بالفيديو...الرجل الذى عندما مات , فرحت أوروبا بأكملها لخبر وفاته .. تخيل من يكون !!
جراءة نيوز- عقب سقوط الدولة الأموية، وهروب عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك، إلى الأندلس، وتأسيس الدولة الأموية بالأندلس، عاصمتها قرطبة، تعاقب الخلفاء الأمويين على الحكم، كهشام بن عبد الرحمن الداخل، وولده الحكم، وعبد الرحمن الأوسط، وعبد الرحمن الناصر، الذي يعتبر أعظمهم، وابنه الحكم المستنصر، حتى ظهر منصور بن أبي عامر، مؤسس الدولة العامرية، الذي حكم لمدة 50 عامًا، ولم يٌهزم في أي معركة ضد الفرنجة والصليبيين.
وذكر ابن خلدون، في تاريخه، أن «محمد بن أبي عامر تولَّى الحُكم منذ سنة (366هـ= 976م) حتى 392هـ، 1002م، وقضى المدَّة في جهاد دائم لا ينقطع مع ممالك النصارى في الشمال، مع حسن إدارة وسياسة على المستوى الداخلي، حتى صارت الأندلس في عهده في ذروة مجدها».
نشأته
وقال المؤرخ الإسلامي، الدكتور راغب السرجاني، أنه «محمد بن عبد الله بن عامر بن أبي عامر بن الوليد بن يزيد بن عبد الملك المعافري، وكان جدُّه عبد الملك المعافري من العرب الفاتحين الذين دخلوا الأندلس مع طارق بن زياد، فنزل بالجزيرة الخضراء في جنوب الأندلس، واستقرَّ بها، وكان والده، عبد الله بن عامر، من أهل الدين والعفاف والزهد في الدنيا والقعود عن السلطان، ومات في مدينة طَرَابُلُس الغرب وهو عائد من أداء فريضة الحج، وأمه هي بُرَيْهَة بنت يحيى من قبيلة بني تميم العربية المعروفة».
ابن أبي عامر في قصر الخلافة
ذكر «السرجاني» أن «أبي عامر كان ذا طموح كبير وهمة عالية وذكاء وقَّاد، وعمل كاتبًا للقاضي محمد بن إسحاق ابن السليم، الذي رأى من نبوغه ما جعله يوصي به عند الحاجب، جعفر بن عثمان المصحفي، في عهد الخليفة الحكم المستنصر بالله، الذي ولاه وكالة ابنه عبد الرحمن سنة 356هـ، وأُعجب الحكم المستنصر بأخلاقه، وذكائه ونباهته وحُسن تصرُّفه».
وتابع: «توفي عبد الرحمن وهو طفل صغير، ثم ولدت صبح ولدها الثاني هشامًا، فتولَّى وكالته أيضًا ابن أبي عامر سنة (359هـ)، ولم يلبث أن تدرَّج في المناصب العليا، فعُيِّنَ أمينًا لدار السكة، وكُلِّفَ بالنظر على الخزانة العامة وخُطة المواريث، ثم أصبح قاضيًا لإِشْبِيلِيَة ولبلة، ثم عَيَّنه مديرًا للشرطة الوسطى، ثم ولاَّه الأمانات بالعدوة، فاستصلحها واستمال أهلها، ثم عينه الحكم قاضي القضاة في بلاد الشمال الإفريقي، وأمر عماله وقوَّاده هناك، ألا يقطعوا أمرًا إلاَّ بمشورته، ثم عينه الحكم المستنصر ناظرًا على الحشم وهو في مرض موته، ومن المدهش في أمر محمد بن أبي عامر، أنه لم يتولَّ عملاً إلاَّ وأداره ببراعة وكفاءة، فاقت براعة من سبقوه، رغم أنه دونهم في السنِّ والخبرة، وأنه كانت تزيد عليه المناصب والتكاليف، فيستطيع أن يجمع بينها مهما اختلفت وتكاثرت».
بعد وفاة الحكم المستنصر، تولى ولده هشام المؤيد بالله الخلافة، وصفا الحال لحزب هشام المؤيد بالله، وهذا الحزب متمثِّل في الحاجب جعفر المصحفي، وأم الخليفة الصغير صبح البشكنسية، وهي الشخصية القوية في القصر، ثم ابن أبي عامر الشخصية القوية، التي تتولَّى العديد من الأعمال، والتي يتكئ عليها جعفر المصحفي، في كل عمل مهم.
