأمين الصحي الإلزامي وصرف إعانات البطالة. وأشار إلى ضرورة توفير الدعم المادي المباشر وغير المباشر للمشروعات الحرفية الصغيرة والمتوسطة لايجاد فرص عمل جديدة، والنمو في اقتصاديات الحجم وزيادة الإنتاجية، وتخصيص مبالغ كنسبة من الموازنة السنوية تحدد بقانون للإنفاق على البحث العلمي، وتطوير مراكز الاختراعات والإبداع، والمراكز الأكاديمية بهدف تحويل الصناعات الأردنية الى منشئة للتكنولوجيا ومطورة لها بدلاً من مستخدمة لها.
وأشار ابو حلتم الى ابعاد اقليمية لها تاثير على الاقتصاد الوطني ومنها أهمية استمرار الاستقرار السياسي والأقتصادي بدول منطقة الخليج العربي التي تعتبر رافداً وداعماً حقيقياً للاستقرار الاقتصادي في المملكة.
وبين ان المنح المقدمة من السعودية لتخفيف أو حتى لتسديد الجزء الأكبر من عجز الموازنة يشكل دعماً معنوياً ومادياً قوياً للمخطط الاقتصادي على المدى القصير أو حتى المتوسط بالاضافة الى قرار دول المجلس بدعم الأردن على مدى خمس سنوات بمبلغ 5ر2 مليار دولار.
واوضح ابو حلتم ان الوضع غير المستقر في سوريا، يخلق نوعا من حالة عدم اليقين فيما يتعلق باستقرار كثير من أسعار السلع وخصوصاً السلع الغذائية وحتى المواد الخام التي تستورد من أو عبر الأراضي السورية،وكذلك تجارة الترانزيت للسلع المستوردة من تركيا وأوروبا والعابرة للأراضي الأردنية باتجاه دول الخليج، وحتى صادراتنا الى سوريا بدأت تتأثر بشكل واضح بالاحداث هناك. واشار الى بعد اخر يتمثل بالانخفاض الحاد في الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الأردن بفعل تعمق الأزمة الاقتصادية في دول الاتحاد الاوروبي بسبب أزمة الديون السيادية وعدم نمو الاقتصاد الاميركي العام الماضي وحالة عدم اليقين الكبيرة التي تسود المنطقة والتي جعلت الكثير من المستثمرين يحجمون عن القدوم للاردن، وخصوصاً الخليجيين الذين تشكل استثماراتهم النسبة العظمى من الاستثمارات الأجنبية المتدفقة للمملكة.
وزاد على تلك الابعاد تأثر إمدادات الغاز المصري إلى المملكة بالإحداث السياسية والاعتداءات المتواصلة عليه ما اربك انتاج قطاع الطاقة بالمملكة وارتفاع الأسعار وفاتورة الدعم الحكومي وبالتالي زيادة عجز الموازنة، وانعكاس تلك الأوضاع على الصادرات الوطنية واحتياطيات الأردن من العملات الأجنبية وزيادة العجز في الميزان التجاري.
وأشار إلى وجود عدم وضوح بالنسبة لاتجاهات أسعار المواد الخام العالمية وخصوصاً السلع الاستراتيجية كالنفط والمواد الغذائية الأساسية وأجور الشحن، والتي قد تؤدي في حال حدوث ارتفاعات حادة بها الى ارتفاع معدلات التضخم بشكل سلبي مباشر على القوة الشرائية للمواطن وبالتالي تراجع معدلات النمو الاقتصادي.
ورأى ابو حلتم ان هذه الاوضاع تحتم على المشرع والاقتصادي ورجل الأعمال والعامل الأردني العديد من المسؤوليات الجسام، والتي يجب أن نتحملها جميعاً بحس عال من المسؤولية، ومن خلال رسم خريطة طريق اقتصادية للخروج من هذا النفق.
وأكد ان هذا يتطلب انجازا سريعا لجميع مشاريع القوانين الاقتصادية،واقرار أو إلغاء القوانين المؤقتة والمكدسة في ادراج الحكومة والخروج بتشريعات حديثة ومتوائمة مع الظروف الأقتصادية العالمية الحالية وضرورة استقرارها لبيئة الأعمال والاستثمار والتوقف عن تفريخ المؤسسات والمجالس واللجان التي لم تقدم سابقا حلولا ناجعة لمشاكل الاقتصاد الوطني.
من جانبه أكد الخبير الاقتصادي الدكتور مازن مرجي أن ( 2012) هو عام استمرارية الصعوبات الاقتصادية ولكنها في هذا العام تأخذ منحنى جديدا يحتاج لثورة اقتصادية -إن جاز التعبير-، تسعى للتغيير والتصحيح ليس فقط من حيث الوسائل والبرامج أو منهج التخطيط وإنما أيضا من حيث الرؤية المستقبلية لما يجب أن يكون عليه الاقتصاد الأردني في المستقبل القريب والبعيد.
وقال مرجي ان الأزمات التي عاني منها الاقتصاد الوطني سابقا ما زالت مستمرة مع العام الجديد واضيف لها تحديات اخرى تتمثل بالمديونية العالية والتفاقم بمستويات العجز في الموازنة العامة والتي يبدو أنها أصبحت علامة مسجلة وبصمة تتعمق عاما بعد عام في الموازنات السنوية.
وفي هذا الصدد، اكد ضرورة اكتشاف مواضع الهدر أو سوء التخطيط والعمل على إيقافه بالاضافة لتنفيذ التوجهات المتفق عليها سابقا بتخفيض عدد المؤسسات الشبه حكومية(المستقلة) عبر الإلغاء أو الدمج أو إعادة ربطها بالوزارات المعنية لتخفيض الموازانات المتزايدة لهذه المؤسسات.
واضاف مرجي اننا بحاجة ملحة خلال العام الحالي لإصدار وتفعيل قوانين حماية المستهلك ومنع الاحتكار والتنافسية وعدم تراكم الثروات بشكل غير قانوني ما يعني بالضرورة نوايا صادقة تمثل تحديا حقيقيا لمصداقية التوجهات والسياسات.
وراى اهمية توسيع دائرة محاربة الفساد وفتح كل الملفات ومحاكمة كل شخص أو هيئة تدور حولها الشكوك تمهيدا لعملية اجتثاث شاملة لهذه الآفة الخطيرة ليس فقط من الواقع الاقتصادي الحالي وإنما أيضا اجتثاثها من الثقافة العامة السائدة ما يسهم في منع عودة بيئة الفساد والفاسدين للازدهار مرة أخرى في المستقبل.
ودعا مرجي الى انهاء حالة التراخي بخصوص إجراء الإصلاحات الاقتصادية الضرورية والتي تراجعت لمرتبة متأخرة من اهتمامات المخططين وصانعي القرارات ،مؤكدا أهمية ربط عملية الإصلاح الاقتصادي بالإصلاح السياسي.
كما دعا الى وضع رؤية اقتصادية واضحة تستشرف المستقبل في إطار برامج تنفيذية واضحة المعالم من حيث الإطار الزمني والخطوات العملية الواجب إتباعها والآليات المناسبة للتعامل مع المعضلات الاقتصادية الرئيسة والتي يأتي في مقدمتها الفقر والبطالة .
واعرب مرجي عن تخوفاته من استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية العالمية ما يجعل من مسألة جذب الاستثمارات وزيادة الصادرات الوطنية أكثر صعوبة ما يتطلب جهودا مكثفة أكثر للحد من تلك الآثار ،بالاضافة الى معاناة تراجع القطاع السياحي متأثرا باحداث المنطقة العربية وربيعها السياسي.