وأضاف «السرجاني»: «تعرضت الخلافة الجديدة في الأندلس لحادث خطير؛ إذ ما أن علم نصارى الشمال بوفاة الحكم المستنصر، وجدوا الفرصة سانحة لنقض كلَّ ما كان بينهم وبينه، من عهود ومواثيق، وشرعوا يُهاجمون الثغور الإسلامية هجمات عنيفة، بغرض الثأر من المسلمين وإضعافهم، فلا يجدون فرصة لاستجماع قواهم من جديد، ولا يجد حاكمهم الجديد أيضًا الفرصة لتوطيد مُلكه؛ فيستطيع من بعدُ أن يُوَجِّه لهم الضربات العنيفة، التي اعتادوها في عهد الحكام الأقوياء؛ ومن هنا فقد اشتدَّت هجمات نصارى الشمال، على الثغور الإسلامية، بل وتخطّوها حتى كادت حملاتهم تصل إلى قُرْطُبَة، عاصمة الخلافة الإسلامية في الأندلس».
وتابع: «كان ضعف الخليفة الصغير، انسحب على رجال الدولة جميعًا، فلم يُقدم أحد على كفاح النصارى وردِّهم، ولا يجدون أحدًا يتقدَّم لهم، كما أن حاجب الخلافة جعفر المصحفي، كان ضعيفا مترددا خائر الرأي، ليس له عزيمة، ولا يدري ماذا يفعل، وهو يجبن عن الخروج لملاقاة العدوِّ، بل بلغ به الأمر بالرغم من قوة الجيش الذي تركه الحكم المستنصر، ووفرة المال والسلاح والعتاد أن أمر أهل قلعة رباح بقطع سدِّ نهرهم، ظنًّا منه أن هذا قد يُنجيهم من ضربات النصارى المتلاحقة، إلا أن ابن أبي عامر استعد لصد هجمات النصارى، والذود عن الخلافة الإسلامية في الأندلس».
يقول «السرجاني»: «استعدَّ ابن أبي عامر للغزوة أفضل استعداد، وقاد الجند، وأخذ معه المال، وسار في رجب سنة (366هـ) إلى الشمال، وهرب من أمامه جيش النصاري، ثم استطاع الاستيلاء على حصن الحامة وربضه، وعاد إلى قُرْطُبَة بعد اثنين وخمسين يومًا من خروجه إلى الغزو محملاً بالسبي والغنائم، ففرح الناس بذلك فرحًا عظيمًا، وزاد حبُّهم وتقديرهم له».
سيطرته على الدولة
وبحسب الموسوعة التاريخية إن «الأوضاع لم تستقر، واستمر حبك المؤامرات بين الوصاة الثلاثة، فبدأ النزاع بتحالف مؤقت بين أبي عامر وغالب الناصري انتهى بسجن الوزير المصحفي، وبعد القضاء على الوزير توترت الأوضاع بين الحليفين بمحاولة اغتيال أبي عامر، استطاع بعدها محمد بن أبي عامر قتل غالب الناصري، فأصبح هو المسيطر الحقيقي وليس للخليفة إلا الاسم، حتى إن العملة طبعت باسم الخليفة واسم الحاجب المنصور معا، ومن الأمور العظيمة التي قام بها المنصور هي فتح قلعة سمورة عام 371هـ التي عجز الناصر عن فتحها».
فتوحاته
وقال المؤرخ الأندلسي ابن عذاري، في كتابه «البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب»: «غزا محمد بن أبي عامر في حياته أربعًا وخمسين غزوة، لم يُهزم أبدًا في واحدة منها».
وذكر «السرجاني»: «بل كان الأغرب من ذلك هو أن يصل في فتوحاته إلى أماكن في مملكة ليون وفي بلاد النصارى لم يصل إليها أحدٌ من قبل كمنطقة الصخرة».
غزوة «شانت ياقب»
وأضاف «السرجاني»: «كانت أعظم غزواته قاطبة غزوة (شانت ياقب)، وتعني سانت يعقوب أي القديس يعقوب، وكانت آخر معاقل النصارى في الشمال الغربي من الأندلس، تمتلك المرتبة الثالثة من المدن المقدسة عند النصارى، فتسبقها القدس وروما، وهم يظنون أن بها قبر مبشر بالدين المسيحي واسمه (يعقوب الحواري)، وضع المنصور خطة برية بحرية، بدأها من مدينة سالم، وقاد جيشه وصولا لنهر دويره الذي أعد به سفن بها موارد، ليمر الجند من خلالها ويأخذوا من مؤوناتها.
وتابع «السرجاني»: «الخطة البرية البحرية كانت تقضي بأن يخرج المنصور بجيشه متجهاً نحو هدفه و في نفس الوقت يخرج جيش من السفن . فعندما يصل جيش المنصور إلى منطقة بحرية تقوم السفن بالاصطفاف خلف بعضها لبناء جسر يعبر من خلاله الجيش ( لتوفير وقت بناء الجسور )، و بعد أن ينتهي عبور الجيش تتجه السفن للعائق البحري التالي لتفعل نفس الشيء، وصلت الأخبار لمدينة سانت ياقب، ففروا من مدينتهم خوفا بسرعة تساوي سرعة جيش المنصور، وتركوا خلفهم العديد من الغنائم، وبعد فتح المدينة عام 387هـ وبعد مسيرة 40 يوما، أمر الحاجب المنصور ألا تمس الكنائس ولا القبر بأي سوء».
فتح المغرب الأقصى
أرسل الحاجب المنصور أحد قادته واسمه الحسن السلمي ليفتح المغرب الأقصى عام 375هـ، وانتزعها من بين أيدي الفاطميين، وعين الحسن واليا بربريا اسمه الزيزي المغراوي، ولكن «الزيزي» خان الأمانة ولم يؤديها، فاستأثر بحكم المغرب، ولكن داهية قام بإغراء أعوان «الزيزي» بالمال والسلطة، فأعاد المغرب عام 386هـ تحت جناحه بسهولة، فكانت الدولة الأموية بالأندلس بزمن الحاجب المنصور في أكبر توسع شهدته طوال زمن بقائها.
مواقفه في الجهاد
وروى «ابن عذاري» عن نجدته للمسلمين أنه بلغه وجود أسيرات مسلمات لدى جارسيا سانشيز الثاني ملك نافارا رغم أنه كانت بينهما معاهدة تنص على ألا يستبقي جارسيا لدية أسرى من المسلمين، فأقسم أن يجتاح أرضه لنكثه بالعهد، ولما خرج المنصور بجيشه، وبلغ غارسيا خروجه.
وأسرعت رسل جارسيا تستفسر عن سبب الغزو، فأعلموهم بخبر الأسيرات المسلمات، فردّهن «جارسيا» معتذرًا بعدم علمه بهن، وبأنه هدم الكنيسة التي كانت تحتجزهن كاعتذار منه على ذلك، فقبل منه المنصور ذلك وعاد بالأسيرات.
ويقول الدكتور محمد عبد الله عنان، في كتابه «دولة الإسلام في الأندلس»: «كان مقتديًا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : «وَلاَ يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِى سَبِيلِ اللهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ، فكان من عادته الحاجب المنصور في جهاده وبعد كل معركة أن ينفض ثوبه، ويأخذ ما يخرج منه من غبار ويضعه في قارورة، ثم أمر في نهاية حياته أن تُدفن معه هذه القارورة؛ وذلك حتى تشهد له يوم القيامة بجهاده ضد النصارى».
ويقول «ابن الاثير»: «كان المنصور بن أبي عامر عالماً، محباً للعلماء، يكثر مجالستهم ويناظرهم، وأكثر العلماء ذكر مناقبه، وصنفوا لها تصانيف كثيرة، وكان حسن الاعتقاد والسيرة، عادلاً، وكانت أيامه أعياداً لنضارتها، وأمن الناس فيها».
وفاته
توفي الحاجب المنصور في 27 رمضان 392 هـ في مدينة سالم، وهو عائد من إحدى غزواته على برغش، التي أصيب فيها بجروح، وكان أوصى بأن يدفن حيث مات، وكان يشتكي علة النقرس، وترك المنصور من الولد اثنين عبد الملك وعبد الرحمن، غير ابنه عبد الله الذي قتل عام 380 هـ،وقد بلغت غزواته التي غزاها بنفسه 57 غزوة، لم يهزم في أحدها قط.
دُفِن في قصره بمدينة سالم ونُقِش على قبره الأبيات التالية :
آثـاره تنبيك عــن أخبـاره حتى كأنك بالعيان تراه
تالله لا يأتي الزمان بمثله أبداً ولا يحمي الثغور سواه